دور منزلة المعنى في تمييز معنى " قد " . تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في استعمال "قد" مع الماضي والمضارع ، وبحسب الحاجة المعنوية ، ولعدة معان ، ويقوم السياق اللغوي بتمييز معنى "قد" عن طريق الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب ، فقد يستخدمها المتكلم مع الماضي لإفادة عدة معان ،كما في الأمثلة التالية : قال تعالى:"قد أفلح المؤمنون" و"قد أفلح من زكَّاها" ،وتفيد التحقيق ، لأن "قد" تفيد القطع والتأكيد ،والماضي يفيد الحصول والحدوث ،كما تفيد تقريب الماضي من الحال ،كقولنا :قام زيد ،فيحتمل الماضي القريب والبعيد ،فإن قلت:قد قام زيد "اختص بالقريب. كما يستخدمها المتكلم مع المضارع وبحسب الأهمية المعنوية لإفادة عدة معان ،كما في الأمثلة التالية :قال تعالى ""قد يعلم ما أنتم عليه " وتفيد التحقيق والتكثير ، فعلم الله محقق وكثير بدليل قوله:" ألا إن لله ما في السموات والأرض " وقوله :" فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم "(النور64) ومثل ذلك قوله تعالى:"قد نرى تقلب وجهك في السماء "وقوله تعالى:"قد يعلم الله الذين يتسللون "والقرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ، وكقول الشاعر: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما // يظنَّان كل الظنِّ أن لا تلاقيا . فـ"قد" في هذا البيت تفيد التحقيق والتكثير ، بدليل عجز البيت وهو قوله "بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا" فالشاعر متفائل ، ويرى أن الله يجمع الشتيتين ، وهو شيء محقق وكثير، بعد التشاؤم من اللقاء . وتفيد التكثير ، كقول الشاعر امرئ القيس مفتخرا : قد أشهدُ الغارة الشعواء تحملني//جرداء معروقة اللحيين سرحوب . وتفيد التقليل كما في قول العرب:قد يجود البخيل ، وجود البخيل قليل لأنه تعوَّد البخل، وقد يصدق الكذوب ، وصدق الكذوب قليل لأنه اعتاد الكذب ، وتفيد التوقُّع كقول العرب: قد يقدم الغائب اليوم ، وقد يخرج الأمير غدا ، وتفيد التشكيك كقولنا :قد يدرس زيد . وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى ونظم وإعراب التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .