تعليق التمائم
كلما قوي تعلق القلب بالله كلما قوي توحيده وتوكله على ربه وخوفه منه ورجاؤه منه ، وهكذا يضعف هذا التوحيد إذا كان القلب متعلقا بالجمادات والخرافات التي لا تزيد العبد إلا وهنا وتخبطا في أبواب من الضلال كل ذلك سببه الجهل بأنواع الشرك ومداخله والتساهل في المسائل المتعلقة بتوحيد العبادة.
وإن من الأشياء المضعفة للتوحيد والمغضبة لرب العبيد الموقعة في شراك الشرك: تعليق التمائم واعتقاد أنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا، وسأبين بجول الله وقوته في هذا البحث معنى التمائم وأنواعها وحكم تعليقها وحكم التميمة من القرآن، مؤيدا ذلك بنصوص من القرآن والسنة .
1ـ تعريف التميمة :
التميمة مشتقة من الفعل تم يتم إذا صار تاما كاملا وجاء في لسان العرب:" والتَّمِيمُ: العُوَذ، وَاحِدُتُهَا تَمِيمةٌ، والتَّمِيمةُ: خَرزة رَقْطاء تُنْظَم فِي السَّير ثُمَّ يُعقد فِي العُنق، وَهِيَ التَّمائم والتَّمِيمُ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقِيلَ: هِيَ قِلادة يُجْعَلُ فِيهَا سُيُورٌ وعُوَذ؛ وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: تَمَّمْت المَوْلود علَّقْت عَلَيْهِ التَّمائم. والتَّمِيمةُ: عُوذةٌ تُعَلَّقُ عَلَى الإِنسان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ سلَمة بْنِ الخُرْشُب:
تُعَوَّذُ بالرُّقى مِنْ غَيْرِ خَبْلٍ، ... وتُعْقَد فِي قَلائدها التَّمِيمُ
قَالَ: والتَّمِيمُ جَمْعُ تمِيمةٍ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّمائمُ واحدتُها تَمِيمةٌ، وَهِيَ خَرزات كَانَ الأَعرابُ يعلِّقونها عَلَى أَولادِهم يَنْفون بِهَا النفْس والعَين بزَعْمهم، فأَبطله الإِسلامُ؛ وإِيّاها أَراد الهُذَلي بِقَوْلِهِ:
وإِذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها، ... أَلْفَيْتَ كلَّ تَمِيمة لَا تَنْفَعُ"اهـ بتصرف
ومعنى البيت أن المنية وهي الموت إذا حلت بأحد لم تنفع التمائم .
إذن التميمة عند العرب ما يعلقونه من خرزات لدفع العين ونحوها.
2 ما يدخل في معنى التميمة :
يدخل في التميمة كل ما جعله الانسان معتقدا فيه أنه يدفع العين ونحوها من الآفات مما لم يأت به الأثر ولا له حظ من النظر.
وفي ضمن ذلك :
ـ الخامسة وهي اليد كل ما يجعل على شكل يد ويعلق في مداخل البيوت أو داخلها أو على الصدر أو غير ذلك.
ـ العين حيث تصور وتعلق ويصنع بها ما يصنع بالخامسة
ـ الشوك ويجعله بعض الناس في مؤخرة السيارات يزعمون أنه يدفع العين
ـ غرس شجرة " الهندي" أو ما يسمى عند البعض" كرموص النصارى" إذا نوى بها دفع العين
ـ صفيحة الحصان
ـ الودعة: خرزة ييضاء يلفظها البحر، وهي بفتح الدال وسكونها وبالتاء وتركهاتجعل طوقا في اليد ومنهم من يزين بها أحذية النساء.
ـ ما يجعل على شكل حلقة ولذلك تجد بعضهم يجعل إطار السيارات فوق منزله.
ـ القِدر الأسود.
يلاحظ مما سبق ان هذه الأشياء تشترك في شيء واحد وهو ما يعتقد فيها بأنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا فيلحق بها ما يعتقده الناس في بعض الأشياء من أن حملها واستصحابها يجلب الخير والنجاح وهو ما يسمى بالفرنسية "porte bonheur"
3ـ حكم تعليق التمائم
يختلف حكم تعليق التمائم باختلاف ما يعتقد فيها
فإن اعتقد فيها أنها تنفع بذاتها وتأثيرها وحدها فهذا شرك أكبر لكونه تعد على ربوبية الله جل في علاه
وأما إن اعتقد أن النفع والضر بيد الله ولكن هذه أسباب تنفع وتضر فهذا شرك أصغر ، ووجه كونه شركا أن الله لم يجعل هذه الأشياء سببا لدفع العين ونحوها وهذا الشخص اعتقد فيها ذلك فكان بذلك قد اعتقد فيهل نوع نفع أو نوع ضر بغير إذن منه سبحانه ، و لم يعلم من جهة النظر أو الحس والتجربة نفع مثل هذه الأشياء.
أما من يعلقها بغير اعتقاد جلب نفع أو دفع ضر فيحرم كذلك سدا لذريعة الشرك ومنعا من التشبه بمن وقع في الشرك.
قال الشيخ مبارك الميلي في رسالة الشرك ومظاهره:"ولما في هذا التعليق من اللجوء إلى غير الله في جلب الخير ودفع الضر، بما لم يجعله الله سبباً لذلك، جعله الإِسلام من الشرك والسحر"اهـ
4ـ أدلة تحريم التمائم.
قال تعالى :" {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ}والآية عامة في كل ما يتعلق به من غير الله تعالى.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوَلَةَ شِرْكٌ» أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد وابن حبان والبغوي في " شرح السنة " وهو صحيح.
وعن عقبة بن عامر رصي الله عنه أن رهطاً أقبلوا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَايَعَ تِسْعَةً، وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَايَعْتَ تِسْعَةً وَأَمْسَكْتَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً». فَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً؛ فَقَدْ أَشْرَكَ» رواه: أحمد، والطبراني، ورجال أحمد ثقات، وهو حسن.
قال ابن عبد البر:" التَّمِيمَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقِلَادَةُ هَذَا أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا عُلِّقَ فِي الْأَعْنَاقِ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: التَّمِيمَةُ قِلَادَةٌ فِيهَا عُودٌ قَالَ وَالْوَدْعُ خَرَزٌ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَكَأَنَّ الْمَعْنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً خَشْيَةَ مَا عَسَى أَنْ يَنْزِلَ أَوْ لَا يَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وَعَافِيَتَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً وَهِيَ مِثْلُهَا فِي الْمَعْنَى فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ أَيْ فَلَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَافِيَةِ أَوْ نَحْوِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا كُلُّهُ تَحْذِيرٌ وَمَنْعٌ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَالْقَلَائِدِ يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَقِيهِمْ وَتَصْرِفُ الْبَلَاءَ عَنْهُمْ وَذَلِكَ لَا يَصْرِفُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْمُعَافِي وَالْمُبْتَلِي لَا شَرِيكَ لَهُ فَنَهَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِم ْ" اهـ التمهيد
5ـ التميمة من القرآن
وهي ما يعلق من الآيات والأحاديث لدفع العين ونحوها واختلف فيها السلف من الصحابة فمن بعدهم على قولين قال صاحب فتح المجيد :" اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو ظاهر ما روي عن عائشة. وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية. وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك. وبه قال ابن مسعود وابن عباس. وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم: أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختاره كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه.
قلت: هذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تطهر للمتأمل:
الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم.
والثاني: سد الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث:أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلِق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك". اهـ
هذا ويلحق بما ذكر تعليق الآيات في الجدران أو في السيارات ونحوهما.
إن تحقيق التوحيد لا يكون إلا بتجريد القلب من التعلق بغير الله تعالى حت يقوى ويصلح وتنزع منه أسباب الخوف من المخلوقات فلا يبقى فيه إلا الخوف من رب الأرض والسماوات وبهذا يتكون لنا جيل موحد موقن بربه متكل عليه لا يجد في قاموسه ولا في ذهنياته ما يجعله يلتفت لحلقات أو ودعات صنعتها يده ثم يعتقد فيها النفع والضر ، إن هذا ليذكرنا بحال المشركين يصنعون الصنم بالتمر فيعبدوه فإذا جاعوا أكلوه ظلمات بعضها فوق بعض .
نسأل الله أن يردنا إل ديننا ردا جميلا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما.