الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم
وبعد
فهذا نقل مُبارك لكلام الشيخ العلامة محمد ابن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله من فتاويه يوضح ضرورة الدعوة إلي التوحيد قبل الدعوة إلي غيره ، وكيف لا وهذه سُنة النبي المُصطفي صلي الله عليه وسلم ، وهذا ما ذكره الشيخ رحمه الله وقرره ، ومن هذا المُنطلق تجد أكثر المُشاركات التي يجب الإهتمام بها هي المُشاركات التي تتبني توضيح عقيدة السلف والرد علي المُخالفين لها والمُجادلين عن المُشركين ، كما هو حال أئمة الدعوة في نجد ، هضموا هذا المنهج وعلموا أن لدعوة التوحيد أعداء من بين أظهرهم وممن يدعي العلم ، فألفوا الرسائل والردود التي بين أيدينا الآن
فنسأل الله أن يرحمهم رحمة لا شقاء بعدها أبدا . ( اللهم آمين )

-----------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
أُوجه خطابي هذا إلى كافة المسلمين من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم نصيحة لهم، وبراءة للذمة، ورجاء أَن ينتبهوا من غفلتهم ويستيقظوا من رقدتهم، ويصير أكبر همهم وجل بحوثهم وعامة كتاباتهم وإرشاداتهم: حول تحقيق معرفة ما هم إليه أَشد شيء ضرورة من بيان حقيقة ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
بل ضرورتهم إلى ذلك أَعظم من ضرورتهم إلى الطعام والشراب، بل أَعظم وأَكبر من ضرورتهم إلى النفس.
فإن المتكلمين من الكتاب والمرشدين وسواهم ممن يلم بجنس هذه الأمور قد اختلفت وجهتهم وافترقت مغازيهم في كتاباتهم وإرشاداتهم، وذلك بحسب اختلاف وافتراق ما يدور في أَفكارهم ويستقر في تصوراتهم ويحسن في أَنظارهم من حيث المهمات والأَهميات، لا فرق في ذلك بين المتكلم والمرشد الديني والمتكلم خلافه.
وأَجد من يتكلم عن الأمور الدينية - أَكثرهم أَو كلهم إلا من شاء الله - لا يكتبون ولا يرشدون إلا في أُمور هي في الحقيقة من الفروع والمكملات، فتجد الكاتب وتجد المرشد لا يتكلم إلا حول فرضية الصلاة مثلا ووجوب فعلها في جماعة أَو الحج، أَو صيام رمضان، أَو الزكاة وأَشباه ذلك.
أَو في أَشياء من المحرمات كالربا والتعدي على الأَنفس والأَموال والأَعراض وغير ذلك من المعاصي والمخالفات، ونعم ما فعلوا، وحسن طريقًا ما سلكوا، ولكنهم كانوا عن أَهم الأَهم في بعد إلى الغاية.
فقد كان خير الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَول بعثته ومبدأ دعوته يبدأُ بالأَهم فالأَهم.
وأَقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سوات من بعثته قبل فرض الصلاة التي هي عمود الإسلام وما بعدها من الأركان، كل ذلك في بيان التوحيد والدعوة إليه، وبيان الشرك وتهجينه والتحذير منه.
وأَول سورة أُنزلت عليه صلى الله عليه وسلم في رسالته سورة: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.
وكان صلى الله عليه وسلم يسلك في الإنذار عن الشرك والدعوة إلى التوحيد شتى الطرق ويسعى في حثه الناس لإبلاغهم ذلك بكل ما يمكنه، حتى إنه مرة صعد على الصفا صلى الله عليه وسلم رافعًا صوته واصباحاه. فلما اجتمعوا إليه قال: (يا أَيها الناس إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد).
فحقيق بالمسلمين ولا سيما العلماء: أن يجعلوا كبير عنايتهم ومزيد اهتمامهم بمعرفة حقيقة ما بعث الله به الرسل من أَولهم إلى آخرهم وخاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أَجمعين وتعليمهم ذلك، والعمل به ظاهرًا وباطنًا، والموالاة والمحبة والتناصح فيه، والتواصي به:
من توحيد الله تبارك وتعالى في ربوبيته وفي ذاته تبارك وتعالى وأَسمائه وصفاته وأَفعاله وفي إلهيته وما يستحق من عبادته وحده لا شريك له.
وأَنه ما في العالم علويه وسفليه من ذات أَو صفة أَو حركة أَو سكون إلا الله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه.
وأَن يوحد سبحانه وتعالى في ذاته وأَسمائه وصفاته وأَفعاله بأَن يؤمن أَنه تعالى واحد أَحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأَنه حي قيوم، على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأَنه تبارك وتعالى سميع بصير، يرضى، ويسخط، ويحِب، وَيُحَب، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة من أَسمائه وصفاته تبارك وتعالى، فنثبت كل ما ورد في الكتاب والسنة من هذا الباب إثباتًا بريئًا من تشبيه المشبهين، كما ننزهه تبارك وتعالى عن جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهًا بريئًا من تعطيل المعطلين.
وأَن يوحد تبارك وتعالى في أُلوهيته بأَن يفرد بجميع أَنواع العبادة، فلا يعبد إلا إياه ولا يدعى أَحد سواه، ولا يسجد إلا له، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يستعان ولا يستغاث إلا به، ولا ينحر ولا ينذر إلا له، ولا يخشى ولا يخاف أَحد سواه، ولا يرجى إلا إياه، حتى يكون سبحانه وتعالى هو المفزع في المهمات، والملجأ في الضرورات، ومحط رحل أَرباب الحاجات في الرغبات والرهبات وفي جميع الحالات، فهذا هو مضمون أَصل الدين وأَساسه المتين شهادة أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأَصله الثاني : شهادة أَن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم نطقًا واعتقادًا وعملاً، وهو طاعته فيما أَمر، وتصديقه في جميع ما أَخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأَن لا يعبد الرب تبارك وتعالى إلا بما شرعه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأَن تقدم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والولد والوالد والناس أَجمعين، وأَن يحكم صلى الله عليه وسلم في القليل والكثير والنقير والقطمير، كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يُؤمِن أَحَدُكمْ حَتَّى يَكوْنَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئتُ بِهِ)).
ومن المهم جدًا : اتصال المسلمين بعضهم ببعض اتصالاً خاصًا، وأَن يتذاكر بعضهم مع بعض في هذه الأصول العظيمة، وأَن يبذلوا جميعًا غاية جهودهم ونهاية قدرهم في البحث الدقيق في تفاصيلها، ويحرصوا كل الحرص في تطبيق اعتقاداتهم ومساعيهم وأَعمالهم عليها، وأَن يتبادلوا النصائح الصادقة فيما بينهم، وأَن يعتصموا بحبل الله جميعًا ولا يتفرقوا، وأَن يكونوا شيئًا واحدًا في العمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، يدًا واحدة في الذب عن حوزة الدين، ومناوأَة أَعدائه من الكفار والمشركين.
فإن الأَخذ بذلك هو سبب السعادة والسيادة والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا أَن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأَن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأَن تناصحوا من ولاه الله أَمركم)).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الرابط