تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مقال في التكفير بالمآل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    118

    افتراضي مقال في التكفير بالمآل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقال في التكفير بالمآل

    الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
    فقد اختلف العلماء في التكفير بالمآل ولوازم الأقوال.فذهب قوم إلى أن( لازم المذهب مذهب) فكفروا بالمآل, وقيدوا ذلك بكون اللزوم بينا غير خفي .
    فقال العطار في حاشيته على جمع الجوامع (1/371 ): (لازم المذهب لا يعد مذهبا إلا أن يكون لازما بينا), وهو موافق لما ذكره الدسوقي في حاشيته (4/301 ).
    واختار قوم أنه ليس بمذهب إذا تبين عدم التزام المتكلم بلازمه.
    قال الشاطبي في الاعتصام (3/172/تحقيق مشهور): (الذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذاهب المحققين من أهل الأصول (إن الكفر بالمآل,ليس بكفر في الحال) , كيف والمكفر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار, ويرمي مخالفه به , تبين له وجه لزوم الكفر من مقالته, لم يقل بها على حال)
    وقال ابن حزم في الفصل (2/369): (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم,فخطأ ,لأنه كذب على الخصم,وتقويل له ما لم يقل به)
    وقال الحافظ في فتح الباري (12/337): (لازم المذهب ليس بمذهب فقد يذكر العالم الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه أنكره)
    وقال القاري في مرقاة المفاتيح (1/283): (قال ابن حجر – أي الهيتمي - : الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنّا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا أن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم)
    وقال ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (3/425): (لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر وعليه مشى الإمام الرازي والشيخ عز الدين بن عبد السلام)
    - وهو مذهب العز ابن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ص172 ) والزركشي في المنثور والبحر المحيط.
    وشدد الشوكاني في ذلك فقال في السيل الجرار (4/580): (قد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام,فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى )

    واعلم أن التكفير بالمآل واللازم طريقة أهل البدع والأهواء.
    قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/343/): (أكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل,واختلف قول مالك في التكفير بالمآل, ومعنى التكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر, وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم)
    ومثاله ما ذكره مرعي بن يوسف الكرمي في أقاويل الثقات (ص92) فقال: (اِعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة هو من المجسمة لأن من لازم الجهة التجسيم وهذا ظن فاسد فإنهم لا يقولون بذلك لأن لازم المذهب ليس بلازم عند المحققين فكيف يجوز أن ينسب للإنسان شيء من لازم كلامه وهو يفر منه بل قالوا نحن أشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري تعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد يتميز به عظمة ذاته من مخلوقاته هذا السمع والبصر والقدرة والعلم من لازم وجودها أن تكون أعراضا ولذلك نفاها المعتزلة ولكن هذا اللازم ليس بلازم كما هو مقرر معلوم فتأمل ولا تخض مع الخائضين)
    بخلاف أهل السنة, فقد سئل شيخ الإسلام كما في الفتاوى (20/217):
    هل لازم المذهب مذهب أم لا ؟
    فأجاب : (أما قول السائل هل لازم المذهب مذهب أم ليس بمذهب فالصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له, إذا لم يلتزمه. فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه, بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال, غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبل الكفر والمحال مما هو أكثر, فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه لا يلتزمها, لكن لم يعلم أنها تلزمه. ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة, فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة, وكل من لم يثبت بين الاسمين قدرا مشتركا لزم أن لا يكون شيء من الإيمان بالله ومعرفته والإقرار به إيمانا, فإنه ما من شيء يثبته القلب, إلا ويقال فيه نظير ما يقال في الآخر, ولازم قول هؤلاء يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين, الذين هم أكفر من اليهود والنصارى, لكن نعلم أن كثيرا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله)
    وأحسن شيء في هذا الباب ما حرره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في القواعد النورانية (ص128) فقال : (لازم قول الإنسان نوعان:
    أحدهما: لازم قوله الحق, فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه, فإن لازم الحق حق. ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره, وكثيرا ما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
    والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق, فهذا لا يجب التزامه, إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض, وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين, ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له, فقد يضاف إليه, وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه, لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزم.
    هذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب, هو أجود من إطلاق أحدهما.
    فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله, وما لا يرضاه فليس قوله, و إن كان متناقضا. وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع لزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه, فإذا عرف هذا, عرف الفرق بين الواجب من المقالات و الواقع منها, و هذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها.
    فأما إذا نفى هو اللزوم, لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال, وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله, لكونه ملتزما لرسالته,فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول, و إن كان لازما له ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه و اللازم الذي نفا, ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه قد يكون عن اجتهادين في وقتين)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال ابن حزم أيضا في "الفصل":
    "فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله، ونص معتقده، ولا ينفع أحد أن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه، لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط"اهـ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال الشيخ السعدي رحمه الله في توضيح الكافية الشافية:
    والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه ولم يشر إليه، ولم يلتزمه ليس مذهباً؛ لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه. ونقوله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم، فإن لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها وعلى فسادها، فإن الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه، فيستدل بفساد اللازم خصوصاً اللازم الذي يعترف القائل بفساده على فساد الملزوم.اهـ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وذكر السخاوي في فتح المغيث قول شيخه الحافظ ابن حجر، حيث قال: "والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه، أما من لم يلتزمه وناضل عنه؛ فإنه لا يكون كافراً ولو كان اللازم كفراً ".اهـ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قال في النظم:
    ويحرم التكفير بالمآل ***** كذا الذي بلازم الأقوال
    كذاك تكفير بفعل محتمل ***** غيرِ صريح في المراد لا يحل

    الشرح:

    المسألة الأولى: التكفير بالمآل.
    المقصود بالتكفير بالمآل هو التكفير بما يؤول إليه اللفظ، وما يرجع إليه القول، ومعنى ذلك أن يقول قولا يؤدي - عن طريق مجموعة من الوسائط الاستدلالية - إلى ما هو كفر صريح. فهذا القائل لايجوز تكفيره، إذا كان لايقول بما يؤديه إليه قوله، وهذا حال كثير من أهل البدع والأهواء، كما لايخفى على المتتبع.
    يقول ابن حزم رحمه الله:" وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ، لأنه كذب على الخصم، وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غيرالتناقض فقط، والتناقض ليس كفرا بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر" .
    ويقول الشاطبي في الاعتصام:" والذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذهب المحققين من أهل الأصول:" أن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال"، كيف والكافر؟ ينكر ذلك المآل أشد الإنكار، ويرمي مخالفه به" .
    وعلى العموم، فعدم جواز التكفير بالمآل مما لاينبغي أن يقع حوله أدنى خلاف، وكل ظواهر الشرع صريحة في أن المؤاخذة لاتكون إلا بما يقع به التصريح قولا أو فعلا.
    ويجدر التنبيه إلى أن هذه المسألة هي غير المسألة الأخرى التي يذكرها العلماء بقولهم:" من نوى الكفر في المآل كفر في الحال"، فإن هذه الأخيرة قاعدة صحيحة، أكْثرَ أهل العلم من استعمالها والإشارة إليها فيما دونوه حول الردة وأحكام المرتد، من كتب الفقه.
    المسألة الثانية: التكفير بلازم القول.
    معنى اللازم هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، واللازم البين هو الذي يكفي تصوره مع تصور ملزومه في جزم العقل باللزوم بينهما، وأما غير البين فهو الذي يفتقر جزم الذهن باللزوم بينهما إلى وسط.
    والحق أن الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها دقيق جدا، ويعسر إيجاد الأمثلة المبينة لهذا الفرق. لذلك لم يفرق بينهما كثير من أهل العلم، فعبروا باللازم عن المآل وبالعكس. ولكن التأمل في التعريفين اللذين ذكرت آنفا، يجعلنا نجزم بالفرق مع إقرارنا بدقته وغموضه.
    ولاشك أن التكفير بلازم القول نوع من الافتراء والبهتان الذي ينبغي التنزه عنه لمصادمته لبدهيات العقول، ولرواسخ القواعد الشرعية، وإن كان بعض الأصوليين يرجح أن لازم المذهب مذهب، على عادتهم في التأصيل النظري المستند على الأدلة العقلية المجردة بعيدا عن تطبيقها الفقهي الواقعي. والحق خلاف هذا القول، كما يقول الشاطبي رحمه الله:" ولازم المذهب: هل هو مذهب أم لا؟ هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول، والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون والمغربيون ويرون أنه رأي المحققين أيضا أن لازم المذهب ليس بمذهب، فلذلك إذا قرر عليه، أنكره غاية الإنكار" .
    ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:" والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه ولم يشر إليه، ولم يلتزمه ليس مذهبا، لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه، ونقوله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم، فإن لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها وعلى فسادها، فإن الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه " .
    ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تفصيل طيب في هذه المسألة، وحاصله أنه ينبغي التفصيل بين الحالات التالية :
    1- الحالة الأولى: أن يكون اللازم حقا، فهذا يجب عليه التزامه، ولا مانع من إضافته إليه إذا علم من حاله أنه لايمتنع من التزامه.
    2- الحالة الثانية: أن يكون اللازم باطلا ويلتزمه فهو يعد قولا له.
    3- الحالة الثالثة: أن يكون باطلا، فإذا ذكر له منع التلازم بينه وبين قوله، فهذا لاتجوز إضافته إليه لأن ذلك يكون كذبا عليه.
    4- الحالة الرابعة: أن يكون اللازم الباطل مسكوتا عنه، فحكمه أن لاينسب إلى القائل، لتطرق الاحتمال إلى إمكانية التزامه هذا القول. والله أعلم.
    - المسألة الثالثة: التكفير بالفعل المحتمل
    الأفعال المحتملة هي الأفعال التي ليست صريحة في دلالتها على الكفر، ودخول الاحتمال فيها يسقطط الاستدلال بها على كفر صاحبها. ومن هذه الأفعال ما ذكره البخاري في صحيحه، وترجم له بقوله:" باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله" . فمن صلى إلى القبلة وأمامه شيء مما يعبد ويشرك به كالنار والصنم والقبر، لايكفر يمجرد ذلك، حتى ينظر في قصده، هل يقصد الصلاة لله جل ذكره، أم لذلك المخلوق؟
    ولما كانت هذه الأفعال المحتملة غير ظاهرة في الكفر أو عدمه، احتيج إلى ترجيح أحد الطرفين بمرجح معتبر في الشرع، كأن يُسأل الفاعل عن قصده ونيته، وهذا أظهر المرجحات وأحوطها في هذه المسائل الخطيرة التي يترتب عليها آثار وخيمة في الواقع.
    لهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن سب شريفا من أهل البيت، فقال:" لعنه الله، ولعن من شرفه"،أجاب رحمه الله:" وليس هذا الكلام بمجرده من باب السب الذي يقتل صاحبه، بل يستفسر عن قوله: من شرفه، فإن ثبت بتفسيره أو بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد لعن النبي وجب قتله، وإن لم يثبت ذلك ... لم يكن ذلك موجبا للقتل باتفاق العلماء" .
    وقد تبين من هذا النقل عن شيخ الإسلام رحمه الله، أن من المرجحات التي تعين المراد من العمل المحتمل - إلى جانب تبين القصد - النظر في القرائن الحالية أو اللفظية. فإن دلت القرائن مثلا على أن مرتكب الفعل مغموص عليه في النفاق، أو متهم بالابتداع والإلحاد، أو مشار إليه بالزندقة، كان هذا مرجحا قويا لكونه أراد بفعله الكفر، وبالمقابل من كان من أهل الصلاح والتقوى، وكان مشهورا عنه مجالسة الأخيار، والمحافظة على الشرائع، وتعظيم الرب والدين، ترجح عدم إرادته الكفر بفعله المحتمل.
    وهذا باب طويل الذيل، عظيم النفع، مَن ضبط فروعه وتطبيقاته لم يخش على نفسه من الخطل والزلل.
    [منقول للفائدة]-------------------------------------------------قال الإمام ابن القيم في النونية .

    ولوازم المعنى تراد بذكره ** من عارف بلزومها الحقان
    وسواه ليس بلازم في حقه ** قصد اللوازم وهي ذات بيان
    إذقد يكون لزومها المجهول أو ** قد كان يعلمه بلا نكران
    لكن عرته غفلة بلزومها ** إذ كان ذا سهو وذا نسيان
    ولذاك لم يك لازماً لمذاهب ** العلماء مذهبهم بلا برهان
    فالمقدمون على حكاية ** مذهبهم أولو جهل مع العدوان
    ذاك لا فرق بين ظهوره وخفائه ** قد يذهلون عن اللزوم الداني
    سيما إذا ما كان ليس بلازم ** لكن يظن لزومه بجنان
    لا تشهدوا بالزور ويلكم على ** ما تلزمون شهادة البهتان
    بخلاف لازم ما يقول إلهنا ** ونبينا المعصوم بالبرهان

    والمؤلف رحمه الله يقول : بأن لوازم المعنى لا تكون مقصودة عند ذكره إلا ممن يعرف لزومها له ، فهذا هو الذي يمكن أن يؤخذ بما يلزم ما يثبته من معان ، وأما غيره ممن يجهل اللزوم بينهما فليس بلازم في حقه القصد إلى اللوازم عند ذكر المعنى مهما تكن اللوازم بينة واضحة ، إذ قد يكون لزومها مجهولاً له ، أو يكون معلوماً ولكن أصابته غفلة عن ذلك اللزوم بسبب كثرة سهوه ونسيانه ، ولذلك قرر العلماء بأن لازم المذهب لا يكون مذهباً بلا حجة ولا برهان ، وأن من حكى ذلك عنهم فهو من أجهل الجهل والعدوان ، ولا فرق في ذلك بين اللوازم الظاهرة واللوازم الخفية ، فإن الإنسان قد يذهل عن اللازم القريب وهذا الحكم إنما هو بالنسبة إلى اللوازم التي ثبت لزومها ، أما ما ليس بلازم في الحقيقة ولكن يظن الذهن لزومه فهذا أولى أن لا يعتبر لازماً فلا تشهدوا أيها المعطلة على ما تلزموننا به شهادة زور وبهتان فترمونا بالقول بتلك اللوازم ، وأنها مذهب لنا ، مع أنا لم نقصدها ولم تخطر لنا في الأذهان عند إثبات الصفات للرحمن ا.هـ [شرح النونية لخليل هراس]---يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : "ينبغي أن يعلم أن اللازم من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صح أن يكون لازما فهو حق ، يثبت ويحكم به ، لأن كلام الله ورسوله حق ، ولازم الحق حق ، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فيكون مرادا" .
    "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" ، ص11 ، 12

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

    (التكفير بالمآل)، والمقصود به أن يقول قولاً يؤديه سياقه إلى كفر، وهو إذا وقف عليه لا يقول بما يؤديه قوله إليه، كحال بعض أهل البدع والمتأولين (1) .
    يقول ابن رشد الحفيد: (ومعنى التكفير بالمآل: أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم) (2) .
    وقد بين أهل العلم هذه المسألة، ومن ذلك ما ذكره القاضي عياض حيث قال عند ذكره للمعطلة:
    (فأما من أثبت الوصف، ونفى الصفة فقال: أقول: عالم ولكن لا علم له، ومتكلم ولكن لا كلام له، وهكذا في سائر الصفات على مذهب المعتزلة، فمن قال بالمآل لما يؤديه إليه قوله، ويسوقه إليه مذهبه كفر، لأنه إذا نفى العلم انتفى وصف عالم، إذ لا يوصف بعالم إلا من له علم، فكأنهم صرحوا عنده بما أدى إليه قولهم. ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم، ولا ألزمهم موجب مذهبهم، لم ير إكفارهم، قال: لأنهم إذا وقفوا على هذا، قالوا: لا نقول ليس بعالم، ونحن ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر، بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلناه فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك.
    و الصواب: ترك إكفارهم والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثاتهم، ومناكحتهم، ودياتهم، والصلاة عليهم، ولكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب، وشديد الزجر والهجر، حتى يرجعوا عن بدعتهم) (3) .
    ويبطل ابن حزم الكفر بالمآل فيقول: _
    (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفراً، بل قد أحسن إذ قد فر من الكفر) (4) .
    إلى أن قال (فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله، ونص معتقده، ولا ينفع أحد أن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه، لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط) (5) .
    كما ينفي الشاطبي الكفر بالمآل فيقول:
    (والذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذهب المحققين من أهل الأصول( إن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال )كيف والكافر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار، ويرمي مخالفه به) (6) .
    4- ومما هو قريب من مسألة التكفير بالمآل ما يسمى بالتكفير بلازم القول (7) .
    ومعنى اللازم: ما يمتنع إنفكاكه عن الشيء، وقد يكون هذا اللازم بيناً، وهو الذي يكفي تصوره مع تصور ملزومه في جزم العقل باللزوم بينهما. وقد يكون غير بين، وهو الذي يفتقر جزم الذهن باللزوم بينهما إلى وسط (8) .
    إن التكفير بلازم القول مطلقـاً قــد أورث في الأمة تفرقاً واختلافـاً... وكما قال الإمام الذهبي رحمه الله:
    (لا ريب أن بعض علماء النظر بالغوا في النفي، والرد والتحريف والتنزيه بزعمهم حتى وقعوا في بدعة، أو نعت الباري بنعوت المعدوم.
    كما أن جماعة من علماء الأثر، بالغوا في الإثبات (9) ، وقبول الضعيف والمنكر ولهجوا بالسنة والإتباع. فحصل الشغب ووقعت البغضاء، وبدع هذا هذا، وكفر هذا هذا ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين، وأن نكفر مسلماً موحداً بلازم قوله، وهو يفر من ذلك اللازم، وينزه ويعظم الرب) (10) .
    وقد بين العلماء هذه المسألة وأحوالها، وسنورد جملة من كلامهم في ذلك على النحو التالي: سئل ابن تيمية: هل لازم المذهب مذهب أم لا؟ فكان من جوابه ما يلي:
    (الصواب أن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه، كانت إضافته إليه كذباً عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال. ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه وصفاته حقيقة) (11) .
    ويقول في موضع آخر: لازم قول الإنسان نوعان:
    أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
    والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول، لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه.
    وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب: هل هو مذهب أو ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق أحدهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله (12) .
    وقال الشاطبي: (ولازم المذهب: هل هو مذهب أم لا؟ هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول، والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون والمغربيون ويرون أنه رأي المحققين أيضاً أن لازم المذهب ليس بمذهب، فلذلك إذا قرر عليه، أنكره غاية الإنكار) (13) .
    وأورد السخاوي مقالة شيخه ابن حجر حيث قال: (والذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه.. أما من لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافراً ولو كان اللازم كفراً) (14) .
    وذكر الشيخ السعدي تحقيقه في هذه المسأله قائلاً: (والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه ولم يشر إليه، ولم يلتزمه ليس مذهباً؛ لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه. ونقوله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم، فإن لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها وعلى فسادها، فإن الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه، فيستدل بفساد اللازم خصوصاً اللازم الذي يعترف القائل بفساده على فساد الملزوم) (15) .
    وخلاصة ما سبق أن يقال: أن لازم أقوال المذاهب والعلماء له ثلاث حالات:
    الحالة الأولى: أن يذكر اللازم للقائل، ويلتزم به فهو يعد قولاً له.
    الحالة الثانية: أن يذكر له اللازم، ويمنع التلازم بينه وبين قوله، فهذا ليس قولاً له، بل إن إضافته إليه كذب عليه.
    الحالة الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتاً عنه؛ فلا يذكر بالتزام، ولا منع، فحكمه في هذه الحال أن لا ينسب إلى القائل، لأنـه يحتمل لو ذكر له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذكر فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله (16) .
    وبهذا يعلم أنه لا يصح التكفير بلازم المذهب بإطلاق، خاصة إذا كان من تلبس به ينفي ذلك اللازم وينكره، أو كان يجهله، أو يغفل عنه، والله أعلم (17) .

    http://www.dorar.net/aqadia/3494

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2-343): (أكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل، واختلف قول مالك في التكفير بالمآل، ومعنى التكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر، وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم بخلاف أهل السنة)

    وقال القاري في مرقاة المفاتيح (1- 283): (قال ابن حجر الهيتمي: الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي؛ لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم).

    وقال ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (3 - 425): (لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه، فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر).

    وهو مذهب العز بن عبدالسلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ص 172) والزركشي في المنثور والبحر المحيط.

    وشدَّد الشوكاني في ذلك فقال في السيل الجرار (4-580): (قد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الاقدام، فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •