هناك فرق بين من يحب أن يقع الكفر وينتشر ، وبين من يشتهي المعصية ويحب أن تتيسر له ، ويحب وقوع المعصية وانتشارها.
فمحبة وقوع الكفر وانتشاره كفر مخرج من الملة ، فإن كان ممن يدعي الإسلام فهو منافق نفاقا أكبر .
وأما محبة وقوع المعصية وانتشارها : فإن كان ذلك بسبب الهوى وميل النفس لها فهذا دليل على نقص الإيمان ، ولكنه ليس كفرا مخرجا من الملة، وأما إن كان ذلك عن كراهة لشرع الله وحكمه ، أو تفضيله لغيره من الأحكام والملل والشرائع عليه، فهو كفر أكبر مخرج من الملة .
فمن أبغض شيئا مما جاء به الشرع الحنيف كفر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 28 / 434 :
من النفاق ما هو أكبر ، ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار ؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره ؛ بأن يظهر تكذيب الرسول ، أو جحود بعض ما جاء به ، أو بغضه ، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه ، أو المسرة بانخفاض دينه ، أو المساءة بظهور دينه ، ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله .
وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما زال بعده ؛ بل هو بعده أكثر منه على عهده ؛ لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى ، فإذا كانت مع قوتها ، وكان النفاق معها موجودا ، فوجوده فيما دون ذلك أولى .
وكما أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض المنافقين ، ولا يعلم بعضهم ، كما بينه قوله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) ؛ كذلك خلفاؤه بعده وورثته قد يعلمون بعض المنافقين ولا يعلمون بعضهم .
وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون ، في الخاصة والعامة ، ويسمون " الزنادقة ".اهــ

وقال البغوي رحمه الله في تفسيره 1 / 204 :
وقوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) قال بعض أهل المعاني : هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه ، لما فيه من مؤنة المال ، ومشقة النفس ، وخطر الروح ؛ لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى .

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام:
الخامس : من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو عمل به ، فقد كفر ؛ لقوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).

وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره :
في فوائد قوله تعالى: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) :
ومنها: أنه لا حرج على الإنسان إذا كره ما كتب عليه ؛ لا كراهته من حيث أمر الشارع به ؛ ولكن كراهته من حيث الطبيعة ؛ أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا ، وانشراح الصدر به.
وقال رحمه الله في موضع آخر : وقوله: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) : يجب أن تعلم أن الضمير في قوله: ( وَهُوَ ) يعود على القتال ، وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لا يمكن أن يكرهوا فريضة الله ، لكن يكرهون القتل ، ويقاتلون ، فيقتلون .
وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله ، أو أن يكره المحكوم به.