مصادر اللغويين التي اعتمدوها لدراسة اللغة :

1- القـــــــــرآن الكريــــم . 2- القراءات القرآنية .
3- الحديث النبوي الشريف . 4- الشـــــعـــــر العــــربي .
5- النثــــــــر العـــربي .

ولقد عاش العرب في شبه الجزيرة العربية حياة جافة قاسية خالية من وسائل الترف والنعيم، ولكنهم حافظوا على لغتهم، وابتعدوا عن الاختلاط والفساد وكانوا قد "منعوا الطعام وأعطوا الكلام"، وكانت لغة قريش آنذاك أفصح اللغات وقد أخذت من قبائل العرب أحسن ما لديها، ومنها قبائل قيس وتميم وأسد، ثم هذيل وبعض الطائيين وغيرهم .
قالوا « لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهم التي تجاور أمما أخرى .ومن بين قبائل العرب الذين أخذت عنهم اللغة : قيس وتميم وأسد ثم هذيل وبعض كنانة وبعض طيئ .
ونشأ عن وجود اللهجات العربية في بعض قواعد اللغة أن زادت مستويات اللغة، وزاد فيها الفصيح والأفصح والأقل فصاحة، والردئ، والمذموم، والشاذ، والحواشي، والغريب، والنادر، وعندما بدأ علماء اللغة القدامى تدوين لغتهم قسموا اللغة إلى أقسام :
القرآن الكريم : الحديث النبوي الشريف – الشعر – النثر وإليك التفصيل :
1-القرآن الكريم :

المراد بالقرآن النص القرآني المدون في المصحف، وهو غير القراءات القرآنية، وهو الذي جمع في عهد عثمان t وهو أعلى درجات الفصاحة وهو خير ممثل للغة العربية النموذجية،
وكل رواياته فصيحة حتى الشاذ منها، وإن لم يقاس عليها.
قال البغدادي: " كلامه عز اسمه أفصح كلام وأبلغه، ويجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه ". وإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول للغة العربية الفصحى فإن الممارسة العملية في كتب النحو تشير إلى انصراف العلماء عن استقراء النص القرآني لاستخلاص القواعد منه، وشواهد القرآن الكريم في قواعدهم يعدّ قليلا إذا قسناه بالشواهد الشعرية والنثرية، ويبدو أن الحفاظ على قدسية النص القرآني كان وراء أن الآيات القرآنية أتت في الاستشهاد النحوي بعد الشعر .
ويبدو أن الموقف العملي يشير إلى أن :

دارسي اللغة صرفوا أنفسهم عن استقراء النص القرآني لاستخلاص قواعد .
عدد الآيات القرآنية المستشهد بها في كتبهم كان قليلا إذا قسناه بالشواهد الشعرية والنثرية .
الآيات القرآنية تأتى في الاستشهاد بعد الشعر، وكأنهم يقررون بها أو يؤكدون.
ويبدو أن التحرز الديني والحفاظ على قدسية النص القرآني هو الذي صرفهم إلى ذلك.

2-القراءات القرآنية :

من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه بأن يقرئ كل أمة القرآن بلغتهم، وما جرت عليه عاداتهم، فالهذلي يقرأ (عتى حين) والأسدي يقرأ (تِعلمون) .
هذه القراءات القرآنية جاءت وفقا للهجات العربية المختلفة وكانت القبائل العربية متساوية في صحة القول وسلامة اللفظ (وإن تفاوتت في درجات الفصاحة)، ومن العجب أن اللغويين العرب لم يتقبلوا كل ما سجله القراء من قراءات، ولكنهم وقفوا منها موقفا يتسم بالتناقض أحيانا منهم قد صرحوا من ناحية بأن "القراءة سنة" كما صرحوا بأنه لا يجوز تفضيل قراءة على قراءة، ولكنهم حين جاءوا إلى مجال التطبيق نسوا كل هذا، ونقدوا القراءات وحكموا عليها باللحن أحيانا حين عجزوا عن إيجاد وجه لها في العربية تخرج عليه .
حتى ابن جني لم يتورع عن تخطئة بعض القراءات في كتابه "المحتسب" وفى غيره، وهو ما عجز عن تخريجه أو التماس وجه له في العربية يصح به" .
ولو نظرنا في كتب اللغة والنحو وجدنا أن الكوفيين كانوا أقل تخطئة للقراءات، وأكثر قبولا لها من البصريين، وهذا يعود إلى منهج الكوفيين في التوسع في أصول اللغة، والاعتداد بالمثال الواحد، ولا يحسب هذا على احترامهم للقراءات وحسن تقبلهم لها، فما زلنا لا نجد للقراءات المنزلة التي وضعت لها في الاستشهاد كمصدر ثان لها بالنقد والتخطئة، بل ويرفضون أحيانا بعض القراءات، وقالوا : إن القراءة في مثل هذه الآراء النحوية ليست نصا تؤخذ منه الأحكام اللغوية بل نص تطبق عليه هذه الأحكام ويخضع لسلطانها
ونحن لا نعيب على اللغويين والنحاة عدم استشهادهم المطلق بالقراءات وحرصهم على النمط العربي الفصيح الذي تمثله اللغة الأدبية المشتركة فذلك عين الصواب ؛ لأن القراءات تمثل لهجات متعددة، ومن المصلحة إبعاد هذه اللهجات في مجال التقعيد النحوي .
وإنما نعيب على اللغويين والنحاة أمرين هما :
أولهما : التناقض الصريح بين أقوالهم وأفعالهم .
وآخرهما : وصفهم بعض القراءات بأنه قبيح أو رديء أو وهم أو غلط .
وقد كان في إمكانهم أن يصفوها بأنها جاءت على لهجة محلية أو أقل فصاحة، فلا تبنى عليها قاعدة .
ويبدو لنا أن الحفاظ على قدسية النص القرآني، والتحرز الديني كان وراء قلة الاستشهاد بالقرآن والقراءات القرآنية ؛ لأن دراسة النص تحتاج إلى حرية التصرف في النص المدروس، بالإضافة إلى تعدد الآراء وإعمال الذهن في النص اللغوي .
بعض أمثلة نقد اللغويين للقراءات
· أنكر النحاة على القراء قراءتهم (وما أنتم بمصرخي) بكسر الياء . · خطّأ أحدهم القراءة « أتحاجوني » بنون خفيفة، أي بحذف نون الإعراب أو النون الأخرى. 3-الحديث النبوي الشريف :

الحديث هو المصدر الثالث بعد القرآن وقراءاته للاحتجاج والاستشهاد به . ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم قاموا برواية الأحاديث النبوية الشريفة وبعضهم استطاع تدوينها، ونضجت عملية كتابة الأحاديث في نهاية القرن الثاني الهجري، وكانت هناك ضوابط صارمة في توثيق الرواية سواء ما يتعلق بالرجال أو السند أو المتن في كتب "الصحاح" ؛ ولذا كان من الطبيعي أن يطمئن اللغويون إلى نصوص الحديث النبوي وأن يحتجوا بها . ومع ذلك قد وجدنا بعض العلماء يتجنب الاحتجاج بالحديث كابن الضائع وأبى حيان، إلى أن جاء ابن مالك في القرن السابع الهجري، واعتمد على الحديث في الاحتجاج، واستبدل بلغة أكلوني البراغيث جزءًا من الحديث النبوي الشريف أطلق عليها وهو "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار"، وصارت اللغة أو اللهجة يطلق عليها جزء الحديث . وهذه اللهجة الواردة في الحديث النبوي، وهى التي يراد بها إلحاق الفعل علامة الجمع، والفاعل اسم ظاهر جمع، وهى لها أصولها في اللغات السامية، وتحكى عن قبيلة "بلحارث بن كعب" كما حكاها البصريون عن قبيلة طيئ وبعض النحويين حكاها عن قبيلة أزد شنوءة .
وهذه اللغة واردة في القرآن الكريم في قوله تعالى :)وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ( وقوله تعالى : ) ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ( .
Û مثالا للاحتجاج بالحديث النبوي ؟
ابن مالك أخذ مثلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار" . شاهدا على لغة (أكلوني البراغيث) وهى اللغة التي تلحق الفعل ضمير تثنية أو جمع .
وقد حاول المانعون للاستشهاد بالحديث تعليل ذلك بسببين :
أحدهما : أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى،
وآخرهما: أنه وقع اللحن كثيرا فيما روى من الحديث ؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا من غير العرب .

وقد ردّ الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر على المانعين بما يلي :
1- الأحاديث أصح سندا من بعض الأشعار المجهولة النسب التي يستشهد بها. 2- ثبت أن كثيرا من رواة الحديث في الصدر الأول كانت لهم كتب يرجعون إليها عند الرواية والرواية بالمعنى لها شروط وتكون عند الضرورة. 3- كثيرًا من الأحاديث دون في الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدي رجال يحتج بأقوالهم في العربية وغايته تبديل كلمة مكان كلمة. 4- هناك أحاديث عرف اعتناء ناقلها بلفظها لمقصود خاص، كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته r مثال كتابه لوائل بن حجر و همدان. 5- وإذا كان قد وقع في رواية بعض الأحاديث غلط أو تصحيف فإن هذا لا يقتضى ترك الاحتجاج به جملة . ويبدو أن الذين منعوا الاستشهاد بالحديث النبوي من المتأخرين كانت بداية الفكرة عدم النص على الاستشهاد بالحديث، والاكتفاء بدخوله تحت المعنى العام لكلمة "النصوص الأدبية القديمة" ثم جاء من تلوهم وظنوا أن القدماء تعمدوا عدم الاستشهاد بالحديث، ونقل هذا عنهم دون بحث أو تمحيص .والحق أن علماء العربية الأوائل استشهدوا بالحديث في مؤلفاتهم ولكنها شواهد قليلة ليست في غزارة شواهد اللغويين من الشعر مثلا، فمما يذكر أن سيبويه لم يستشهدوا إلا بسبعة أحاديث فقط .
4-الشعر :

أطلق علماء العربية على الشعر والنثر « كلام العرب »،

قسم اللغويون الشعراء إلى طبقات أربع هي :

§ الشعراء الجاهليون . وهم قبل الإسلام .
§ الشعراء المخضرمون . وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام .
§ الشعراء الإسلاميون . وهم الذين كانوا في صدر الإسلام وآخرهم ابن هَرْمَهَ (176هـ) .
§ المولدون : وهم من بعدهم إلى زماننا هذا .
والشعراء في الطبقة الأولى والثانية (الأوليين) يحتج بشعرهم، أما الطبقة الثالثة فمعّظم اللغويين يرون صحة الاحتجاج بشعرهم، وقد رفض اللغويون الاحتجاج بطبقة المولدين .

5-النثر : يشمل الاحتجاج أو الاستشهاد بالنثر نوعين من المادة اللغوية :

أحدهما: ما جاء في شكل خطبة أو وصية أو حكمة أو تاورة .
وآخرهما : ما نقل عن بعض الأعراب ومن يستشهد بكلامهم في حديثهم العادي .
وحدد اللغويون شروطا تتعلق بالزمان والمكان:
أما الزمان فقد حددوا نهاية الفترة التي يستشهد بها بآخر القرن الثاني الهجر بالنسبة لعرب الأمصار، وآخر القرن الرابع بالنسبة لعرب البادية . أما المكان فقد ربطوه بفكرة البداوة والحضارة، فكلما كانت القبيلة بدوية منعزلة كانت أفصح والثقة فيها أكبر . وكلما كانت متحضرة أو أقرب إلى حياة الحضر كانت لغتها محل شك ولذلك تجنبوا الأخذ عنها .فالانعزال لديهم يحفظ للغة صفاءها ونقاءها، والاختلاط يفسد وينحرف بالألسنة .
ومما يلاحظ أن علماء اللغة جميعا في حال الرواية لم يجيزوا الاعتماد على النص المكتوب، وإنما استندوا أساسا على المشافهة والتلقي، وحذروا العالم من الاعتماد على النص المدون، وهم بذلك لا يختلفون عن المنهج الحديث الذي يعتمد على الراوي اللغوي، ويعتمد على الكلام المنطوق دون المكتوب .
9 بعض المآخذ على اللغويين أو المقعِّدين للغة ؟
*أ) عدم استمرار المشافهة طوال فترة الدراسة برغم قولهم المأثور « لا تأخذوا العلم عن صحفي، ولا القرآن عن مصحفي »، ولجوء بعضهم إلى مشافهات الآخرين يعتمدون عليها . *ب) تكميل الثغرات بالمنطق والقياس لا بمعاودة المشافهة . *ج) اعتقادهم بأن اللغة شيء وراثي، تؤخذ بالسليقة ولهذا أنكروا الأخذ عن أصحاب الأصول غير العربية من الفرس وغيرهم .
*د) خلطوا الشعر بالنثر عند الاحتجاج، مع أن الشعر له نظامه وضرورته التي ينفرد بها . لم يكثروا الاستشهاد بالحديث النبوي مع أنه أهم

منقول من محاضرات فى التراث اللُّغوى