تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    منزلة العمل
    من الإيمان عند أهل السنة(1)
    فضيلة الدكتور:
    صالح بن محمد العقيل(2)
    ـــــــــــــ
    (1) هذه الرسالة نقلتها من مجلة البحوث الإسلامية الصادرة عن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
    (2) عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، قسم العقيدة.
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فإن معرفة الإيمان بالله عز وجل والعمل بها سعادة الإنسان وفلاحه في الدنيا والآخرة، وكلما حقق مسائل الإيمان بالله وعمل بها على الوجه الشرعي زادت سعادته ولذته، فلا سعادة ولا طمأنينة إلا بالإيمان بالله عز وجل.
    فالإيمان بالله عز وجل أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويفرق بين السعداء والأشقياء، ومن يعادى ومن يوالى، والدين كله تابع لهذا، وكل مسلم محتاج إلى معرفة هذا .
    وتأتي أهمية معرفة مسائل الإيمان من أمور عدة منها:
    1 - أن الإيمان هو أصل الدين.
    2 - أن الخلاف في الإيمان أول خلاف ظهر في الإسلام.
    وكان الخوارج وهم أول الفرق ظهورا قد أظهروا المخالفة فسلبوا الإيمان عن مستحقيه، فكفروا خيار المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، زعموا أن مرتكب الكبيرة فاقد الإيمان، ثم قابلهم آخرون، زعموا أن إيمان أصحاب الكبائر كإيمان أبي بكر وعمر وأن زوال جميع عمل الجوارح لا يزيل الإيمان، وهؤلاء هم المرجئة القدماء ثم ازداد الإرجاء غلوا بإخراج عمل القلب من الإيمان كما تقوله الجهمية .
    وهدى الله أهل السنة والجماعة فسلكوا الطريق القويم والصراط المستقيم، تمسكوا بما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يأخذوا بقول الخوارج ولا بقول المرجئة .
    ولهذا كانت مسائل الإيمان جديرة بالاهتمام والعناية ودراستها وإيضاحها للناس كما دل عليها الكتاب والسنة أمر مطلوب شرعا.
    فالخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في اسم محدث، ولا كالخطأ في غيره من الأسماء إذ كانت أحكام الدنيا والآخرة متعلقة باسم الإيمان والإسلام والكفر والنفاق .
    ومن المسائل المهمة في الإيمان ولها شأن عظيم فيه: مسألة منزلة العمل من الإيمان، وتزداد أهميتها لمخالفة بعض أهل السنة فيها .
    فمعتقد أهل السنة في الإيمان أنه قول وعمل، واعتقاد ، هذه أركان الإيمان لا يتم إلا بها، فإذا تخلف واحد منه لم يصح الإيمان.
    ووجوب العمل عند أهل السنة والجماعة ـ القائلين بأن الإيمان قول وعمل ـ وأنه ركن لا بد منه ظاهر بين لكل أحد، مبين في مصنفاتهم التي صنفوها في معتقدهم، وفي أقوالهم التي نقلت عنهم في هذا الشأن.
    ومع هذا فقد أخطئ عليهم ونسب إليهم ما ليس من مذهبهم فقيل:
    إن العمل عندهم شرط كمال لا شرط صحة، من فقد العمل جميعه وجاء بقول اللسان وعمل القلب فقط فهو مؤمن وليس بكافر.
    قال الحافظ ابن حجر : السلف قالوا: اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان ، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله .
    والمعتزلة قالوا : هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطا في كماله .
    والحديث عن صلة العمل بالإيمان، وبيان مذهب أهل السنة فيه، والجواب عن شبه المرجئة وإبطال مذهبهم طويل، وهو مدون في كتب أهل السنة، وخصوصا كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية .
    وفي هذا البحث أتطرق إلى ثلاث مسائل فقط.
    الأولى: بيان بطلان نسبة قول "العمل شرط كمال في الإيمان" إلى أهل السنة.
    الثانية: أوضح أن هذا القول هو: قول المرجئة القدماء.
    الثالثة: أذكر الفرق بين قول أهل السنة، وقول الوعيدية.
    وقد جعلته في ثلاثة مباحث وخاتمة، وسميته:
    منزلة العمل من الإيمان عند أهل السنة والجماعة
    والله أسأل التوفيق والسداد ؛؛؛
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    المبحث الأول: بطلان نسبة هذا القول لأهل السنة

    العمل والإيمان قرينان لا ينفك أحدهما عن صاحبه، إذا وجد الإيمان وجد العمل، وإذا عدم العمل عدم الإيمان، لا يمكن بقاء الإيمان مع عدم العمل، وفي القرآن والسنة الشيء الكثير من بيان أن الإيمان لا بد فيه من العمل.
    "بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق" .
    ومتواتر أيضا: أنه لم يكن يحكم لأحد بحكم الإيمان إلا أن يؤدي الفرائض .
    وقد أخبر الله تعالى في كتابه في آي كثيرة منه أن هذا الإيمان لا يكون إلا بالعمل وأداء الفرائض بالقلوب والجوارح، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرحه في سنته، وأعلمه أمته، وكان مما قال الله تعالى في كتابه مما أعلمنا أن الإيمان هو العمل ، وأن العمل من الإيمان ما قاله في سورة البقرة: { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } .

    وقال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .
    وقال: { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا } .
    وقال: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، وقال: { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا } .
    وأهل السنة متفقون على التلازم التام بين الإيمان والعمل بحيث يستحيل أن يوجد الإيمان ولا يوجد العمل، ولم يخالف في هذا إلا بعض فقهاء الكوفة كحماد بن أبي سليمان وغيره ، فلم يجعلوا الأعمال الظاهرة لازمة لإيمان القلب.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أن المرجئة ثلاثة أصناف:

    "والثالث تصديق القلب وقول اللسان ، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة ، وهؤلاء غلطوا من وجوه ....
    الثالث: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال، ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له، والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر .
    ومما يبين خطأ هذا القول وعدم صحة نسبته إلى أهل السنة ـ وأن العمل أي عمل الجوارح ركن لا بد منه، فلا يصح إيمان المرء إلا به ـ أمور عدة منها:
    الأول : تصريح أهل السنة بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وأنه لا بد من هذه الأمور الثلاثة جميعا، لا يكتفى ببعضها دون الآخر.
    وممن حفظ عنه:
    - أبو ثور : . قال : "اعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال ما عقد قلبي على شيء من هذا ولا أصدق به، أنه ليس بمسلم.
    ولو قال المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، ثم قال لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك، أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن، فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنا، حتى يكون مصدقا بقلبه مقرا بلسانه، فإذا كان تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان كان عندهم مؤمنا، وعند بعضهم لا يكون مؤمنا، حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنا، فلما نفوا أن يكون الإيمان بشيء واحد وقالوا : يكون بشيئين في قول بعضهم، وثلاثة أشياء في قول غيرهم، لم يكن مؤمنا، إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء، وذلك أنه إذا جاء بهذه الثلاثة الأشياء، فكلهم يشهد: أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح"

    1 - الإمام محمد بن إدريس الشافعي، قال: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر" .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "قلت: يعني الإمام أبا ثور رحمه الله إنه لا يكون مؤمنا إلا إذا التزم بالعمل مع الإقرار، وإلا فلو أقر ولم يلتزم العمل لم يكن مؤمنا، وهذا الاحتجاج الذي ذكره أبو ثور هو دليل على وجوب الأمرين الإقرار والعمل" .
    مراد أبي ثور بقوله: فإذا كان تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان كان عندهم مؤمنا، وبقوله: يكون بشيئين في قول بعضهم.
    مراده: مرجئة الفقهاء أهل الكوفة .
    وبقوله: وعند بعضهم لا يكون مؤمنا حتى يكون مع التصديق عمل ...، وبقوله: وثلاثة أشياء في قول غيرهم.
    مراده: جمهور أهل السنة.
    هكذا يبين أبو ثور أنه لا بد من العمل ، وأن من لم يعمل لا يكون مؤمنا عند بعض أهل السنة، وهم جمهورهم.
    فمن لم يجعل العمل ركنا لا يتم الإيمان إلا به، فهو ليس من هؤلاء، هو من البعض الآخر الذين هم مرجئة الفقهاء.
    3 - محمد بن الحسين الآجري : قال في الشريعة: "باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل الجوارح، لا يكون مؤمنا إلا بأن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث" .
    وقال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.
    ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا، دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين" .
    4 - ابن بطة : قال: "باب بيان الإيمان وفرضه ، وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث".
    وقال: "اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولرسله ولكتبه، وبكل ما جاءت به السنة، وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا، وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرضه من الأعمال، لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها.
    ولا يكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها، حتى يكون مؤمنا بقلبه مقرا بلسانه عاملا مجتهدا بجوارحه، ثم لا يكون أيضا مع ذلك مؤمنا حتى يكون موافقا للسنة في كل ما يقوله ويعمله، متبعا للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله، وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة وأجمع عليه علماء الأمة" .
    الثاني : تصريحهم بأنه لا انفكاك بين الإيمان والعمل، وأنه يتمنع أن يوجد الإيمان في القلب ثم لا يوجد عمل الجوارح.
    أ- قال الأوزاعي : "لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل ، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل" .
    ب- قال سفيان الثوري : "كان الفقهاء يقولون لا يستقيم قول إلا بعمل ، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة" .
    ج- قال ابن أبي زمنين : والإيمان بالله هو باللسان والقلب وتصديق ذلك العمل، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه" .
    د- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فالسلف يقولون: ترك الواجبات الظاهرة دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب، لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب الذي هو حب الله ورسوله وخشية الله ونحو ذلك لا يستلزم أن لا يكون في القلب من التصديق شيء" .
    وقال: "العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن" .
    وقال: "قد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات" .
    وقال: "ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب » ...) .
    فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علما وعملا قلبيا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل، بالإيمان المطلق كما قال أئمة أهل الحديث قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له متى صلح الباطن صلح الظاهر ، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصحابة عن المصلي العابث: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" .
    فهذا الحديث دليل بين على ارتباط العمل الظاهر بعمل القلب، فكما أن صلاح الجسد وفساده مرتبط بصلاح القلب وفساده فكذلك إيمان الجوارح مرتبط بإيمان القلب، فإذا آمن القلب آمنت الجوارح لا تتخلف كما لا تتخلف في الصلاح والفساد.
    هـ- قال ابن القيم : "فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما: أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات ، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب ، وهو مع ذلك مصر على تركها.
    هذا من المستحيل قطعا ، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا ، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها ، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمره بها فليس في قلبه شيء من الإيمان.
    ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم.
    وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية" .

    وقال: " فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان" .
    وقال في كتابه الفوائد: فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته .
    و- قال حافظ بن أحمد الحكمي : "ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب » ).
    ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا ، بلا شك لم يعنوا مجرد التصديق" .
    ومما يبين التلازم بين إيمان الأعمال الظاهرة وإيمان القلب:
    - أن الإنسان إما أن يقول في أعمال الجوارح: إنها من الإيمان وإنها لا تنفك عما في القلب بحيث إذا وجد الإيمان في القلب وجدت ، وإذا زالت زال ما في القلب.
    - أو يقول: إنها لازمة لإيمان القلب لا تنفك عنه مرتبطة به توجد بوجوده، ويعدم الإيمان بعدمها، فهذا الخلاف خلاف لفظي.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإذا قال: إنها من لوازمه وإن الإيمان الباطن يستلزم عملا صالحا ظاهرا كان بعد ذلك قوله: إن تلك الأعمال لازمة لمسمى الإيمان أو جزء منه نزاعا لفظيا" .
    - أو يقول: إنها ليست لازمة لإيمان القلب بحيث يوجد الإيمان في القلب ولا توجد، فيلزمه قول جهم بن صفوان الذي هو أفسد قول قيل في الإيمان، وفساده معلوم بالضرورة من الدين .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وقيل لمن قال: دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز، نزاعك لفظي، فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن، فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيا.
    وإن قلت: ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه: من أنه يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر، وترك جميع الواجبات الظاهرة، قيل لك: فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له وموجب له.
    بل قيل: حقيقة قولك: إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى، فليس بلازم له ولا موجب ، ومعلول له، ولكنه دليل، إذا وجد دل على وجود الباطن، وإذا عدم لم يدل عدمه على العدم، وهذا حقيقة قولك، وهو أيضا خطأ عقلا كما هو خطأ شرعا" .
    وقال مبينا أن مذهب جهم يلزم كل من لم يجعل الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن:
    "وخامسها: وهو يلزمهم ويلزم المرجئة أنهم قالوا: إن العبد قد يكون مؤمنا تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء والصديقين، ولو لم يعمل خيرا لا صلاة ولا صلة ولا صدق حديث، ولم يدع كبيرة إلا ركبها، فيكون الرجل عندهم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان، وهو مصر على دوام الكذب والخيانة ونقض العهود، لا يسجد لله سجدة، ولا يحسن إلى أحد حسنة، ولا يؤدي أمانة، ولا يدع ما يقدر عليه من كذب وظلم وفاحشة إلا فعلها، وهو مع ذلك مؤمن تام الإيمان، إيمانه مثل إيمان الأنبياء، وهذا يلزم كل من لم يقل إن الأعمال الظاهرة من لوازم الإيمان الباطن، فإذا قال: إنها من لوازمه وإن الإيمان الباطن يستلزم عملا صالحا ظاهرا كان بعد ذلك قوله: إن تلك الأعمال لازمة لمسمى الإيمان أو جزء منه نزاعا لفظيا" .
    وقال: " والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها ولم يكن قولهم مثل قول جهم ...
    لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا، فإنها لازمة لها" .
    الثالث : قولهم بأن أعمال الجوارح تصدق إيمان القلب فإذا لم تصدقه بالعمل فالقلب خال من الإيمان ليس فيه شيء.
    فالمؤمن الصادق في إيمانه تعمل جوارحه لا تتخلف عما في قلبه، فالجوارح صورة صادقة لما في القلب، فتصديق القلب لا يصح إلا بالعمل .
    1 - قال الحسن البصري : "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال" .

    - قال الآجري : "فالأعمال -رحمكم الله- بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبا لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه" .
    3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا ، وإذا لم يكن عمل كذب أن في قلبه إيمانا؛ لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم " .
    الرابع : إطلاقهم الإرجاء على من قال: إن من ترك أركان الإسلام غير الشهادتين الصلاة والزكاة والصوم والحج مع إقراره بوجوبها ليس بكافر.
    قال ابن رجب : "حتى إنه ـ أي إسحاق بن راهويه جعل قول من قال : لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة، وكذلك قال سفيان بن عيينة : المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليسا سواء ؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر" .
    بل يرى إسحاق بن راهويه أن هذا من غلو المرجئة، قال ابن رجب : "نقل حرب عن إسحاق قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها إنا لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم ، يعني في أنهم مرجئة" .
    فالضابط للمرجئة عند سفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه هو من يقول بثبوت الإيمان مع عدم العمل .
    وهو كذلك عند شيخ الإسلام ابن تيمية قال: " من قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه، فهذا نزاع لفظي، كان مخطئا خطأ بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام فيها ، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف" .
    الخامس : حكمهم على من ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج بالكفر، ولو كان مصدقا بقلبه مقرا بلسانه، فهذا دليل بين على اشتراط العمل ، وأنه لا يكتفى بالقول والتصديق ، فلو كان العمل ليس شرطا في الإيمان لم يحكموا عليه بالكفر، وممن حفظ عنه:
    1 - نافع مولى ابن عمر ، قال لما ذكر له معقل بن عبيد الله قول المرجئة : " إنهم يقولون نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي ، وبأن الخمر حرام ونشربها ، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح ، فنثر يده من يدي وقال : من فعل هذا فهو كافر " .
    2 - الحميدي . : قال: "أخبرت أن ناسا يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل المسلمين قال الله عز وجل: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } .
    3 - الإمام أحمد قال حنبل : "سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به" .
    4 - ابن بطة قال: "فكل من ترك شيئا من الفرائض التي فرضها الله عز وجل في كتابه، أو أكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، على سبيل الجحود لها والتكذيب بها، فهو كافر بين الكفر، لا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن أقر بذلك وقاله بلسانه ثم تركه تهاونا ومجونا أو معتقدا لرأي المرجئة ومتبعا لمذاهبهم، فهو تارك الإيمان ليس في قلبه منه قليل ولا كثير، وهو في جملة المنافقين الذين نافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن بوصفهم، وما أعد لهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار" .
    وقال: "فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل ، وأن من صدق بالقول وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان ، وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل ، ولا عمل إلا بقول" .
    5 - شيخ الإسلام ابن تيمية قال: "ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ، ولا يصوم من رمضان ، ولا يؤدي لله زكاة ، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة ، لا مع إيمان صحيح" .
    وقال: "وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر من ترك واحدة منها، وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك كابن حبيب ... " .
    6 - الشوكاني : قال في إجابته عن سؤال: "ما حكم الأعراب سكان البادية الذين لا يفعلون شيئا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادتين ، هل هم كفار أم لا ، وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا؟
    وأقول: من كان تاركا لأركان الإسلام وجميع فرائضه ورافضا لما يجب عليه من ذلك، من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة أن عصمة الدماء والأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام" .
    السادس : أن كثيرا من أئمة أهل السنة يرون كفر تارك الصلاة، بل إن عددا منهم يحكونه إجماعا، منهم: عبد الله بن شقيق، وأيوب السختياني، وإسحاق بن راهويه .
    أ- عبد الله بن شقيق قال: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر تركه كفر غير الصلاة" .
    ب- أيوب السختياني قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه .
    ج- إسحاق بن راهويه قال محمد بن نصر : "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر" .
    فإذا كانوا يرون أن تارك الصلاة كافر فقد جعلوها شرطا في الإيمان، من لم يأت بها فهو عندهم كافر، والصلاة جزء من العمل، فكيف يقال مع هذا إن العمل شرط كمال؟
    قال ابن القيم : "فيبقي النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة ، فهي مفتاح ديوانه ، ورأس مال ربحه" .
    وإن من عدم العدل وعدم الأمانة العلمية أن يقال: إن العمل شرط كمال في مذهب أهل السنة ، وكثير من السلف ـ بل يحكى إجماعا كما سبق ـ يجعل الصلاة شرطا في الإيمان؟
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    المبحث الثاني: هذا القول هو قول المرجئة القدماء

    هذا القول هو بعينه قول مرجئة الكوفة الذين يقولون: الإيمان قول واعتقاد ؛ وذلك للأمور الآتية:
    1 - أن الجميع لا يجعلون إيمان الجوارح لازما لإيمان القلب، حيث يقولون بإمكان وجود الإيمان في القلب ولا يوجد في الجوارح، وهذا من الأصول التي أخطأت فيها المرجئة .
    2 - أن كثيرا من العلماء ـ الذين سبقت أقوالهم ـ نصوا على أنه لا بد من العمل مع القول والاعتقاد، وأنه لا يجزي بعضها عن بعض، بل لا بد من الثلاثة جميعا، فلم يسموا من لم يأت بالعمل مؤمنا، وجعلوا هذا هو مذهب أهل السنة.
    وهؤلاء يرون أن من لم يأت بالعمل مؤمن موافقين بهذا المرجئة القدماء، ولهذا قال ابن رجب : "إن سفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه جعلا قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان الأربعة مع الإقرار بها من أقول المرجئة " ـ كما سبق ـ فلم يفرقا بين من يجعلها من الإيمان ومن لا يجعلها.
    فالضابط للمرجئة ـ كما سبق ـ هو من يقول بثبوت الإيمان مع عدم العمل.
    3 - أن هذا التعبير من تعبير المرجئة، ليس من تعبير السلف؛ لأنهم يجعلون الأعمال من الإيمان، فهي جزء منه وليست شرطا؛ لأن الشرط لا يدخل في حقيقة الشيء مثل الوضوء للصلاة بخلاف الركن، فإنه داخل فيه مثل الفاتحة في الصلاة .
    لكن قد يعبر بعض أهل السنة بهذا كما عبر ابن القيم به في كتاب الصلاة وحافظ حكمي في معارج القبول كما سبق.
    4 - أن بعض علمائنا المعاصرين وصفوا قول من قال: إن الأعمال شرط كمال في الإيمان بأنه قول المرجئة .
    ومن هؤلاء الشيخ د. صالح الفوزان والشيخ عبد العزيز الراجحي .

    ـ قال الشيخ د. صالح الفوزان : في إجابته عن قول بعض الناس: إن عقيدة أهل السنة والجماعة أن العمل شرط في كمال الإيمان وليس شرطا في صحة الإيمان، مع أنه من المعلوم أن الإيمان عند أهل السنة قول وعمل، وأنه لا إيمان إلا بعمل كما صرح بذلك بعض أئمة السلف ...
    الجواب : هو قول مرجئة أهل السنة، وهو خطأ، والصواب أن الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، فهو اعتقاد وقول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ..." .
    - قال الشيخ عبد العزيز الراجحي : في جوابه عن السؤال الآتي: هناك من يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد، لكن العمل شرط كمال فيه، ويقول أيضا: لا كفر إلا باعتقاد، فهل هذا القول من أقوال أهل السنة أم لا؟
    الجواب : ليست هذه الأقوال من أقوال أهل السنة، أهل السنة يقولون: الإيمان هو قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب، ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل، ومن أقوالهم: الإيمان قول وعمل ونية.
    فالإيمان لا بد أن يكون بهذه الأمور الأربعة:
    1 - قول اللسان وهو النطق باللسان.
    2 - عمل القلب وهو الإقرار والتصديق.
    3 - عمل القلب وهو النية والإخلاص.
    4 - عمل الجوارح.
    فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة، فلا يقال العمل شرط كمال أو أنه لازم له، فإن هذه أقول المرجئة .
    ولا نعلم لأهل السنة قولا بأن العمل شرط كمال، وكذا قول من قال: لا كفر إلا باعتقاد فهذا قول المرجئة . " .
    5 - أن هذا القول توافق عليه المرجئة المعاصرون من الحنفية وغيرهم، ممن يقول بقول المرجئة القدماء ولا يرونه مخالفا لمذهبهم، ولهذا قال محمد أنور الكشميري الديوبندي ـ أحد علماء الحنفية المعاصرين ـ :
    العمل هل هو جزء للإيمان أم لا فالمذاهب فيه أربعة:
    قال الخوارج والمعتزلة : إن الأعمال أجزاء للإيمان، فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما، ثم اختلفوا، فالخوارج أخرجوه عن الإيمان وأدخلوه في الكفر، والمعتزلة لم يدخلوه في الكفر، بل قالوا بالمنزلة بين المنزلتين.
    والثالث مذهب المرجئة فقالوا: لا حاجة إلى العمل ومدار النجاة هو التصديق فقط، فصار الأولون والمرجئة على طرفي نقيض.
    والرابع مذهب أهل السنة والجماعة وهم بين بين فقالوا: إن الأعمال أيضا لا بد منها لكن تاركها مفسق لا مكفر فلم يشددوا فيها كالخوارج والمعتزلة ولم يهونوا أمرها كالمرجئة، هؤلاء افترقوا فرقتين، فأكثر المحدثين إلى أن الإيمان مركب من الأعمال، وإمامنا الأعظم رحمه الله تعالى وأكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أن الأعمال غير داخلة في الإيمان، مع اتفاقهم على أن فاقد التصديق كافر، وفاقد العمل فاسق، فلم يبق الخلاف إلا في التعبير" .
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    المبحث الثالث: الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب الوعيدية

    حينما يجعل أهل السنة العمل ركنا في الإيمان لا يتم الإيمان إلا به فإنهم لا يوافقهم بهذا مذهب الوعيدية في الإيمان .
    أهل السنة يقولون: يزول الإيمان إذا زال العمل جميعه أو الصلاة عند جمهورهم، ومنهم من يقول بزوال الإيمان إذا زالت بعض أركان الإسلام الأخرى الزكاة، الصوم، الحج ، لا يقولون بزوال الإيمان بزوال بعض أجزائه مطلقا.
    أما أهل الوعيد من الخوارج والمعتزلة وغيرهم، فهم يرون أن الإيمان يزول ببعض أفراده حتى ولو كانت من غير أركان الإسلام، فعندهم أن من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب مثل السرقة، الزنى، شرب الخمر، أنه يخرج من الإيمان وهذا لا يقول به أحد من أهل السنة والحمد لله.
    قال الشيخ حافظ الحكمي مبينا الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب الوعيدية : "والفرق بين هذا ـ أي قول المعتزلة ـ وبين قول السلف الصالح: أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطا في الصحة ، بل جعلوا كثيرا منها شرطا في الكمال، كما قال عمر بن عبد العزيز فيها: من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان .
    والمعتزلة جعلوها كلها شرطا في الصحة ، والله أعلم" .
    فالتعبير الصحيح أن يقال: إن بعض الأعمال شرط صحة كالصلاة، وبعضها شرط كمال كبر الوالدين وصلة الرحم وترك شرب الخمر، فبعضها يزيل الإيمان وبعضها لا يزيله، أما إذا زال العمل كله فلا صلاة ولا صيام ولا زكاة ، فهذا له شأن آخر، وإذا كان كثير من أهل السنة يكفرون بترك الصلاة فقط، فكيف إذا انضم إلى ترك الصلاة ترك الزكاة والصوم والحج ...، فهذا لا شك في زوال الإيمان من قبله.
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    الخاتمة :

    بعد الانتهاء من هذا البحث أحمد الله عز وجل وأشكره فهو أهل الثناء والحمد، لا أحصي ثناء عليه. وقد تبين فيه ما يأتي:
    1 - الإيمان عند أهل السنة مكون من ثلاثة أركان القول والعمل والاعتقاد.
    2 - بطلان نسبة قول: "العمل شرط كمال في الإيمان" إلى أهل السنة .
    3 - القول بأن العمل شرط كمال في الإيمان قول المرجئة .
    4 - وصف بعض علمائنا المعاصرين قول: العمل شرط كمال في الإيمان بأنه قول المرجئة .
    5- أهل السنة وإن قالوا بركنية العمل في الإيمان فمرادهم جنسه، لا يعنون أفراده عدا الصلاة، فمن ترك بر والديه أو ترك صلة رحمه ونحو هذه، فلا يزول الإيمان بزوالها.
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

  7. #7

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    شكرا لك ... بارك الله فيك ...

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: ( منزلة العمل عند أهل السنة ) لفضيلة الدكتور : صالح بن محمد العقيل

    أخي " الألوكي "وفيك بارك الله.
    ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - في (منهاج السنة) : " الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم و عدل ، لا بجهل و ظلم كحال أهل البدع ".اهـ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •