تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي هل يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

    هل يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟


    السؤال: أنا مهتم جدا بتعلم الإسلام ، لذلك قمت مؤخرا بالبدء في قراءة صحيح البخاري للحديث ، وقد لاحظت أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث قد شرع لنا أن نفعل بعض الأشياء الصادرة عن حكمه هو ، وليست وحيا من الله تعالى . على سبيل المثال : أذكر الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) (رواه البخاري، 887 ومسلم 252). أرجو أن تشرحوا لي إمكانية ذلك ، ونحن نعلم أن كل شيء يصدر عن رسول الله صلى الله علي وسلم ( أمر ، أو إجازة ، أو تحريم ) إنما يكون وحيا من الله .

    الجواب :الحمد لله
    أولا :
    بداية نشكر لك حرصك على تعلم الإسلام والتفقه فيه ، فالعلم نور يضيء للعقل الطريق ، ويفتح للقلب آفاقا من المعرفة بالله عز وجل ، يهتدي بها إلى الحق الذي ينجيه بين يديه سبحانه وتعالى .
    ونحن نرجو أن يسلك كل الناس هذا المسلك الذي أنت عليه ، مسلك التدبر والتفكر ، ثم السؤال عما يرد على أذهانهم من مسائل وإشكالات ، ولو تثبت كل عاقل مما يقرأ أو يسمع دفع عن نفسه وعن الناس الجهالة والغواية .

    ثانيا :
    بخصوص ما سألت عنه ، نقول :
    يقسم العلماء ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال إلى قسمين :
    القسم الأول : أقوال وأفعال صادرة بتوقيف من الوحي ، وَبِأَمْرٍ من الرب سبحانه وتعالى ، يكون النبي صلى الله عليه وسلم فيها مبلغا ناقلا أمينا ، يأمر بما أمر الله به ، ويمتثل ما أوحي إليه من ربه عز وجل . وهذا القسم هو الغالب على أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم .
    القسم الثاني : أقوال وأفعال صادرة عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده ، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيها مبلغا ولا ناقلا ، وإنما مشرِّعًا مجتهدا ، بناء على ما خوله الله عز وجل من التشريع والحكم بين الناس ، والله عز وجل يقره على ذلك ، إلا في بعض الحالات التي كان في اجتهاده صلى الله عليه وسلم شيء من الخطأ ، فحينئذ ينزل الوحي من عند الله عز وجل بتصويب ذلك ، وبهذا تبقى العصمة التامة لجميع ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
    إذا كان مبلغا لما أوحى الله إليه : فالعصمة حاصلة ابتداء .
    وإذا كان مجتهدا في حكمه صلى الله عليه وسلم : فالعصمة حاصلة انتهاء .
    قال الشاطبي رحمه الله :
    " الحديث إما وحي من الله صرف ، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة .
    وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، وإذا فُرِّعَ على القول بجواز الخطأ في حقه ، فلا يُقَرُّ عليه البتة ، فلا بد من الرجوع إلى الصواب ، والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه " انتهى.
    " الموافقات " (4/335)
    وقال الشوكاني رحمه الله :
    " يجوز – الاجتهاد - لنبينا صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء ، وإليه ذهب الجمهور ، واحتجوا :
    1- بأن الله سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم كما خاطب عباده ، وضرب له الأمثال ، وأمره بالتدبر والاعتبار ، وهو أجل المتفكرين في آيات الله ، وأعظم المعتبرين .
    وأما قوله : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) فالمراد به القرآن ؛ لأنهم قالوا إنما يعلمه بشر ، ولو سلم لم يدل على نفي اجتهاده ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان متعبدا بالاجتهاد وبالوحي لم يكن نطقا عن الهوى ، بل عن الوحي .
    2- وإذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد بالإجماع مع كونه معرضا للخطأ ، فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ بالأولى.
    3- ويدل على ذلك دلالة واضحة ظاهرة قول الله عز وجل : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم )، فعاتبه على ما وقع منه ، ولو كان بالوحي لم يعاتبه .
    4- ومن ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ) أي : لو علمت أولا ما علمت آخرا ما فعلت ذلك ، ومثل ذلك لا يكون فيما عمله صلى الله عليه وسلم بالوحي .
    6- وأمثال ذلك كثيرة : كمعاتبته صلى الله عليه وسلم على أخذ الفداء من أسرى بدر بقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض ) الأنفال/67، وكما في معاتبته صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) الأحزاب/37.
    إلى آخر ما قصه الله في ذلك في كتابه العزيز .
    والاستيفاء لمثل هذا يفضي إلى بسط طويل ، وفيما ذكرناه ما يغني عن ذلك ، ولم يأت المانعون بحجة تستحق المنع أو التوقف لأجلها " انتهى، مختصرا.
    " إرشاد الفحول " (427-429)
    وقال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
    " الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوصه ، كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم ، وكأسره لأسارى بدر [ وأخذ الفداء منهم ] ، وكأمره بترك تأبير النخل ، وكقوله : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت...) الحديث. .إلى غير ذلك .
    وأن معنى قوله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) لا إشكال فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشيء من أجل الهوى ، ولا يتكلم بالهوى ، وقوله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله ، لا بهوى ، ولا بكذب ، ولا افتراء ، والعلم عند الله تعالى " انتهى.
    " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " (ص/224)، وانظر: " مذكرة أصول الفقه " (ص/60)

    ثالثا :
    فإذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما صدر عنه القول أو الفعل عن رأي منه واجتهاد ، ثم يقره الوحي عليه فيسكت عنه أو يؤيده ، ونادرا ما كان الوحي يأتي بتصويبه – إذا تبين ذلك فهمنا وجه قوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم...) ، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ـ أَوْ عَلَى النَّاسِ ـ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ ) رواه البخاري (887)، ومسلم (252)
    قال الإمام النووي رحمه الله :
    " فيه دليل على جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد فيه نص من الله تعالى ، وهذا مذهب أكثر الفقهاء ، وأصحاب الأصول ، وهو الصحيح المختار " انتهى.
    " شرح مسلم " (3/144)
    وقال أبو الوليد الباجي رحمه الله :
    " امتناعه صلى الله عليه وسلم من الأمر لهم لمعنى المشقة ، أي لولا المشقة لأمرهم به ، هذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم الآمر بالأحكام وإيجابها ، وأن ذلك مصروف إلى اجتهاده ، ولولا ذلك لم يمنعه الإشفاق على أمته من أن يوجب عليهم السواك لأجل المشقة " انتهى.
    " المنتقى شرح الموطأ " (1/130)

    على أن ثمة توجيها آخر لهذا الحديث لا نحتاج معه تقرير جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم .
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – في معرض ذكر فوائد هذا الحديث - :
    " فيه جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه فيه نص ، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره ، فلو كان الحكم متوقفا على النص ، لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص ، لا وجود المشقة .
    قال ابن دقيق العيد : وفيه بحث .
    وهو كما قال ، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة ، فيكون معنى قوله : ( لأمرتهم ) أي : عن الله بأنه واجب " انتهى.
    " فتح الباري " (2/376)
    والله أعلم .


    الإسلام سؤال وجواب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    بارك الله فيك .
    ينظر هنا أيضا للفائدة : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...atwaId&Id=3217
    وهذا أيضا :
    fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Optio n=FatwaId&Id=3217

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •