♦ ملخص السؤال:
فتاة لديها صديقة كانتْ مخطوبةً، اغتَصَبَها خطيبُها، ثم اعتذر عن إكمال الزواج، والفتاةُ مُنهارة نفسيًّا، وتسأل عن حل.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


بدايةً أودُّ أن أشكركم على ما تُقَدِّمونه مِن نصائحَ وتوجيهاتٍ وخدماتٍ اجتماعيةٍ، وأسأل الله أن يَجْعَلَها في ميزان حسناتكم.


لي صديقةٌ جامعية مجتَهِدة في الدراسة، خَلُوقٌ، محافِظة على واجباتها وفروضها، لاحظتُ عليها منذ مدة الاكتئاب والشُّرود الذهني، وإهمال دراستها، وكثيرًا ما وجدتُها منهارةً نفسيًّا!


ضغطتُ عليها حتى ذكَرَتْ لي أنها كانتْ مَخطوبةً لقريبٍ لها، وطلَب خطيبُها مُقابلتها وألَحَّ في ذلك، حتى أخذَها خارج المدينة واغْتَصَبَها بدون إرادتها!

بعد فترةٍ اعتذر لها عن الخطوبة، واعتذر أهلُه بشكلٍ رسميٍّ عن الزواج، والآن هي لا تدري ماذا تفعل؟

وأهلُها لا يعرفون شيئًا عما حدث

فما نصيحتكم لأخبرها؟


الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:


فلا جديد مع الأسف أيتها الابنة الكريمة في قصة صديقتك، إلا في أشخاص القصة، أما الحكايةُ فقديمةٌ متكررةٌ من أزمان متباعدةٍ في كل عصر؛ أنَّ فتاة ساذجةً تُصَدِّق وغدًا خبيثَ النفس، وتخرج معه دون علم أهلها، فيسلبها عفتها، ثم يولي هاربًا، ويَظُنُّ - قاتله الله - أنه فلت من عقاب الله تعالى، وكلا واللهِ فكل إنسان مجزيٌّ بعمله.


قَضَى اللهُ أَنَّ البَغْيَ يُصْرِعُ أَهْلَهُ
وَأَنَّ عَلَى البَاغِي تَدُورُ الدَّوَائِرُ!


ولا يملك الإنسانُ في مثل هذه المواقف إلا الاسترجاع، وصِدْق الضراعة إلى المنتقم الجبار، أنْ يصبَّ الله جامَّ غضبه على ذلك الظالم، ثم يعتبر بالحكاية مَن أراد الله به الخير، وتمضي سادرةً في غيِّها كلُّ حمقاء لا تعتبر ولا تصدق الكبار ونصائح الأهل والمصلحين في كلِّ زمانٍ حتى تقعَ في الفخِّ، فتندم حينها ندامة الكُسَعِيّ، ولا عزاءَ حينها للمُغَفّلات مِن الفتيات اللاتي وضعن الثقة في غير مَوْضِعها.

والحاصلُ أنَّ قصة صديقتك نفس القصة القديمة مع كل فتاةٍ ألْقَتْ زمام أمرها لذئبٍ حقيرٍ بشريٍّ مُستهتر بالأعراض، لا يراقب ربًّا، ولا يَرْعَى حُرمة، والله الموعد، وهو القادر سبحانه أن يحيطَ به من أركانه الست، وتظلم حياته هو وأمثاله.

ولكن كيفما قلنا، فلا عذر لصاحبتك؛ فهذا الوغدُ وأمثاله مهما بلغ فجوره، فلا يتمكَّن مِن كل ما كان حتى تتساهلَ الفتاة، وهذا ما فعلتْه صديقتك، فخرجت معه مِن دون علم أسرتها وسافرتْ، وبدهي أنها دخلتْ معه أحد الشقق برغبتها، والعجيبُ أنها أحداثٌ مُتكررةٌ بنفس العبارات في المسلسلات العربية التي ترَبَّى عليها الصغيرُ، وشاب عليها الكبيرُ، إلا مَن رحم الله تعالى، فلْتَلُم نفسها، فمنها أُتِيت، ويداها أوكتا وفُوها نفخ ونفسها الجاني، فعلامَ الصراخ؟ وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [آل عمران: 182].

حُكي في كُتُب الأدب أن قومًا خَرَجُوا إلى الصيد في يوم حارّ، فإنهم لكَذَلك إذ عَرَضَتْ لهم أم عامر، وهي الضبع، فطَرَدُوها وأتبعتهم حتى ألجؤوها إلى خباء أعرابي، فاقتحمتْه، فخرج إليهم الأعرابي، وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صَيْدُنا وطَريدتنا، فَقَال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي، قَال: فرجَعُوا وتركوه، وقام إلى لقحة فحلَبَهَا وماء فقرب منها، فأقبلت تَلِغ مرة في هذا ومرة في هذا، حتى عاشتْ واستراحتْ، فبينا الأعرابي نائم في جَوْف بيته إذ وثبتْ عليه فبقرتْ بطنه، وشربت دَمَه وتركته، فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بَقِيرٌ في بيته، فالتفتَ إلى موضع الضبع فلم يرَها، فقال: صاحبتي والله، فأخَذ قوسَه وكنانته واتبعها، فلم يزلْ حتى أدركها فقتلَها، وأنشأ يقول:


وَمَنْ يَصْنَعِ المَعْرُوفَ معْ غَيرِ أَهْلِهِ
يُلاَقِ الَّذي لاَقَى مُجِيرُ امِّ عَامِرِ


أَدَامَ لَهَا حِينَ اسْتَجَارَتْ بِقُربِهِ
لَهَا مَحْضَ أَلْبَانِ اللّقَاحِ الدَّرَائِرِ


وَأَسْمَنَهَا حَتَّى إِذَا مَا تَكَامَلَتْ
فَرَتْهُ بِأَنْيَابٍ لَهَا وَأظَافِرِ


فَقُلْ لِذَوِي المَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ
بَدَا يَصْنَعُ المَعرُوفَ فِي غَيْرِ شَاكِرِ

فإذا كان هذا في صُنع المعروف في غير أهله، فكيف بِمَن فعل ما يضاد المعروف مع أصحاب طباع السوء والخيانة؟


أما ما يجب فعله على تلك الفتاة، فهو أن تخبرَ أمها بما حصل تمامًا، دون نقصٍ، ولا تتمادى في إخفاء الأمر عنهم؛ فهذا أمر لا يخصها بمفردها، وإنما يخص جميع الأهل، ولينظروا هم فيما يجب فعله مع ذلك الشابِّ.

كما يجب عليها أيضًا التوبة النصوح من تساهلها وخروجها دون إذن أهلِها




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz497bhbG9R