قال الإمام البربهاري : ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة، وما فارقوا فيه فتمسك به فهو صاحب سنة
وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع وأن يعان، وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال إمام أهل السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن حنبل – رحمه الله - :
«
أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات في الدين، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك العقول ولا الأهواء إنما هو الإتباع وترك الهوى، ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها :

فذكر أموراً ثم قال :
والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن وغلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، والغزو ماض مع الإمام إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً ، وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة باقية تامة ركعتين من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم فالسنة بأن يصلي معهم ركعتين وتدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شيء، ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق ...». [شرح الاعتقاد للالكائي (1/160، 161) وهو من رواية عبدوس عن الإمام أحمد]
ثم ذكر بقية الأصول التي من فارقها لم يكن من أهل السنة.
وذكر نحواً من هذا أو قريباً منه الإمام علي بن المديني في عقيدته. [انظر شرح الاعتقاد للالكائي ( 1 / 167، 168)]
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – أيضاً:
« هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق ...».
وذكر أموراً من أصول الاعتقاد، منها قوله:
والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يداً من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه ألبته وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه.
والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على فتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك والله المعين... ».[طبقات الحنابلة (1 / 24 ، 27 )]
وقال الإمام البخاري – رحمه الله - :
«لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر ... وذكر جماعة منهم ثم قال: ما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء ... فذكر أموراً منها:
وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» ، ثم أكد في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الفضيل: " لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. قال ابن المبارك: «يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك» ».
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي :
« سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم ...فذكر أموراً منها: ... ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان. ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يدا من طاعة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة. وأن الجهاد ماض منذ بعث الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء. والحج كذلك، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين... »
وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - :
« واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشارك فيه، فلك نيتك.
وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
قال الفضيل بن عياض : لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.
قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا.
قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد.
فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا، وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين ».
وقال الإمام ابن بطة العكبري:
«ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمي بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئا منه دخل في جملة من عيناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا.
وذكر جملة من هذه الأصول ثم قال:
ثم من بعد ذلك الكف والقعود في الفتنة ولا تخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «إن ظلمك فاصبر وإن حرمك فاصبر».
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: «اصبر وإن كان عبدا حبشيا».
وقد أجمعت العلماء من أهل الفقه والعلم والنساك والعباد والزهاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا: أن صلاة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو والحج والهدي مع كل أمير بر وفاجر، وإعْطَاءَهم الخراج والصدقات والأعشار جائز، والصلاة في المساجد العظام التي بنوها، والمشي على القناطر والجسور التي عقدوها، والبيع والشراء وسائر التجارة والزراعة والصنائع كلها في كل عصر، ومع كل أمير جائز على حكم الكتاب والسنة، لا يضر المحتاط لدينه والمتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ظلم ظالم ولا جور جائر إذا كان ما يأتيه هو على حكم الكتاب والسنة، كما أنه لو باع واشترى في زمن الإمام العادل بيعا يخالف الكتاب والسنة لم ينفعه عدل الإمام. والمحاكمة إلى قضاتهم ورفع الحدود والقصاص وانتزاع الحقوق من أيدي الظلمة بأمرائهم وشرطهم والسمع والطاعة لمن ولوه وإن كان عبدا حبشيا إلا في معصيته الله - عز وجل - النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ثم من بعد ذلك اعتقاد الديانة بالنصيحة للأئمة وسائر الأمة في الدين والدنيا ومحبة الخير لسائر المسلمين، تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك».[الشرح والإبانة (ص 175 -281)]
وقال الإمام أبو إسماعيل الصابوني:
«ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل».[عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص 92،