تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول إن شاء الله وقدر تشكيك الملاحدة و اللادينين في مصدرية الدين للأخلاق بالعرض والنقد ،وقبل بيان دعاويهم والرد عليها لابد من معرفة مفهوم الأخلاق ومفهوم الدين

    مفهوم الأخلاق

    الأخلاق مفرد كلمة خلق ،و الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه[1] .

    والذي يفصلُ الأخلاق وُيميِّزُهَا عن غيرها هي الآثار القَابلة للمدح أو الذَّم، وبذلك يتميز الخُلُق الحسن عن الغريزة فالأكل مثلا غريزة، والإنسان عند الجوع يأكلُ بدافع الغريزة وليس مما يمدح به أو يذم. لكن لو أنَّ إنسانَا أكلَ زائدًا عن حاجته الغريزية، صارَ فعله مذمومًا، لأنه أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الطمع، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود، وهو القناعة. كذلك فإن مسألة حبّ البقاء ليست محلًا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر لخلق في النفس مذموم، وهو الجبن، أما الإقدامُ الذي لا يصلُ إلى حد التهور، فهو أثر لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة .

    وهكذا سائرُ الغرائزِ والدوافع النفسية التي لا تدخلُ في باب الأخلاق، إنَّما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم [2].



    مفهوم الدين


    الدين له عدة تعريفات منها الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي[3]،ومن تعريفات الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول - باختيارهم إياه - إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل[4]،ومن تعريفات الدين كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له سواء كان صحيحاً، أو باطلاً [5].















    الشبه التي لجأ إليها الملاحدة لتشكيك في مصدرية الدين للأخلاق

    لجأ الملاحدة للعديد من الشبه للتشكيك في مصدرية الدين للأخلاق فقالوا : وجدت الأخلاق قبل الدين ،و اخترع الدين لتنظيم المسيرة الأخلاقية فالأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته بل الإنسان إذا وجد بعض القيم الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين .

    وقال آخرون : وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ،و انتشار الفساد في البلاد الإسلامية الأخلاق أي يوجد من هو متدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين للأخلاق .

    واحتج بعضهم : أن الدين ثابت و أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين تتغير مع الوقت .

    و قال البعض : ليس من الأخلاق قطع يد السارق و رجم الزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا للأخلاق و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ .

    و قال البعض : ليس الدين مصدر الأخلاق إذ كيف يضبط السلوك الاجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب الأبدي بواسطة كائن فوق الطبيعة ؟ و عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب ،و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء .

    وقال البعض : لا يحق لأي دين أن يفرض رؤيته للفضيلة الأخلاقية و الإثم و السلوك الجنسي و الزواج و الطلاق و التحكم في النسل أو الإجهاض أو أن تسن القوانين بحسب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية .

    وقال البعض : العقل و الإنسانية كفيلان بجعل الإنسان يتخلق بالخلق الحسن ،ومن طبائع الإنسانية و دون حاجة لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الزوجية و العلاقات الممنوعة بين المحارم ، والأخلاق موجودة في الضمير الإنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه.

    وقال البعض : الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش .

    وقال البعض : القول بأن الأديان مصدر الأخلاق مسألة غير عملية لا تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض الواقع

    وقال البعض : إن خصصنا الأديان كمصدر للأخلاق لوجود نصوص أخلاقية فعليه سنقول الأديان مصدر القتل لوجود تعاليم ترتبط بالقتل و أنها مصدر الحرب لوجود تعاليم ترتبط بالحرب .

    وقال البعض : لنفرض أن أمامنا عدة كتب (التوراة، الإنجيل، القرآن، ...) كل منها يزعم أنه الصحيح ويحتوي الأخلاق الصحيحة وفقط هو يمتلك هذه المعرفة. كيف سيكون بإمكاننا معرفة أي منها هو الصادق إذا لم نعرف أصلاً ما تعنيه الأخلاق ؟ أي كيف يمكننا أن نقول أن كتاباً معيناً هو الصحيح من وجهة نظر أخلاقية إذا لم تكن لدينا فكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكماً ما أخلاقياً أو لا؟ بأي معيار أستطيع أن أقول أن كتاباً معيناً صادق بحكم أخلاقي ما (أو بكل أحكامه الأخلاقية) بدون أن أعرف ما تعنيه الأخلاق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة الأخلاقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين ما يؤدي إلى أن الكتب الدينية لا يمكنها أن تكون مصدراً للأخلاق .


    وقال البعض : الدين هو مصدر الأخلاق هي مقولة خاطئة لأنها تؤدي إلى تناقض ذاتي: لنفرض أن إنسان أ1 يتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د1 وأما الإنسان أ2 فيتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د2. في حال اختلاف الدينين فيما يطالبان به بخصوص حالة معينة (كضرورة أو عدم ضرورة رجم الزانية مثلاِ) فإن هذا يؤدي العمل ذاته سيكون أخلاقياً من منظور الدين الأول وغير أخلاقي من منظور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن يكون ممكناً إذا كان مرجعنا فيما يجب فعله أو الاستنكاف عن عمله هو فقط ما يسوغه دين معين أو غيره .





    [1] - التعريفات للجرجاني ص 104

    [2] - موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز ص 22-23

    [3] - دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف ص 9

    [4] - دائرة المعارف للبستاني مادة (دين).

    [5] - دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف ص 10

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    الأخلاق قيمة مطلقة ثابتة

    الأخلاق قيمة مطلقة ثابتة لا يعتريها التبديل من عصر لعصر ولا من بلد لبلد ولا من شخص لشخص شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان .

    و رغم أن العديد من الناس لديهم ممارسات أخلاقية مختلفة، إلا أنهم يتشاركون في مبادئ أخلاقية عامة مثلا، يتفق مناصري الإجهاض ومعارضيه أن القتل أمر خاطئ، و لكنهم يختلفون حول ما إذا كان الإجهاض يعتبر قتلاً أم لا. لهذا، حتى في هذه الحالة تثبت حقيقة وجود الأخلاقيات العامة المطلقة ، و لا يوجد مجتمع بكامله يمكن أن يرى أن زنا المحارم مسألة عادية و ليس أمرا مشينا ، نعم قد يوجد بعض الأفراد الشواذ الذي يرون أن زنا المحارم مسألة عادية فالعيب في هؤلاء الأفراد الشاذين وليس في المجتمع .



    و يوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها خير عند جميع الأمم كالعدالة و الأمانة والكرم ،ويوجد قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك على أنها شر عند جميع الأمم كالكذب و الخيانة .

    وتجد جميع الأمم والشعوب في كل الأزمان و كل الأماكن تحب الخير وتمدحه و تكره الشر وتذمه ،و تحب الفضيلة و تكره الرذيلة وتحب الصدق وتمدحه و تكره الكذب وتذمه ،وتحب الأمانة وتمدحها وتكره الخيانة وتذمها ،وتحب الشجاعة وتمدحها وتكره الجبن وتذمه ،و تحب الكرم وتمدحه و تكره البخل وتذمه ،وتحب الاحترام وتمدحه وتكره الاحتقار وتذمه ،وتحب العدل وتمدحه وتكره الظلم وتذمه ،ولا معنى للمدح والذم ،ولا معنى لحب الخير و كره الشر إذ لم تكن الأخلاق مطلقة .

    وتجد جميع الأمم والشعوب تشيد أو تكافئ على فعل بعض السلوكيات الحسنة كالشجاعة والوفاء والإخلاص ، وتجرم أو تندد أو تعاقب على فعل بعض السلوكيات السيئة كالسباب و الفساد والقتل والغش ،ولا معنى للثواب والعقاب إذ لم تكن الأخلاق مطلقة ،ولا معنى للمكافأة و المعاقبة و التجريم في غياب الأخلاق المطلقة .

    و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تجعل السرقة عملا بطوليا و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تمتدح الكذب و لا توجد أمة من الأمم في أي وقت و أي زمان تعظم الخيانة .

    و إذا كان الواحد منا يرى بعض السلوكيات فيرفضها ،ويقول أنها منافية للأخلاق كقتل الرجل لأبيه أو سب الرجل لشخص فهذا دليل على مطلقية الأخلاق و من خلال مطلقيتها حكمنا على بعض السلوك أنه منافي للأخلاق .




  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    أهمية وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة

    إن وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يجعل من السهل الحكم على بعض السلوكيات بالخير أو الشر ، بالخطأ أو الصواب ،بالحسن أو القبح لوجود مبادئ أخلاقية مطلقة و ثابتة يمكن أن نحتكم إليها و نستند في حكمنا على السلوكيات عليها .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يسهل التمييز بين السلوك المحمود والسلوك المذموم ،و يسهل التمييز بين السلوك الحسن و السلوك القبيح لوجود معايير أخلاقية مطلقة و ثابتة يمكن أن تدلنا على السلوك الحسن والسلوك القبيح .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يسهل التحفيز على فعل السلوك المحمود و التنفير من فعل السلوك المذموم ،و يسهل الالتزام بالقيم الأخلاقية .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يميز الإنسان بين السلوك الحسن و السلوك القبيح ، و يبحث عن أفضل العلاقات وأحسنها في معاشرة الناس ،و بذلك يتميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم و يحافظ الإنسان على إنسانيته التي يترتفع بها عن الحيوان .


    أهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية

    إن الالتزام بالقيم الأخلاقية ذو أهمية بالغة إذ مع الالتزام بالقيم الأخلاقية يكثر الخير والصلاح والصالحون، ويقل الشر والفساد و المفسدون .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها تجد الفرد والمجتمع يعيشون في سعادة إذ الكل يفعل الخير ويجتنب الشر فتنتشر الفضيلة وتختفي الرذيلة و العيش في ظل الفضيلة يبعث السعادة والبهجة .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها تجد الفرد والمجتمع يعيشون في طمأنينة و أمان و سلام إذ الكل يفعل الخير ويتوقعه ممن حوله .

    و في وجود قيم أخلاقية مطلقة و ثابتة يتحلي أفراد المجتمع بها و يلتزمون بها يتخلص المجتمع من ظاهرة القلق والاضطرابات التي تسوده لانتشار الخير و الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس .




    أهمية الإلزام بالقيم الأخلاقية

    القيم الأخلاقية لا معنى لها إذا لم تكن ملزمة ،و لا أخلاق بدون إلزام إذ بدون الإلزام لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما و بانعدام الإلزام تنعدم المسؤولية الأخلاقية ، وإذا انعدمت المسؤولية الأخلاقية التي تلزم الإنسان بالعمل الخلقي ،ولا يوجد ما يحمله على الالتزام ضاعت الأخلاق فكل شخص يفعل ما يحلو له .











    مصدر الإلزام الأخلاقي في غياب الدين

    إذا كانت الأخلاق لا معنى لها دون إلزام فما مصدر الإلزام الأخلاقي في غياب الدين هل هو الضمير أم العقل أم المجتمع أم المنفعة أم القانون ؟


    و إن قيل مصدر الإلزام الضمير فالجواب لا يكفي وازع الضمير الإنساني وحده لحمل الإنسان على التحلي بالفضائل فمن الناس من يتميز بضعف الضمير وكثيرا ما تتغلب العواطف والانفعالات والعادات والتقاليد والمواقف الخاصة والمصالح الشخصية في ضمائر الناس وأحكامهم ، وقد يخطئ الضمير بسبب العديد من المؤثرات ، وقد ينحرف بسبب العديد من المؤثرات الخارجية فيرى المنكر معروفا والمعروف منكرا والضمير ليس ملكة معصومة من الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده .

    و الضمير يختلف في البيئة الواحدة وفي الجماعة الواحدة فما يمليه ضمير شخص قد لا يمليه ضمير شخص آخر ،و كما قيل : الناس في كل العصور، وفي جميع الأقطار، يستشيرون ضمائرهم، ولكنها لا تسمعهم جميعاً لحناً واحداً إذ أن ما يظهر عدلاً وخيراً لبعض النفوس المخلصة في عصر خاص، لا يظهر عدلاً ولا خيراً لنفوس أخرى، هي أيضا مخلصة، ولكنها عاشت في عصر آخر أو مكان آخر .

    و إن قيل مصدر الإلزام الأخلاقي العقل فالجواب لا يكفي وازع العقل وحده لحمل الإنسان على التحلي بالفضائل فالعقول قاصرة لا تهدي أصاحبها في جميع الأحوال و أحكام العقول متناقضة ، وما يحكم عليه شخص بأنه خير له يحكم عليه آخر بأنه شر له ،والأخلاق عقليًا من منظور مادي غير مربحة بل ضارة بل هي أكبر عبء على صاحبها .

    وقد يخطئ العقل بسبب العديد من المؤثرات ، وقد ينحرف بسبب العديد من المؤثرات الخارجية فيرى المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وقد يصاب عند بعض الناس بعلة من العلل المرضية، فيعشى أو يعمى أو تختل عنده الرؤية، فيصدر أحكاماً فاسدة ،والعقل ليس ملكة معصومة من الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده .


    و إن قيل مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي هو المجتمع الذي يعيش فيه الفرد فالجواب لا يمكن أن يكون المجتمع مصدرا للأخلاق ولا مصدرا للإلزام الأخلاقي إلا إذا اعتبرنا المجتمع مجتمعا مثاليا أضف إلى ذلك أن ليس كل فرد مندمجا في المجتمع فالقيم الأخلاقية تتباين داخل المجتمع الواحد ،و لك أن ترجع إلى التاريخ لترى أن بعض الأفراد من أنبياء ورسل ومصلحين كانوا مصدرا لقيم أخلاقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم .

    و أعراف الناس متغيرة وغير ثابتة إذ تختلف الأعراف باختلاف الزمان والمكان فما كان مألوفا متعارفا عليه في زمان أو مكان قد يكون منكرا ومستهجنا في زمان آخر أو مكان آخر ، والأخلاق تتمتع بالمطلقية والثبات في كل زمان ومكان .

    و اعتبار المجتمع مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي يجعل الأخلاق خاضعة إلى ما تواضع عليه الناس في المجتمع ، وبدلا من أن تُحدث القيم الأخلاقية تحولات في الواقع والمجتمع تصبح الأخلاق مجرّد انعكاس لهذا الواقع وتبريراً له وبالتالي تفقد الأخلاق مطلقيتها و إلزامها و ماذا لو تواضع الناس على جواز الزنا و جواز اللواط وجواز زنا المحارم هل يلتزم الفرد بمثل هذه السلوكيات الفاسدة أم يخالف مجتمعه ؟.

    و إن قيل مصدر الأخلاق و الإلزام الأخلاقي هو المنفعة فالجواب الأخلاق التي تبنى على المنفعة هي الأخلاق النفعية ،و الأخلاق النفعية لا تحمل من الأخلاق إلا اسمها ،واعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يجعل الأخلاق نسبية ومتغيرة ، فيصبح السلوك الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند الذي حقق له منفعة ، وشرا عند الذي لم يتحقق له منفعة وبالتالي لا يوجد خلق حميد و لا خلق رزيل وهذا مخالف للواقع بدليل وجود قيم أخلاقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك كالعدالة و الفضيلة والكرم.



    و اعتبار المنفعة مقياسا للأخلاق يلغي الأخلاق ؛ لأن المبدأ ‏الذي تستند إليه الأخلاق وتحتكم إليه مفقود فالمنافع متعارضة ، وما ينفعني قد لا ينفع غيري مما يؤدي لحدوث التنازع و اصطدام مصالح الناس بعضها ببعض وعموم الفوضى .

    و ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمة الأخلاق ؛ لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز ،والغرائز موجودة في الإنسان و الحيوان معا فيصبح سلوك الإنسان لا يتميز عن سلوك الحيوان .


    و إن قيل مصدر الإلزام الأخلاقي هو القانون فالجواب لا يكفي القانون وحده وازعا لحمل الناس على التحلي بالأخلاق إذ يمكن التحايل عليه ويستطيع الإنسان الإفلات منه و تجاوزه والهروب من العقوبة ،و سلطان القانون على الظاهر لا على الباطن والقانون قد يعاقب المسيء لكنه لا يكافئ المحسن ، و إذا كانت القوانين عاجزةً عن أن تزجر الإنسان عن الشر والفساد بدليل كثرة الشر والفساد ، فهي أشدُّ عجزاً من أن تدفع الإنسان إلى الخير والإصلاح.
    ومن هنا لا يكفي كل من الضمير و العقل و المجتمع و المنفعة و القانون لأن يكون أحدهم مصدرا للإلزام الأخلاقي ، و الاكتفاء بوضع باعث واحد للالتزام أدعى إلى عدم الالتزام .

    و لو جعلنا طرق الإلزام كل هذه الطرق دون الإلزام بوازع الدين فهذا لا يصح أيضا ؛ لأن الضمير متفاوت متغير و العقول قاصرة متفاوتة في إدراك ما ينفعها و المنفعة نسبية فما ينفعني قد لا ينفع غيري و المجتمع متغير و ما هو سائد في هذا المجتمع قد لا يكون سائدا في مجتمعي ،والقانون سلطانه على الظاهر دون الباطن فلابد من مصدر متعالي يهيمن على كل هذه المصادر و يرشدها ويوجهها ويقومها إذا إعوجت.





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    الحاجة إلى الدين في تأسيس الأخلاق و الإلزام بها

    إن القيم الأخلاقية لا معنى لها إذا لم تكن مطلقة وملزمة ، ولا تكون القيم الأخلاقية كذلك إلا إذا استمدت وجودها و إلزاميتها من مصدر متعالي ،وهذا المصدر المتعالي هو الدين [1]، وأمام الدين يصبح الإنسان أمام مرجعية عليا للأخلاق بحيث يستند إليها في تقرير صحة القواعد والمبادئ الأخلاقية من ‏عدمها، و المبادئ التي جاء بها الدين في المجال الأخلاقي ‏مبادئ ثابتة ومطلقة وغير قابلة للتغير والتبدل ، وعزل القيم الأخلاقية عن هذا المصدر المتعالي يؤدي إلى زوال حقيقتها فتصبح خاضعة إما للضمير المتقلب المتغير أو للعقل القاصر المتفاوت أو للمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.


    وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما ،و لم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته .

    و إن حضور الدين في مشاعر الحب والخوف والرضا والغضب والرغبة والكره تنمي في شخصية الإنسان مقاومة الانحراف و الشر ، بينما خلو المشاعر من التدين يؤدي إلى سهولة انحراف الإنسان ، والذي يستشعر أن الله سبحانه هو الحسيب والرقيب يكون من أبعد الناس عن الغش والكذب والظلم ،والذي لا يؤمن بإله خالق حسيب ورقيب يكون من أقرب الناس إلى الغش والكذب والظلم ،و يقول البعض : إذا لم يكن إله ولا دين فليس غريبا ولا مجافيـا للواقع أن تعيث في الأرض فسادا ولو على حساب الآباء والأبناء ،ويقول آخرون : إذا لم يكن لك دين فلا مانع أن تخونك زوجتك ويسرقك خادمك .


    و في المجتمعات غير الملتزمة بالدين يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال المنافية للأخلاق لكن الشخص المتدين حق التدين لا يمكن أن يفعل الأعمال المنافية للأخلاق مثلا لا يقبل أن يتعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت أما ّالشخص غير المتدين فلا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأعمال .

    و ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين : أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله و لكنني لا أقامر أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أسرق أو أن يقول : أنا لا أؤمن بالله و لكنني لا أزني و السبب أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أي فعل من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله .

    وإذا قال شخص ما : أنا ملحد ولكنني لا أزني فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه الزنا أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : إني أحتاج المال فعلي أن أقبل الرشوة هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى.

    وفي حالة غياب الدين ، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة فالإنسان الذين لا دين له يمكن ألا يعتبر - حسب رأيه - أن أخذ المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة.
    و من ناحية أخرى فإن الشخص المتدين لا يظهر مثل هذا العمل ؛ لأنه يخشى الله ويعلم أن الله يعلم سره وعلانيته، فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لملحد أن يقول : أنا ملحد ولكنني أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا ، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول قتل شخص ما أو إيذائه لأن الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف التي يوجد فيها ،وانعدام الوازع الديني عند الملحد يجعله كلما تحركت في نفسه شهوة أو نزوة سارع إلى قضائها .

    أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات ، فأخلاقه غير متقلبة ،و الوازع الديني عنده ومراقبة الله والخوف من ارتكاب الإثم يجعله يتجنب الوقوع في رذائل الأخلاق .














    [1] - نحن نتكلم عن الدين السماوي لا الأديان الوضعية و بالأخص الدين الإسلامي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    نظرات في كلام الملاحدة واللادينين


    قال بعضهم : ( وجدت الأخلاق قبل الدين ،و اخترع الدين لتنظيم المسيرة الأخلاقية فالأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته بل الإنسان إذا وجد بعض القيم الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين ) ،و هذا الكلام غير صحيح إذ مبناه أن الدين جاء بعد فترة زمنية من وجود البشر ،و الدين موجود منذ أن وجدت البشرية ،ولا يوجد على الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين و لا بلا إله معبود حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين ، و إله معبود و كما قال البعض : لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ، و لم توجد جماعة بغير ديانة و ذكر آخرون أن فكرة التدين لم تخل منها أمة من الأمم في القديم و الحديث .

    و لا يضير الدين الحق وجود أديان باطلة فكل هذه أمور طارئة والإنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف عن الدين الحق فإذا لم يهتد الإنسان إلى الله تعالى و إلى الدين الحق فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين ، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولو كان خبيثا ليسد به جوعته .


    والدين ليس اختراعا بشريا بل عطاءا ربانيا من الله للبشر ليهدي البشرية ويوجهها ويرشدها إلى خير الدنيا و الآخرة .

    ولا يختص الدين بتنظيم السلوكيات الأخلاقية بل يختص بتنظيم جميع السلوكيات و جميع أمور الناس إذ يوجد بالدين جميع أنواع التشريعات من تشريعات اجتماعية و تشريعات اقتصادية وتشريعات دولية وتشريعات جنائية وتشريعات أسرية وتشريعات سياسية وغير ذلك من التشريعات فالدين منهج حياة .

    والزعم بأن الأخلاق مستمدة من احتياجات الإنسان و اهتماماته زعم باطل وكلام بلا دليل فأين الحاجة للتضحية و الفداء ؟ وأين الحاجة للكرم والجود ؟ وأين الحاجة للإيثار ؟ وأين الحاجة للعطف على الحيوانات ؟وأين الحاجة للعطف على الفقراء والمساكين والمرضى ؟ وأين الحاجة للتعاطف مع الناس ؟

    والزعم بأن القيم الأخلاقية الموجودة في الدين مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين زعم باطل وكلام عار عن الصحة فكم عارض الدين أخلاقيات المجتمع الذي وجد فيه والدين يصحح أخلاقيات المجتمع فيرفض الأخلاقيات السيئة كالعري و زنا المحارم وزواج المثليين و اللواط و تبرج النساء والظلم والعدوان .


    و قال بعضهم: ( وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ،و انتشار الفساد في البلاد الإسلامية أي يوجد من هو متدين بدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين للأخلاق ) و هذا قول باطل إذ وجود بعض الأخلاق في بلاد لا تدين بدين سماوي ،ووجود بعض الأخلاق في بلاد يكثر فيها الإلحاد ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق بل دليل على وجود دين كانت تدين به هذه البلاد ،و هذه الأخلاق من بقايا آثار هذا الدين .

    وإن كان مصدر الأخلاق هو الدين إلا أن ممارسة الأخلاق قد تستمر مع غياب هذا الدين أو اندثاره فتظل الأخلاق موروثاً دينياً يمتد حتى بعد غياب الدين أو تشوه حقائقه كما تظل بعض التقاليد والعادات تنتقل بين الأجيال برغم تغير الأديان والعقائد والثقافات، فتظل موروثاً ثقافياً مستمراً وإن جهلنا أصله ومنشأه .

    وقولهم يوجد من هو متدين بدين وليس لديه أخلاق ، بينما يوجد من هو لا ديني ولديه أخلاق ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق إذ الأخلاق كمبدأ لا يمكن وجودها بغير دين أما الأخلاق كممارسة أو حالة معينة من السلوك فإنها لا تعتمد مباشرة على التدين [1] .

    والإيمان بالشيء لا يستلزم العمل له و إن كان دافعا على العمل له فالناس تعلم و تتيقن أن النار محرقة و بعضهم يحرق نفسه بالنار و أيضا قد تجد أن الولد الذي يعلم أن فلان أبيه لا يبر هذا الأب و أيضا قد تجد أن الدائن لا يعطي المال للمدين و بعض الناس تعلم أن الزنا يكون سبابا في العديد من الأمراض الجنسية و مع ذلك يرتكبه و بعض الناس تعلم أن من قتل سيعاقب من الحكومة و مع ذلك يقتل .


    واحتج بعضهم : ( أن الدين ثابت و أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين تتغير مع الوقت ) والجواب أن تغير أخلاقيات بعض المنتسبين إلي الدين دليل على ضعف التدين عندهم ، و ليس دليلا على عدم مصدرية الدين للأخلاق ففرق بين العلم بالدين وبين العمل بالدين أو ممارسة الدين فقد لا يعمل الشخص بما علم بسبب هوى في النفس أو شبهة أو مغالطة أو تعلق قلبه بشيء آخر ،وعلى سبيل المثال كثير ممن يدخن يعلم الآثار السيئة للتدخين ومع ذلك يدخن ،ومن يقتل شخصا يعلم أن القتل مجرم دينيا وقانونيا ومع ذلك يقتل .
    و قال بعضهم : ( ليس من الأخلاق قطع يد السارق و رجم الزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا للأخلاق و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ ) و قطع يد السارق و رجم الزاني من الأحكام الدينية ،وليس من الأحكام الأخلاقية فإدخاله في الأخلاق مغالطة وتزييف ، والعقوبة على قدر الجريمة و غلظة العقوبة بسبب غلظة الجريمة ،و هذه العقوبات المغلظة الهدف منها التخويف والردع وهؤلاء الملاحدة نظروا إلى غلظة العقوبة و لم ينظروا إلى شناعة الجريمة وهذا ليس من العدل و الإنصاف في شيء .

    أما قول بعضهم : (و يشترط شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا فلو فعلها الشخص دون علم لأحد أو أمام سيدات لا بأس بذلك ؟ ) فهذا الكلام ينم عن الجهل الشديد بالشريعة الإسلامية و أحكامها فقد اشترط الشرع شهادة أربعة رجالا لتطبيق حد الزنا تغليظاً على من يرمي شخصا بالزنا ؛ لأن شهادة المدعي قد يترتب عليها قتل وعار دائم ،وليس هذا الشرط لجواز الزنا بل لسدّ السبيل على الذين يتهمون الأبرياء ظلماً، وكذلك سدّ السبيل على الذين يريدون إشاعة الفاحشة في المجتمع .

    والإسلام قد حرم الزنا فقد قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الإسراء: الآية 32) ،وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ ( الفرقان : الآية 68 ) ،وقال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ( الأعراف : الآية 33 ) ،ومن المعلوم أن الزنا من أفحش الفواحش وأشد الجرائم ، وأبشع المعاصي ، وأقبح الذنوب.


    و قال البعض : ( ليس الدين مصدر الأخلاق إذ كيف يضبط السلوك الاجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب الأبدي بواسطة كائن فوق الطبيعة ؟ و عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب ،و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء ) و دعواهم أن السلوك الاجتماعي لا يضبط عن طريق التهديد بالعذاب كلام مخالف للواقع فكم من شخص ارتدع عن فعل معصية خوفا من عذاب الله يوم القيامة لكن الناس طبائع شتى منهم من يرتدع بالترهيب و منهم من يرتدع بالترغيب ومنهم من يرتدع بوازع الضمير ومنهم من يرتدع بوازع العقل ومنهم من يرتدع بوازع السلطان ،والدين قد عدد طرق الإلزام لمعرفته بطبيعة النفس البشرية .

    وقول بعضهم :( عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب و أسلوب الترغيب في الأخلاق الحسنة بدخول الجنة والترهيب من الأخلاق السيئة بدخول النار ليس من الأخلاق في شيء ) فيه تشويه للحقائق فالمؤمن يعبد الله و يتخلق بالخلق الحسن طاعة لله المتفضل عليه بالنعم و خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فأين هذا الحال من حال المرتشي والراشي الذي يفعل فعلا مشينا ؟!! والناس تحب و تمدح من يعبد الله خوفا من العذاب وطمعا في الثواب لكنها تذم المرتشي والراشي فأين هذا من هذا ؟

    و الرشوة كل مال دفع لذي جاه عوناً على ما لا يحل أما التخلق بالخلق الحسن خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فهو فعل ما يستحسن أن يفعل – أي التحلي بالخلق الحسن - و يستقبح ألا يفعل - أي عدم التحلي بالخلق الحسن - فأين هذا من هذا ؟ والرشوة يترتب عليها ضياع الحقوق وفساد المجتمعات و العبادة والتخلق بالخلق الحسن طاعة لله وخوفا من العذاب وطمعا في الثواب يترتب عليها سعادة الفرد والمجتمع و صلاح الفرد والمجتمع فأين هذا من هذا ؟


    والملحد يتوهم أن أسلوب الترغيب والترهيب يقلل من الأخلاق ،و كأنه يريد أن يقول أن الأخلاق الحسنة يجب فعلها بصرف النظر عما يترتب عليها من جزاء أو مكافأة و أن الأخلاق السيئة يجب تركها بصرف النظر عما يترتب عليها من عقاب وهذه أخلاق كانط و مثل هذه الأخلاق إن تصلح لفئة خاصة أمثال كانط فإنها لا تصلح لجميع الفئات، والأخلاق الإسلامية جاءت لجميع الفئات مراعية لجميع النفوس ولجميع الفروق الفردية[2].

    ومن طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه ، و يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية ، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان [3] ،وربط الأخلاق بالجزاء أمر ضروري؛ لأنه يزيد قيمة الأخلاق كما تزيد قيمة الشجرة ثمرتها وبذلك اختلفت الأخلاق الإسلامية عن الأخلاق الكانطية التي لا تربط الأخلاق بالجزاء والمكافأة, والأخلاق من غير جزاء ومكافأة جافة لا طعم فيها أو قليلة الفائدة وناقصة القيمة[4] .



    وقال البعض : ( لا يحق لأي دين أن يفرض رؤيته للفضيلة الأخلاقية و الإثم و السلوك الجنسي و الزواج و الطلاق و التحكم في النسل أو الإجهاض أو أن تسن القوانين بحسب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية ) وهذا الكلام فيه إجحاف لحق الخالق فالخالق له الحق أن يشرع لخلقه ما يصلحهم و هو أعلم بمصالح خلقه منهم ،و لو كلّ فرد في المجمتع له الحق في أنْ يفعل ما يريد ويشتهي، ولا يحقّ للدين أنّ يمنعه فإنّ ذلك سيستلزم حدوث الهرج والمرج .


    وقول بعضهم : (والمبادئ الأخلاقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور الأخلاقي و الديموقراطية ) كلام في غاية السخف والسقوط ،و الناس بفطرتهم يحبون الأخلاق الحسنة كالعدل و الكرم والوفاء ، كما ينفِرون بفطرتهم من الأخلاق السيئة كالكذب والغدر والخيانة ،وهل مثل هذه الأمور تحتاج للتشاور ؟ إن من يريد التشاور في معرفة الأخلاق الحسنة و السيئة كمن يريد التشاور في معرفة أن الواحد نصف الاثنين ،وأن النقيضين لا يجتمعان .

    وإن أرادوا التشاور في الإلزام بالأخلاق الحسنة و اجتناب الأخلاق السيئة عن طريق وضع قانون فهذا القانون سلطانه على بعض الظاهر فضلا عن الباطن ،وهذا القانون من الممكن التحايل عليه والإفلات منه والقانون من الصعب أن يطبق على كل الأخلاق .

    والقوانين ليس لها سلطان على النفوس، ولا تقوم على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام، ولهذا فإنَّ النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك، وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة إتباعا لأهوائها وتحقيقًا لرغباتها.

    إنَّ القانون لا يكفي أن يكون صالحًا، بل لا بُدَّ له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس، ويحملهم على الرضى به، والانقياد له عن طواعية واختيار.

    ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام؛ لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وأن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا الإيمان[5].



    [1] - الإسلام بين الشرق والغرب للفيلسوف على عزت ص 193

    [2] - علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن ص 289

    [3] - بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي ص 45

    [4] - علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن ص 288

    [5] - أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان ص 49-50

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    وقال البعض : ( العقل و الإنسانية كفيلان بجعل الإنسان يتخلق بالخلق الحسن ،ومن طبائع الإنسانية و دون حاجة لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الزوجية و العلاقات الممنوعة بين المحارم ، والأخلاق موجودة في الضمير الإنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه ) وهذا الكلام باطل و مخالف للواقع فمن الناس من لا ينفع معه وازع العقل و لا ينفع معه وازع الضمير الإنساني وكم من أناس خالفوا عقولهم وباعوا ضمائرهم بسبب الهوى والشهوة ،ومن الممكن أن ينحرف العقل والضمير عن الحق بسبب بعض المؤثرات ولذلك لابد من موجه ومرشد للعقل والضمير حتى لا يحيدا عن الحق .

    أما قول بعضهم : ( الحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل الإنسان هو شيء خاطئ يصور الإنسان كأنه كائن لا أخلاقي وحشي ) فهذا الكلام ينم عن الجهل الشديد بالدين فالدين لا يعرفنا الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة فقط بل يلزمنا بفعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل و يعرفنا ثواب الخلق الحسن وعقاب الخلق الرذيل و يشجعنا على فعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل وبذلك يكون الدين عونا في إيقاظ الدوافع النبيلة في النفس البشرية و عونا في إخماد دوافع الشر في النفس البشرية .

    ولأن من الناس من يقل عنده الوازع الديني ومنهم من لا يجدي معه وازع الترغيب والترهيب ومنهم من لا يجدي معه وازع العقل ، ومنهم من لا يجدي معه وازع الضمير لذلك نوع الشرع طرق الإلزام فمن لا يجدي معه وازع الدين قد يجدي معه وازع المجتمع الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، و من لا يجدي معه وازع الدين قد يجدي معه وازع السلطان .

    أما قول بعضهم : ( وإذا كان هذا الوحش موجوداً داخل أي إنسان فلن ينفع لا الدين ولا القوانين بالقضاء عليه ) فهذا الكلام مخالف للواقع والتاريخ فكم غير الدين مجتمعات كانت تألف المحرمات وترتكب المحظورات وتفعل الموبقات ،وكم غير بعض المصلحين مجتمعاتهم .

    وقال البعض : ( الافتراض بأنّ الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشرّ يصور الإنسان كأنه شرّيرٌ بالفطرة لذلك لا بدّ من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحّش ) ،وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق إذ من طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه ، و يعد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية ، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان [1] .

    و الجزاءات المترتبة على السلوكيات الأخلاقية تعد من أقوى الحوافز والدوافع القوية إلى الالتزام الدائم بالقيم الأخلاقية ، ذلك أنه بقدر ما يعرف الإنسان قيمة الشيء يلتزم به وبقدر ما يعرف العواقب الوخيمة لسلوكيات سيئة يتجنبها ، وهذا وذلك يدفعانه إلى مزيد من التضحية من أجل التمسك بالقيم في هذه الحياة [2] .

    و الإنسان بطبيعته يتصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف و الطمع, فهو يفعل أمرا طمعا في شيء معين و لا يفعل أمر آخر خوفا من شيء معين ،و على سبيل المثال يعمل الإنسان طلبا للمال ويزيد في عمله ويجد طمعا في الحوافز والترقيات ولا يتأخر عن عمله خوفا من الجزاءات فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟ ،والطالب يذاكر طمعا في النجاح و خوفا من الرسوب فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟،والسائق يلتزم بإشارات المرور خوفا من الغرامة فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟


    وقال البعض : ( القول بأن الأديان مصدر الأخلاق مسألة غير عملية لا تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض الواقع ) وهذا الكلام مخالف للحقائق إذ الدين موجود منذ أن وجدت البشرية ،ولا يوجد على الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين ،و يمثل الاهتمام بالأخلاق قاسماً مشتركاً في جميع الأديان ،ولا توجد ديانة إلا وهي تدعو أتباعها إلى الالتزام بالقيم الأخلاقيّة على اختلاف في التفاصيل .

    ولم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما.


    وقال البعض : ( إن خصصنا الأديان كمصدر للأخلاق لوجود نصوص أخلاقية فعليه سنقول الأديان مصدر القتل لوجود تعاليم ترتبط بالقتل و أنها مصدر الحرب لوجود تعاليم ترتبط بالحرب ) وهذا الكلام تشويه للحقائق فالدين مصدر الأخلاق ؛ لأنه منهج حياة وضعه الله للبشر لسعادة الدارين ،و الدين عقيدة وعمل والدين عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق، والكلام عن الأخلاق الدينية فرع عن الكلام عن الدين فإذا ثبت بالأدلة أن دين معين هو الدين الحق فلابد من الإيمان والانقياد والتسليم لكل ما جاء به هذا الدين من عقائد وعبادات ومعاملات و أخلاق ، و عزل القيم الأخلاقية عن الدين يؤدي إلى زوال حقيقتها فتصبح خاضعة إما للضمير المتقلب المتغير أو للعقل القاصر المتفاوت أو للمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.


    وقال البعض: ( لنفرض أن أمامنا عدة كتب (التوراة، الإنجيل، القرآن، ...) كل منها يزعم أنه الصحيح ويحتوي الأخلاق الصحيحة وفقط هو يمتلك هذه المعرفة. كيف سيكون بإمكاننا معرفة أي منها هو الصادق إذا لم نعرف أصلاً ما تعنيه الأخلاق؟ أي كيف يمكننا أن نقول أن كتاباً معيناً هو الصحيح من وجهة نظر أخلاقية إذا لم تكن لدينا فكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكماً ما أخلاقياً أو لا؟ بأي معيار أستطيع أن أقول أن كتاباً معيناً صادق بحكم أخلاقي ما (أو بكل أحكامه الأخلاقية) بدون أن أعرف ما تعنيه الأخلاق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة الأخلاقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين ما يؤدي إلى أن الكتب الدينية لا يمكنها أن تكون مصدراً للأخلاق ) ،وهذا الكلام سفسطة باطلة إذ الكلام عن الأخلاق الدينية فرع عن الكلام عن الدين فإذا ثبت بالأدلة أن دين معين هو الدين الحق فلابد من الإيمان والانقياد والتسليم لكل ما جاء به هذا الدين من عقائد وعبادات ومعاملات و أخلاق ، و صدق الدين يستلزم صدق التعاليم التي جاء بها والتي من ضمنها التعاليم الأخلاقية ،و صدق الدين يستلزم أن تكون تعاليمه مصدر للعقيدة ومصدر للعبادات ومصدر للمعاملات ومصدر للأخلاق.

    والمعرفة الأخلاقية لا تستقل بنفسها في تأسيس الأخلاق بل تحتاج إلى الدين ،ولا يمكن أن نستغني بها عن الدين إذ القضية ليست مجرد معرفة الحسن والقبح للسلوك الأخلاقي فقط فما فائدة العلم بحسن الصدق مع عدم التحلي به ،وما فائدة العلم بقبح الكذب مع اقترافه وعليه فالمعرفة الأخلاقية لا تؤتي ثمرتها إذ لم يعمل بمقتضها ،وكي تؤتي المعرفة ثمارها لابد أن تكون ملزمة وهذا قدر زائد على المعرفة يتميز به الدين عن المعرفة إذ الأخلاق الدينية ملزمة ،والأخلاق الدينية يترتب عليها ثواب وعقاب أي مرتبطة بالجزاء وربط الأخلاق بالجزاء يزيد قيمة الأخلاق ،و الأخلاق من غير جزاء ومكافأة قليلة الفائدة وناقصة القيمة.

    و الدين يعرفنا الأخلاق المحمودة و يلزمنا بها و يحث على فعلها و يبين ثواب الامتثال بالفعل و يكون عونا في إيقاظ دوافع السلوك الحميد في النفس البشرية ويعرفنا الدين أيضا الأخلاق المذمومة ويلزمنا بتركها ويحثنا على تركها و يبين عقاب عدم الامتثال بالترك ، و يكون عونا في إخماد دوافع السلوك المذموم في النفس البشرية .

    ولم تشهد أمة أو جماعة التزمت القيم الأخلاقية و تقيدت بضوابطها دون الاعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و لا يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا الالتزام إلا الوازع الديني الذي يجعل الإنسان يشعر الإنسان بمراقبة الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلزام للإنسان ،و هو خير ضمان لاستقامة الفرد في حياته وبغير الدين لا يهتم الإنسان بالأخلاق ولا يعيرها اهتماما.


    وقال البعض : ( الدين هو مصدر الأخلاق هي مقولة خاطئة لأنها تؤدي إلى تناقض ذاتي: لنفرض أن إنسان أ1 يتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د1 وأما الإنسان أ2 فيتبع الأخلاق التي يمليها عليه دينه د2. في حال اختلاف الدينين فيما يطالبان به بخصوص حالة معينة (كضرورة أو عدم ضرورة رجم الزانية مثلاِ) فإن هذا يؤدي العمل ذاته سيكون أخلاقياً من منظور الدين الأول وغير أخلاقي من منظور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن يكون ممكناً إذا كان مرجعنا فيما يجب فعله أو الاستنكاف عن عمله هو فقط ما يسوغه دين معين أو غيره ) وهذا الكلام سفسطة فمن المشاهد أن أهل كل مجال معين قد يختلفون في الحكم على شيء معين لكن هذا لا ينفي مصدريتهم في الحكم على هذا الشيء ،وعلى سبيل المثال مريض يشتكي من أعراض مرضية لمرض معين يمكن أن يذهب لخمسة أطباء كل منهم يشخصه غير الآخر بل عكس الآخر هل يمكن أن ننفي مصدرية الأطباء في الحكم على المسائل الطبية بسبب هذا الاختلاف ؟ ،ومثال آخر مسألة قانونية تعرض على عشرة مستشارين كل منهم يحكم فيها غير الآخر بل عكس الآخر هل يمكن أن ننفي مصدرية المستشارين في الحكم على المسائل القانونية بسبب هذا الاختلاف ؟

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
    مراجع المقال :
    أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان
    الإسلام بين الشرق والغرب للفيلسوف على عزت
    التعريفات للجرجاني
    بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي
    دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف
    علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن
    موسوعة الأخلاق لخالد عثمان الخراز



    [1] - بناء المجتمع الإسلامي للدكتور نبيل السمالوطي ص 45

    [2] - علم الأخلاق الإسلامية لمقداد يالجن ص 289

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي

    للتحميل من هنا أو هنا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •