----------------- المتن ----------------
ولا شىءَ مثلُه (9)، ولا شىءَ يعجزُه (10)، ولا إلهَ غيرُه (11). قديمٌ بلاَ ابتداءٍ ، دائمٌ بلا انتهاءٍ (12) ، لا يَفنى ولا يَبيد (13)، ولاَ يكونُ إلا ما يريد (14).----------------- الشرح ----------------
(9) اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله . (من شرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى )
ولا شيء مثله:
مأخوذ من قوله تعالى : (ليس كمثله شيء) ، وقوله تعالى: (ولم يكن له كفوا أحد) وقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا) ، أي شبهاء ونظراء.
وقوله تعالى: (هل تعلم له سميا) ، أي : مماثل يساميه سبحانه وتعالى، فالتمثيل والتشبيه منفيان عن الله عز وجل.
لا يشبهه أحد من خلقه، وهذا هو الواجب أن نثبت ما أثبته الله لنفسه ونعتقده ولا نشبهه بأحد من خلقه، ولا نمثله بخلقه سبحانه وتعالى، وهذا فيه رد على المشبهة الذين يعتقدون أن الله مثل خلقه، ولا يفرقون بين الخالق والمخلوق، وهو مذهب باطل.
وفي مقابله مذهب المعطلة؛ الذين غلوا في التنزيه حتى نفوا عن الله ما أثبته من الأسماء والصفات، فرارا من التشبيه بزعمهم.
فكلا الطائفتين غلت، المعطلة غلوا في التنزيه ونفي المماثلة، والمشبهة غلوا في الإثبات، وأهل السنة والجماعة توسطوا؛ فأثبتوا ما أثبته الله لنفسه على ما يليق بجلاله، من غير تشبيه ولا تعطيل على حد قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فقوله: (ليس كمثله شيء) نفي للتشبيه، وقوله: (وهو السميع البصير) نفي للتعطيل، وهذا المذهب الذي يسير عليه أهل السنة والجماعة.
ولهذا يقال: المعطل يعبد عدما، والمشبه يعبد صنما، والموحد يعبد إلها واحدا فردا صمدا.
( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )
مسألة
أن إثبات الصفات لله عز وجل قاعدته مأخوذة من هذه الجملة (ولا شيء مثله).
فإثبات الصفات مأخوذ من قوله سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، فنفى سبحانه وتعالى وأثبت.
وعند أهل السنة والجماعة أن النفي يكون مجملا (لا شيء مثله)، {ليس كمثله شيء}، وأن الإثبات يكون مفصلا {وهو السميع البصير}.
وهذا بخلاف طريقة أهل البدع فإنهم يجعلون الإثبات مجملا، والنفي مفصلا، فيقولون في صفة الله عز وجل إن الله ليس بجسم ولا بشبح ولا بصورة ولا بذي أعضاء ولا بذي جوارح ولا فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال ولا قدام ولا خلف وليس بذي دم ولا هو خارج ولا داخل. إلى آخر تصنيفهم للمنفيات، وإذا أتى الإثبات، إنما أثبتوا مجملا.
فصار نفيهم وإثباتهم على خلاف ما دلت عليه الآية {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فطريقة أهل السنة أن النفي يكون مجملا وأن الإثبات يكون مفصلا على قوله سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
والنفي المجمل فيه مدح، والإثبات المفصل فيه مدح.
والنفي المجمل والإثبات المفصل من فروع معنى استحقاق الله عز وجل للحمد.
والله سبحانه أثبت أنه محمود ومسبح في سماواته وفي أرضه عز وجل ، كما قال سبحانه {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، وكقوله {وله الحمد في السماوات والأرض} ، وكقوله {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون}، {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض}، ونحو ذلك.
والجمع بين التسبيح والحمد هو جمع بين النفي والإثبات؛ لأن التسبيح نفي النقائص عن الله فجاء مجملا، والحمد إثبات الكمالات لله - عز وجل - فجاء مفصلا.
فإثبات الكمالات من فروع حمده ـ، ولهذا صار محمودا عز وجل على كل أسمائه وصفاته، وعلى جميع ما يستحقه سبحانه، وعلى أفعاله عز وجل .
وتنزيهه سبحانه بالنفي - يعني بالتسبيح - أن يكون ثم مماثل له سبحانه وتعالى.
فمعنى (سبحان الله) تنزيها لله عز وجل عن أن يماثله شيء أو عن النقائص جميعا.
والحمد إثبات الكمالات بالتفصيل.
فإذا من نفى مجملا وأثبت مفصلا، فإنه وافق مقتضى التسبيح والحمد الذي قامت عليه السموات والأرض.
ومن نفى مفصلا وأثبت مجملا، فقد نافى طريقة الحمد والتسبيح الذي قامت عليه السماوات والأرض.
لهذا صارت طريقة القرآن أن يكون النفي مجملا والإثبات مفصلا، وطريقة أهل البدع بعكس ذلك. (من شرح صالح آل الشيخ على العقيدة الطحاوية )
(10) ولا شيء يعجزه:
هذا إثبات لكمال قدرته: قال تعالى : (وهو على كل شيء قدير) , وقال تعالى: (وكان الله على كل شيء مقتدرا) ,وقال تعالى : (إنه كان عليما قديرا) .
والقدير معناه: المبالغ في القدرة، فقدرته سبحانه وتعالى لا يعجزها شيء، إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن فيكون.
فهذا فيه إثبات قدرة الله عز وجل، وإثبات شمولها، وعمومها لكل شيء.( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )
مسألة
أن هذه الجملة نأخذ منها قاعدة قعدها أئمة أهل السنة والجماعة وهي أن النفي إذا كان في الكتاب والسنة فإنه لا يراد به حقيقة النفي، وإنما يراد به كمال ضده.
يعني أن كل نفي نفي عن الله - عز وجل -.
أن كل نفي أضيف لله - عز وجل - فنفي عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله في القرآن أو في السنة، فإن المقصود منه إثبات كمال الضد.
لأن النفي المحض ليس بكمال، فقد ينفى عن الشيء الاتصاف بالصفة؛ لأنه ليس بأهل لها، فيقال: فلان ليس بعالم. لأنه ليس أهلا لأن يتصف بذلك، ويقال: فلان ليس بظالم لأنه ليس بقادر أصلا، كما قال الشاعر في وصف قوم يذمهم:قبيلة لا يغدرون بذمة ****** ولا يظلمون الناس حبة خرذل
لأنهم لا يستطيعون أصلا أن يظلموا أو أن يعتدوا لعجزهم عن ذلك؛ لأن العرب كانت تفتخر بأن من لم يظلم يظلم كقول الشاعر وهو زهير:ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ****** ومن لا يظلم الناس يظلم
فتقرر أن النفي المحض ليس بكمال، ولذلك نقرر القاعدة: أن النفي في الكتاب والسنة إنما هو لإثبات كمال الضد.
وأخذنا ذلك من قوله عز وجل {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا}، فصار النفي نفي العجز عنه سبحانه فيه إثبات كمال علمه وقدرته.
وهذا خذه مطردا في مثله قوله - عز وجل - {ولا يؤوده حفظهما}، وفي قوله - عز وجل - في أول آية الكرسي {لا تأخذه سنة ولا نوم له}، لكمال حياته وكمال قيوميته سبحانه، {ولا يؤوده حفظهما} فيه إثبات كمال قدرته عز وجل وكمال قوته، وفي قوله {ولا يظلم ربك أحدا} لكمال عدله سبحانه، وفي قوله {ولم يكن له كفوا أحد} وذلك لكمال اتصافه بصفاته، و في قوله {لم يلد ولم يولد} لكمال استغنائه سبحانه. (من شرح صالح آل الشيخ على العقيدة الطحاوية )
(11) وقوله (ولا إله غيره) هذا منتزع من قول الله - عز وجل - {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (من شرح صالح آل الشيخ على العقيدة الطحاوية )
قوله : ( ولا إله غيره ) .
هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم ، كما تقدم ذكره . وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر ، فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال . ولهذا - والله أعلم - لما قال تعالى : { وإلهكم إله واحد } ، قال بعده : { لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } . فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني : هب أن إلهنا واحد ، فلغيرنا إله غيره ، فقال تعالى : { لا إله إلا هو الرحمن الرحيم }.(من شرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى )
ولا إله غيره :
هذا هو توحيد الألوهية. لا إله، أي : لا معبود بحق غيره .
أما إذا قلت : لا معبود إلا هو؛ أو لا معبود سواه، فهذا باطل؛ لأن المعبودات كثيرة من دون الله عز وجل، فإذا قلت: لا معبود إلا الله، فقد جعلت كل المعبودات هي الله، وهذا مذهب أهل وحدة الوجود، فإذا كان قائل ذلك يعتقد هذا فهو من أصحاب أهل وحدة الوجود، وأما إن كان لا يعتقد هذا، إنما يقوله تقليدا أو سمعه من أحد، فهذا غلط، ويجب عليه تصحيح ذلك. وبعض الناس يستفتح بهذا في الصلاة فيقول: ولا معبود غيرك، والله معبود بحق، وما سواه فإنه معبود بالباطل، قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) ( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )
(12) قول الشيخ: قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، هو معنى اسمه الأول والآخر. (من شرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى )
قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء):
هذا اللفظ لم يرد في أسماء الله الحسنى، كما نبه عليه الشارح رحمه الله وغيره، وإنما ذكره كثير من علماءالكلام، ليثبتوا به وجوده قبل كل شيء، وأسماء الله توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها إلا بالنص من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة، ولا يجوز إثبات شيء منها بالرأي، كما نص على ذلك أئمة السلف الصالح ولفظ القديم لا يدل على المعنى الذي أراده أصحاب الكلام لأنه يقصد به في اللغة العربية المتقدم على غيره وإن كان مسبوقا بالعدم، كما في قوله ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ وإنما يدل على المعنى الحق بالزيادة التي ذكرها المؤلف وهو قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء) ولكن لا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى؛ لعدم ثبوته من جهة النقل، ويغني عنه اسمه سبحانه الأول، كما قال عز وجل ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ﴾. والله ولي التوفيق. (من تعليقات أبن باز على العقيدة الطحاوية )
مسألة
اسم القديم: هذا من الأسماء التي سمى الله - عز وجل - بها المتكلمون.
فإنهم هم الذين أطلقوا هذا الاسم القديم على الرب - عز وجل -، وإلا فالنصوص من الكتاب والسنة ليس فيها هذا الاسم.
وإدراج اسم الله وإدراج القديم في أسماء الله هذا غلط، ولا يجوز، وذلك لأمور.
- الأمر الأول:
إن القاعدة التي يجب اتباعها في الأسماء والصفات ألا يتجاوز فيها القرآن والحديث، ولفظ أو اسم القديم أو الوصف بالقدم لم يأت في الكتاب والسنة، فيكون في إثباته تعد على النص.
- الأمر الثاني:
أن اسم القديم منقسم إلى ما يمدح به، وإلى ما لا يمدح به، فإن أسماء الله - عز وجل - أسماء مدح؛ لأنها أسماء حسنى واسم القديم لا يمدح به؛ لأن الله وصف به العرجون، والقديم هذا قد يكون صفة مدح وقد يكون صفة ذم.
- الأمر الثالث:
أن اسم القديم لا يدعا الله - عز وجل - به، فلا يدعا الله بقول القائل يا قديم أعطني، ويا أيها القديم، أو يا ربي أسألك بأنك القديم أن تعطيني كذا، والأسماء الحسنى يدعى الله - عز وجل - بها فذلك لقوله {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}[الأعراف:، فالأسماء الحسنى يدعى بها؛ يعني تكون وسيلة لتحقيق مراد العبد، ولهذا لم يدخل الوجه في الأسماء، ولم تدخل اليدان في الأسماء، ولا أشباه ذلك، لأن هذه صفات وليست بأسماء، والأسماء هي التي يدعى الله - عز وجل - بها. (من شرح صالح آل الشيخ على العقيدة الطحاوية )
( 13) قوله : ( لا يفنى ولا يبيد ) . إقرار بدوام بقائه سبــحانه وتعالى ، قال عز من قائل : { كل من عليها فان }{ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } (من شرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى )
(14) ولا يكون إلا ما يريد: هذا فيه إثبات القدر وإثبات الإرادة، فلا يكون في ملكه ولا يحصل في خلقه من الحوادث والكائنات إلا ما أراده سبحانه وتعالى بالإرادة الكونية: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ، فكل خير وكل شر فهو بإرادة الله الكونية، فلا يخرج عن إرادته شيء، وهذا فيه رد على القدرية الذين ينفون القدر، ويزعمون أن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه ويوجد فعل نفسه، تعالى الله عما يقولون، وهذا تعجيز لله، وأنه يكون في خلقه ما لا يريده سبحانه وتعالى، فهذا وصف له بالنقص، فجميع ما يكون في الكون من خير وشر فإنه بإرادته، فيخلق الخير لحكمة، ويخلق الشر لحكمة، فهو من جهة خلقه له ليس بشر؛ لأنه لحكمة عظيمة، ولغاية عظيمة، وهي الابتلاء والامتحان، وتمييز الخبيث من الطيب، والجزاء على الأعمال الصالحة، والجزاء على الأعمال السيئة، له الحكمة في ذلك سبحانه وتعالى، لم يخلق ذلك عبثا. ( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )
مسألة
أنه أراد بقوله (ولا يكون إلا ما يريد) أراد بالإرادة هنا المشيئة.
والإرادة؛ إرادة الله - عز وجل - منقسمة إلى:
- إرادة كونية - يعني فيما يحصل في كون الله - عز وجل - وإرادة شرعية.
فأما الإرادة الكونية فكثيرة في النصوص وهي مرادفة للمشيئة، فمشيئة الله هي الإرادة الكونية، فإذا قلنا شاء الله كذا؛ يعني أراده كونا.
أما المشيئة فلا تنقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية؛ بل هي نوع واحد، هو مشيئة في كونه، أما الشرع فإنما يوصف بإرادة شرعية.
وهذا يعني أن الإرادة الكونية التي هي المشيئة هي التي لا يخرج أحد عنها.
فقد يقع الشيء مأذونا من الله - عز وجل -؛ شاءه الله سبحانه وتعالى كونا وقدرا، ولكنه لم يرده شرعا ولم يرده دينا.
فتختلف الإرادتان إذا تعلقت بمعصية العاصي وكفر الكافر.
فمن جهة معصية العاصي وقعت بإرادة الله الكونية لكنها لم تقع بإرادة الله الشرعية، والله سبحانه قال {وما الله يريد ظلما للعباد} وقال سبحانه {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وفي المشيئة قال - عز وجل - {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}وهذا راجع إلى علم الله - عز وجل - فيهم بأنه سبحانه ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن سبحانه وتعالى.
{ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} يعني في علم الله - عز وجل - فيما لم يقع، ولن يقع، لو وقع، ولو شاءه كيف يكون.
فإذا صارت مشيئة الله - عز وجل - هي الإرادة، والإرادة مرتبطة بالعلم وبالحكمة.
وهذا خلاف الإرادة الشرعية فإن الإرادة الشرعية مطلوبة من العبد؛ أمر.
أمر بكذا، ونهى عن كذا، فصار المأمور به والمنهي عنه مرادا له شرعا.
إذا تبين هذا فإذن قولنا (ولا يكون إلا ما يريد) هذا راجع إلى الإرادة الكونية فقط. (من شرح صالح آل الشيخ على العقيدة الطحاوية )