موسوعة شعراء العربية - المجلد السابع
شعراء الفترة الراكدة
بقلم- د.فالح الكيلاني
الشاعر الشاب الظريف
هو شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن ياسين الكومي العابدي التلمساني، ويكنى ( ابن العفيف) نسبة إلى أبيه الذي عرف ب(العفيف التلمساني) الذي كان شاعراً . ولقب ( الشاب الظريف ) لرقة شعره وطرافته فغلب عليه هذا اللقب وعرف به .
كان والده متصوفا ( سعيد السعداء) وكان يلقب بالعفيف التلسماني ، كان شاعرا معروفا وهو أحد الأعلام المشهورين وكان فاضلا ، تزوج في مصر ورزق فيها ابنه شمس الدين محمد (الشاب الظريف ) فقضي بمصر طفولته وصباه وقد أشار إلى ذلك في شعره قال :
يا راقد الطرف ما لطرف إعفاء
حدث بذاك فما في الحب إخفاء
أن الليالي والأيام من غزلي
في الحسن والحب أبناء وأنباء
يا ساكني مصر شمل الشوق مجتمع
بعد الفراق وشمل السكر أجزاء
ولد الشاعر في القاهرة في عشرة جمادي الأخرة سنة\ 661 هجرية - 1263 ميلادية ونشأ في دمشق حيث انتقل والده اليها بعد تولي امر الخزانة فيها حيث كان والده من اهل العلم والفكر وله مؤلفات ومصنفات وقصائد شعرية فتتلمذ الولد على يدي ابيه اولا وعلى طائفة من علماء دمشق انذاك منهم ابن الاثير الحلبي فدرس العلم واللغة والفقه والمنطق وقد ظهراثر ذلك في شعره وقصيده .
لم يكن والد الشاعر راضيا عن سلوكية ولده وحياته الماجنة ، فكتب إليه يعظه ويوصيه في قصيدة أبوية منها :
الى كم تماد في غرور وغفلة
ولم هكذا نوم الي غير يقظة
لقد ضاع عمر ساعة منه تشتري
بملء السما والأرض أية ضيعة
ويبدو أنه أشتهر بين اصدقائه ومحبيه ومعاصريه باسم ( الشاب الظريف ) و أن سبب هذه التسمية-كما يظهر- يرجع إلى ما عرف عنه من عبث ولعب وعشرة وانخلاع ومجون في بداية حياته وصباه حتى قيل له الأديب الظريف والأديب البارع .
تفتَّحت شاعريته في سنٍ مبكرة فقال الشعر صغيراً و ما إن أصبحَ شاباً حتى اكتَمَلَت شاعريته وذاع صيته .
بلغ الشاعر قمة مجده الأدبي وهو في شرخ شبابه ،و لقي شعره قبولا لدي الناس لسهولته وعذوبته ، واستطاع على الرغم من صغر سنه أن يصبح شاعرا معروفا مرموقا بين اشهر الشعراء والمعاصرين له وهذا المجد جعل له حسادا ومناوئين فاخذ هؤلاء الحسد في التمادي في غيهم ويزورون عليه القول ويبالغون في ايذائه ، حتى بلغ منه اليأس مبلغه فانشد:
كيف خلاصي من الذي أجد
قد أعوز الصبر عنه والجلد
ماقلت يوما : قد انقظي عدد
من الأعادي الأ أتي عدد
قد عرفوا من أنا ؟ وعاقهم
عن اعتراف بفضلي الحسد
مما اضطره حاله ان يندب شبابه التعس وحالته السيئة يقول :
أمل سعيت أجد في إتمامه
فعلام حل الدهر عقد نظامه
والي متي يسعي الزمان لنقض ما
أسعى بكل الجهد إلى إبرامه
وإذا الفتي قعدت قوائم حظه
قام الردى من خلفة وأمامه
وفي اخر ايامه اعتزل الناس ولزم بيته فلم ير احدا من الناس و دب اليأس والالم والحرمان في نفسه فكانت حياته القصيرة حالة معينة تكاد تكون فريدة للعبقرية المفجوعة وأسطورة لشاعر رائع لم يهنأ ولم يتمتع بشبابه .ويصف حاله فيقول:
ليت الليالي التي أولت بشاشتها
أن لم تدم هبة اللذات لم تهب
ما بالها غلبت حزني علي فرحي
وألقت الجد بين النجح والطلب
عاجلته المنية على عجل، فوافاه اجله في ريعان شبابه وهو في السابعة والعشرين من العمر فقد توفي الشاب الظريف سنة\ 688 هجرية - 1289ميلادية بعد أن عرف أمره وانتشر خبره فملأ الدنيا وشغل الناس في عصره. ويذكرني الشاعر الشاب الظريف بالشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي قتل وعمره ست وعشرين سنة ويذكرني ايضا بابن زويق البغدادي الشاعر الشاب الذي هاجر من بغداد الى الاندلس لعله يجد مكسبا فيسعد حبيبته فمات في ريعان شبابه في ارض الغربة وليجدوا قصيدته تحت راسه .
قال عنه الصفدي :
(شاعر مجيد ابن شاعر مجيد، وكان فيه لعب وعشرة وانخلاع)
يتميز شعره برقةِ الألفاظ وسهولتها حد الابتذال أحياناً . وجعلَتْه هذه الرقَّةُ في شعره موضع إعجابِ أهلِ عصره وافتتان خُلَطائه من الفتيان و الشبان فيه حتى كانوا يرونه افضل شاعر و بالغوا في تقديرهم له حتى جعلوا منزلته فوق امرئ القيس في شعرالغزل لفهمهم لقصيده وقربه من نفوسهم وعاطفهم . فقد كان خفيف الظل حلو المعشر مما جعلهم يُلقبونه (الشاب الظريف).
و في ديوانه من مقطعات شعرية تؤكد حبه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحة اتباعه تعالميه بكل جدية قال الشاب الظريف يمدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم :
أرض الأحبة من سفح ومن كثب
سفاك منهمر الأنواء من كثب
حياك يا تربة الهادي الشفيع حيا
بمنطق الرعد باد من فم السحب
يا خير ساع يباع لا يرد ويا
أجل داع مطاع طاهر الحسب
جعلت حبك لي ذخرا ومعتمدا
فكان لي ناظر من ناظر النوب
ما كان يرضى لك الرحمن منزلة
يا أشرف الخلق إلا أشرف الرتب
لي من ذنوبي ذنب وافر فعسى
شفاعة منك تنجيني من اللهب
ويقول ايضا :
قالوا غـدا نأتي ديار محمد
فقلت لهـم هـذا الذي عنه أفحص
أنيخـوا فما بال الركوب وإنها
على الرأس تمشي أو على العين تشخص
نبي له آيات صـدق تبينت
فكـل حـسـود عنـدها يتنـغـص
نـبـي بأملاك السماء مـؤيد
وبالمعجـزات البينات مخـصـص
ومالـي مـن وجـه ولا من وسيلة
سوى أن قلبي في المحبة مخلص
إذا صح منك القرب يا خير مرسل
عـن أي شـيء بعـد ذلك أحـرص
اشتُهرالشاب الظريف بالغَزل . فشعره الغزلي كثير جدا يكاد يطغي على بعض اغراضه الاخرى ومن أجمل ما قال في الغزل :
لي مِنْ هواكَ بعيدُهُ و قريبُهُ
و لكَ الجمالُ بديعُهُ و غريبُهُ
يا مَن أُعيذُ جمالَهُ بجلالِهِ
حَذَراً عليهِ من العيونِ تُصيبُهُ
إن لم تكُنْ عينِيْ فإنّكَ نورُها
أوْ لم تكُن قلبي فأنتَ حبيبُهُ
هل حُرمةٌ أو رحمةٌ لمُتيَّمٍ
قد قلَّ فيكَ نَصيرُهُ و نَصيبُهُ
ألِفَ القصائدَ في هواكَ تغَزُّلاً
حتى كأنَّ بِكَ النَّسيبَ نسيبُهُ
هَبْ لي فؤاداً بالغرامِ تَشُبُّهُ
و استَبْقِ فَوداً بالصُّدودِ تُشِيْبُهُ
لَم يَبْقَ لي سرٌّ أقولُ تُذيعُهُ
عني , ولا قلبٌ أقولُ تُذيبُهُ
كم ليلةٍ قضَّيْتُها مُتَسَهِّداً
و الدمعُ يجرحُ مقلَتِي مَسكوبُهُ
و النجمُ أقربُ مِنْ لُقاكَ منالُهُ
عندي , و أبعدُ من رِضاكَ مَغِيبُهُ
و الجَوُّ قد رَقَّتْ عليَّ عيونُهُ
و جُفونُهُ , و شَمالُهُ , و جنوبُهُ
هيَ مُقلةٌ سهمُ الفراقِ يُصيبها
و يَسِحُّ وابِلُ دمعِها فَيَصوبُهُ
ويقول ايضا في الغزل :
أتراك بالهجران حين فتكت في
قلبي علمت بما يجن فتكتفي
عاهدتني ألا تخون ولمت في
طلبي وفاءك بالعهود ولم تف
أنا صابر بل شاكر في الحب إن
أخلفت عهد الوصل أو لم تخلف
إني لأنأى معرضا عن عاذلي
إن عاد لي أوعن فيك معنفى
قد جار جار الحب في قلبي ولم
أر في الصبابة من صفا منصف
ومن تلاعبه اللغوي في شعره مازجا بين الغزل والنحو يقول:
يا ساكنا قلبي المعنى
وليس فيه سواك ثاني
لأي معنى كسرت قلبي
وما التقى فيه ساكنان
ومن المواضيع التي تناولها بإيجاز وصفه لآكل الحشيشة فيقول:
ما للحشيشة فضل عند أكلها
لكنه غير مصروف إلى رشده
صفراء في وجه خضراء في فمه
حمراء في عينه سوداء في كبده
ومن أبياته الجميلة في الحكمة و الموعظة قوله:
خذ من حديثي ما يغنيك عن نظري
فإنه سمر ناهيك عن سمر
كم من أب قد غدا أما لمعشره
فاعجب لإعطاء لفظ الأم للذكر
وناطح بقرون لا قرون له
وكبش قوم بنقل العليم مشتهر
وكم نظرت لوجه ليس في بدن
وكم سمعت بصخر ليس من حجر
ولابس وهو عار لا رداء له
كسوته أطلساً من أخشن الشعر
: واختم بحثي عن الشاعر الشاب الظريف بهذه الابيات من شعره
لا تخفِ ما فعلت بك الأشواقُ
واشرح هواك فكلنا عشاقُ
فعسى يعينك من شكوت له الهوى
في حمله فالعاشقون رفاقُ
لا تجزعنّ فلست أول مغرمٍ
فتَكتْ به الوجنات والأحداقُ
واصبر على هجر الحبيب فربما
حان الوصال وللهوى أخلاقُ
كم ليلة أسهرتُ أحداقي بها
ملقى وللأحداق بي أحداقُ
يارب قد بعد الذين أحبهم
عني وقد ألف الرفاق فراقُ
عرب رأيت أصح ميثاق لهم
أفلا يصح لديهم ميثاقُ ؟
وعلى النياق وفي الأكلة معرض
فيه نفارٌ دائم ونفاقُ
ما ناء إلا حاربت أردافه
خصرا عليه من العيون نطاقُ
ترنو العيون إليه في إطراقه
فإذا رنتْ فلكلها إطراق

اميرالبيان العربي
د.فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************