هذه من مقال أبي البراء ـ بارك الله فيه ـ في اسم الإيمان عند الأشاعرة
يقول شيخ الإسلام رحمه الله شارحًا ذلك:
"ومما يعارضون به أن يقال:
هذا الذي ذكرتموه إن كان صحيحًا، فهو أدل على قول المرجئة، بل على قول الكرامية منه على قولكم.
وذلك أن الإيمان إن كان كما ذكرتم، فالتصديق نوع من أنواع الكلام، فاستعمال لفظ الكلام والقول ونحو ذلك في المعنى واللفظ، بل في اللفظ الدال على المعنى أكثر في اللغة من استعماله في المعنى المجرد عن اللفظ، بل لا يوجد قط إطلاق اسم الكلام ولا أنواعه، كالخبر أو التصديق والتكذيب والأمر والنهي على مجرد المعنى من غير شيء يقترن به من عبارة ولا إشارة ولا غيرهما، وإنما يستعمل مقيدًا.
وإذا كان الله إنما أنزل القرآن بلغة العرب، فهي لا تعرف التصديق والتكذيب وغيرهما من الأقوال، إلا ما كان معنى ولفظا، أو لفظا يدل على معنى.
ولهذا لم يجعل الله أحدًا مصدقًا للرسل، بمجرد العلم والتصديق الذي في قلوبهم حتى يصدقوهم بألسنتهم.
ولا يوجد في كلام العرب أن يقال: فلان صدق فلانا أو كذبه، إذا كان يعلم بقلبه أنه صادق أو كاذب، ولم يتكلم بذلك.
كما لا يقال: أمهر أو نهاه، إذا قام بقلبه طلب مجرد عما يقترن به من لفظ أو إشارة أو نحوهما.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس))
(49) .، وقال: ((إن الله يحدث من أمره ما شاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة))
(50) , اتفق العلماء على أنه إذا تكلم في الصلاة ما عدا لغير مصلحتها بطلت صلاته.
واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق أمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك، فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام"، ثم استمر في سرد الأدلة على ذلك، ثم قال:
"وفي الجملة حيث ذكر الله في كتابه عن أحد من الخلق من الأنبياء أو أتباعهم، أو مكذبيهم أنهم قالوا، ويقولون، وذلك قولهم، وأمثال ذلك، فإنما يعني به المعني مع اللفظ.
فهذا اللفظ، وما تصرف منه من فعل ماض، ومضارع، وأمر، ومصدر، واسم فاعل، من لفظ القول والكلام ونحوهما، إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظا ومعنى، وكذلك أنواعه كالتصديق والتكذيب والأمر والنهي وغير ذلك، وهذا مما لا يمكن أحدا جحده فإنه أكثر من أن يحصى".
ثم بسط شيخ الإسلام القول في رد غلط المبتدعة في مفهوم الكلام، ثم قال:
"فتبين أنه إن كان الإيمان في اللغة هو التصديق، والقرآن إنما أراد به مجرد التصديق الذي هو قول ولم يسم العمل تصديقا فليس الصواب إلا قول المرجئة إنه اللفظ والمعنى، أو قول الكرامية إنه قول باللسان فقط، فإن تسمية قول اللسان قولا أشهر في اللغة من تسمية معنى القلب قولا، كقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 11]، وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8]، وأمثال ذلك، بخلاف ما في النفس، فإنه إنما يسمى حديثًا" اهـ
وهو ظاهر في كونه من وجوه الرد والإلزام على للأشاعرة في القول بالكلام النفسي