قال المروذي:
كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جهل عليه احتمل وحلم ويقول:
يكفيني الله ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة فكانوا يجيئون إلى أبي عبد الله فلا يظهر لهم ميله إلى عمه ولا يغضب لعمه ويلقاهم بما يعرفونه من الكرامة


وكان أبو عبد الله كثير التواضع يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أحد أعز منه في مجلسه، مائل إليهم مقصر عن أهل الدنيا تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر لم يتكلم حتى يسأل، وإذا خرج إلى مجلسه لم يتصدر، يقعد حيث انتهى به المجلس


وكان لا يقطن الأماكن ويكره إيطانها وكان إذا انتهى إلى مجلس قوم جلس حيث انتهى به المجلس، وصحبته في السفر والحضر.


وكان حسن الخلق دائم البشر لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ وكان يحب في الله ويبغض في الله وكان إذا أحب رجلا أحب له ما يحب لنفسه وكره له ما يكره لنفسه ولم يمنعه حبه له أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم أو إثم أو مكروه إن كان منه وكان إذا بلغه عن رجل صلاح أو زهد أو اتباع الأثر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة


وكان رجلا وطيئا إذا كان حديث لا يرضاه اضطرب لذلك وتبين التغيير في وجهه غضبا لله ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها فإذا كان في أمر من الدين اشتد غضبه له وكان أبو عبد الله حسن الجوار يؤذى فيصبر ويحتمل الأذى من الجيران.


وقال إسحاق بن إبراهيم بن يونس رأيت أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وقد صلى الغداة فدخل منزله وقال لا تتبعوني مرة أخرى وكان يمشي وحده متواضعا وقال ابن هانئ رأيت أبا عبد الله إذا لقي امرأتين في الطريق وكان طريقه بينهما وقف ولم يمر حتى يجوزا.

منتقى من كتاب الاداب الشرعية لابن مفلح 2 \ 88