تمايز معنى التراكيب ومستوى نظمها وإعرابها في إطار الصيغة
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث المعنى ومستوى النظم والإعراب في إطار الصيغة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيبين
نقـول:إنْ زيدٌ لمنطلقٌ .
ونقول:إنْ زيداً لمنطلقٌ .

فمن جهة المعنى التركيب الأول غير مؤكد أما الثاني فمؤكد .
أما من جهة مستوى النظم فالتركيب الأول أقوى من التركيب الثاني ،فعند تخفيف "إنَّ" يجوز فيها الإهمال والإعمال ،والذي يبدو لي أن الإهمال أقوى من الإعمال ، ويظهر هذا من السياق اللغوي الذي تستعمل فيه ، والذي يشهد له الاستعمال القرآني ، فالقرآن الكريم يستعمل "إنَّ" في سياق التشديد والقوة ، قال تعالى على لسان قوم سيدنا هود عليه السلام حينما دبَّ الصراع واحتدم بينه وبينهم مجتمعين "قال الملأ الذين كفروا من قومه إنَّا لنراك في سفاهة وإنَّا لنظنُّك من الكاذبين " فجاء بـ"إنَّ" لأن القوم كانوا متأكدين من كلامهم ورأيهم ،وهم على قلب رجل واحد ،وجاء باللام التي تفيد التوكيد في خبرها ، بسبب الاحتياج المعنوي بين أجزاء التركيب، بينما قال تعالى على لسان السحرة المتفرقين المتصارعين مع سيدنا موسى عليه السلام "قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى *فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرُّوا النجوى*قالوا إنْ هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المُثلى *فأجمِعوا كيدَكُم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى *"فجاء بـ"إنْ" المخففة لأن القوم كانوا متفرقين وغير متأكدين تماما من كلامهم ورأيهم ، وهم ليسوا على قلب رجل واحد ،وجاء باللام الفارقة في الخبر للتفريق بين "إنْ" المخففة و"إنْ" النافية .
فعند التأكيد نستخدم "إنَّ" وعند قلة التأكيد فالأولى أن تكون مهملة .
أما من جهة الإعراب فالتركيب الأول يتكون من إن المهملة والمبتدأ والخبر،أما التركيب الثاني فيتكون من إنَّ واسمها وخبرها . وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى وإعراب ونظم التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض.