الحمد لله وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ، وبعد ..
فمن المآسي التي تتكرر في أزمنة الفتن والاضطرابات : الهروب إلى أشراط الساعة ، والاستفتاحُ بالملاحم !
حيث يصر بعضُ المسلمين على الربط الجازم بين أحداث بعينها وبين بعض الأشراط ، ربطًا يحدد على أساسه موضع قدميه ، وفريقه المفضل !
...
وأحيانا يكون السبب هو "الإفراط في الإحساس بالعجز ، الذي ينشأ عنه التفريط في إزالة العجز" كما يقول العلامة المقدم -حفظه الله- في سفره الجليل : فقهُ أشراط الساعة .
فيؤدي ذلك به إلى أن " يترقب حصول خوارق عادات يترتب عليها التمكين لدين الله في الأرض ، وهؤلاء يتناسون سنة الله في الذين خلوا من قبل ، وأن الابتلاء حتمي قبل التمكين ؛ {ذلك ولو يشاءُ الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} ".
فهي حيلة نفسية تدعوه لليأس من تغيير الواقع ، وتسليم الأمر لأهل الغواية ، في انتظار خروج المهدي ونزول المسيح !
...
وقد يبلغ الأمر بالبعض أن يقسم أن راية المسلمين بالشام الآن هي مع الدواعش ، وأننا في خضم أحداث النهاية بالفعل ، بقي فقط أن يخرج المهدي ويعود المسيح عليه السلام !
ولا يشك مسلمٌ في مجيئهما ، لكن من قال أن هذه علاماته ؟
ومن أين أتاهم اليقين أن الدنيا لا تنصلح مرة -بل مرات- قبل مجيئ المهدي ، وأنه لا تكون خلافة على منهاج النبوة حتى يأتي ؟
يقول الألباني -رحمه الله تعالى- عن ذلك الزعم :
"...فإن هذا توهمٌ باطل ، ويأسٌ عاطل ، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما -أي المسيح والمهدي- فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك ، لقوله تعالى : "إن تنصروا الله ينصركم ، ويثبت أقدامكم " .
...
ثم من أين أتى اليقين بالدواعش وعلى أسلحتهم كل هذا الكم من دماء المسلمين ، هل لأنهم أصحاب رايات سود ؟ أم لأنهم في العراق و الشام ؟
...
بالطبع قد يصدم البعض إن قيل أيضا أن اليهود المحتلين الآن قد تزول دولتهم قبل نزول المسيح وخروج الدجال الذي يحاربوننا خلفه ، وأنه لا دليل يصرح بأنهم سيكونون أصحاب دولة عند الملاحم !
وكثير من النصوص لا تحتمل هذا الجزم الواثق ، بل هي محل اجتهاد لأهل العلم والنظر .
..
وقد أفرد الشيخ المقدم في كتابه القيم "فقه أشراط الساعة" مساحة لضوابط التعامل مع نصوص الفتن وأشراط الساعة جعل منها :
"الضابط الثالث : لا يمكن إسقاط النصوص التي يطرقها الاحتمال على واقع معين إلا بعد وقوعها وانقضائها..
فقال : إن تنزيل النصوص الشرعية المتعلقة بالفتن والملاحم على ما يقع من النوازل مع القطع بذلك دون شك ولا تردد : من الرجم بالغيب ، ومن القول على الله تعالى بغير علم ، وقد قال تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم" ..
.. لقد كان من هدي السلف رحمهم الله : أنهم لا ينزلون أحاديث الفتن على واقع حاضر ، وإنما يرون أصدق تفسير لها وقوعها مطابقة لخبر النبي صلى الله عليه وسلم ... بخلاف ما يحصل من بعض المتعجلين المتكلفين اليوم ، فإنه بمجرد ظهور بوادر لأحداث سياسية أو عسكرية ، محلية أو عالمية : تستخفهم البُداءات ، وتستفزهم الانفعالات ، فيسقطون الاحاديث على أشخاص معينين ، أو وقائع معينة ، ثم لا تلبثُ الحقيقة أن تيبن : فيكتشفون أنهم تهوروا وتعجلوا!..." اهـ باختصار .
..
ومرجع هذه الأزمة كما هو واضح إلى : التعالم ، واستعجال الثمرات ، وسوء الفهم عن الله ورسوله ..
..
لذلك لم يكن غريبا أن تترتب على هذه المأساة الفكرية مآس دموية :
منها ماحدث في بيت الله الحرام من حادث مشهور ، حين احتلته طائفة من الشباب بالسلاح في أواخر السبعينات بقيادة جهيمان العتيبي ، ومعهم محمد بن عبدالله القحطاني -صهر العتيبي- ، وقالوا أنه المهدي وأنه لاذ بالبيت كما قالت نصوص السنة وأن على المسلمين جميعا أن يبايعوه !!
ثم لم يلبث المهدي المزعوم أن قُتل على أيدي القوات المقتحمة لتحرير البيت العتيق ، بينما أعدم العتيبي وستون شابا في أنحاء المملكة .
فهدى الله المسلمين لصراطه المستقيم ، والحمد لله رب العالمين .
..
يمكن تحميل كتاب "فقه أشراط الساعة" من هنا ، وفيه العديد من المباحث المفيدة في هذا الجانب وغيره :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3826