تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قولنا : جاء محمدٌ ومحمدٌ جاء ،حيث يتقدم الاسم أو الفعل بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم ،وفي هذين المثالين نجد علامة الإعراب"الضمة "عاجزة عن تمييز المعنى النَّحوي ، لأن "محمدٌ" مرفوع في المثالين وإعرابه مختلف ، ومثل ذلك قولنا:ضرب زيدٌ عمراً الطويل َنفسَه ضرباً شديداً وطلوعَ الشمس صباحاً تأديباً له ، حيث نجد العلامة "الفتحة" عاجزة عن تمييز المعنى النَّحوي ، للمنصوبات أو المفاعيل ، لأنها جميعا منصوبة ،فلا تميز الفتحة بين المفعول به والمفعول معه ، مثلا ، لأنهما منصوبان ، ونقول:قابلتُ مديرَ المدرسةِ الكبيرةِ عينِها في دارِه ،حيث نجد علامة "الكسرة" عاجزة عن تمييز المعنى النَّحوي كذلك ، فـ"المدرسة" مجرورة و"داره" مجرورة ، ولهذه إعراب ولهذه إعراب ، رغم أن العلامة واحدة ، ولو كانت العلامة تدل على المعنى النحوي لكان إعرابهما واحدا ، ولذلك فالأوْلى أن تُسمى هذه العلامة بعلامة المنزلة والمكانة أو علامة الإعراب عن المنزلة والمكانة ، فالضمة علامة العمدة ، والفتحة علامة الفضلة أو المفعولية ، والكسرة علامة الإضافة ، فهي تميز لنا منزلة الكلمة داخل التركيب ولكنها لا تميز لنا وظيفتها النحوية ، ،فهذه العلامة هي علامة المنزلة والمكانة وليست علامة تمييز المعنى النَّحوي ، الذي نصل إليه عن طريق منزلة المعنى والاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ، أو بين المبني عليه والمباني ، ففي قولنا:ضرب زيدٌ عمراً الطويل َنفسَه ضرباً شديداً وطلوعَ الشمس صباحاً تأديباً له" ، يكون "زيدٌ ": مبني على الفعل،وهو فاعل للفعل " ضرب " لأنه قام بالفعل والفعل صدر عنه ويحتاج إليه ، و"عمرا ": مفعول به مبني على الفعل وقع عليه فعل الفاعل ،والفعل بحاجة إلى محل يقع عليه ، والطويل :صفة لعمرو ، وهي مبنية عليه و"نفسه" توكيد معنوي لعمرو وهي مبنية عليه ،و"ضربا" مفعول مطلق للفعل ضرب ،وهو مبني على الفعل ، وهو مصدر مبين للنوع ، و"شديدا" صفة للضرب ، وهي مبنية عليه ، و"طلوع " مفعول معه مبني على الفعل وحدث الفعل بمصاحبته ، و"صباحا" ظرف زمان للفعل ، مبني على الفعل، والفعل يدل عليه ويحتاج إليه ويقع فيه ، و"تأديبا"سبب للفعل وهو مبني على الفعل ومفعول لأجله ، والفعل يدل عليه ويحتاج إليه ، ويقع لأجله (1) وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى ونظم وإعراب التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض.عجز علامة الإعراب عن تمييز المعنى النَّحوي
===========================
(1)هذا إعراب مفصل حاولت فيه بيان دور الاحتياج المعنوي ومنزلة المعنى بين أجزاء التركيب في الإعراب وتمييز المعاني النحوية .