الحمد لله معز الموحدين ومذل الكافرين وناصر عباده الصادقين المخلصين ، والصلاة والسلام على من بعث بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده ، وعلى آله وأصحابه حاملي راية التوحيد ، ومن تبعهم واقتفى أثرهم ليوم الدين ، وبعد :
ذكر ابن عبد البر " رحمه الله " في كتابه ( الاستذكار ) أن الملك جورج الثاني ملك إنجلترا أرسل ابنة أخيه الأميرة دوبانت ورئيس ديوانه على رأس بعثة مكونة من ثماني عشرة فتاة من بنات الأمراء والأشراف إلى إشبيلية لمَّا كان المسلمين يحكمون الأندلس لدراسة نظام الدولة والحكم وآداب السلوك الإسلامي وكل ما يؤدي إلى تهذيب المرأة .
ولقد أرسل رسالة معها نصها كالآتي :
[ من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال _ فرنسا _ والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام , وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان, ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن .. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص ؛ من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا ] .
يوم كُنا أعزاء كانت تستعطفنا انجلترا وتلتمس كرمنا ! .
وفي هذا النص دلالة واضحة على عزة وقوة الإسلام والمسلمين ، وأيضًا دلالة على الحضارة العلمية والعمرانية عند المسلمين .
سبحان الله ! ، لقد كانت انجلترا بل أوربا بأسرها تستعطف المسلمين أيام عزهم بالدراسة في بلادهم ونهل العلم من معاهدهم وجامعاتهم ، حتى أن المتعلم منهم إذا تعلم ورجع إلى بلاده نظر إليه الأوروبيين على أنه من الطبقة الراقية المثقفة ! ... واليوم وللآسف انعكست الآية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يا من تعز من تشاء ، وتذل من تشاء ... أعزنا وارجع لنا ماضينا التليد ، اللهم ءامين .
رحم الله الشاعر أبو البقاء الرندي حين قال :
فجائع الدنيا أنواع منوعة ... و للزمان مسرات وأحزانُ
وللحوادث سلوان يسهلها ... وما لم حل بالإسلام سلوانُ
يا من لذلة قوم بعد عزتهم ... أحال حالهم جور وطغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم ... واليوم هم في بلاد الكفر عبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم ... عليهم في ثياب الذل ألوانُ
كتبه : أبو الليث الصنهاجي ...
12 رجب 1436 هـ
1 مايو 2015 م