أما عن الخضر، هل هو حي أم لا ؟ هذا مما وقع فيه اختلاف بين العلماء على قولين :
القول الأول : أنه حي ، وهو قول الإمام النووي ؛ حيث قال في تهذيب الأسماء : إنه قول الأكثر ، واختلفوا في حياة الخضر ونبوته ، فقال الأكثرون من العلماء : هو حي موجود بين أظهرنا ، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة .
قلت (أبو البراء) : ورد النووي على حديث ، عن جابر بن عبدالله يقول : سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر : (تسألوني عن الساعة ، وإنما علمُها عند الله ، وأُقسِم باللهِ ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة) . مسلم (2538)
: (بأن الخضر كان على الماء وقتها ، أو هو من العام المخصوص) . شرح مسلم ( 16/135).
وقد تعقَّبه صاحب (عون المعبود) قائلًا : ما قاله النووي من أن حياة الخضر قول الجمهور ليس بصحيح، وقد ردَّ عليه الحافظ ابن حجر في الإصابة - ، فقال : اعتنى بعض المتأخرين بجمع الحكايات المأثورة عن الصالحين وغيرهم من بعد الثلاثمائة فما بغلت العشرين ، مع ما في أسانيد بعضها ممن يضعَّف ؛ لكثرة أغلاطه ، واتهامه بالكذب ؛ كابن عبدالرحمن السلمي ، وأبي الحسن بن جهضم ، وقال السهيلي : قال البخاري وطائفة من أهل الحديث : مات الخضر قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة ، قال : ونصر شيخُنا أبو بكر بن العربي هذا ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (على رأس مائة سنة لا يبقى على الأرض ممن هو عليها أحد) ، يريد مَن كان حيًّا حين هذه المقالة) . عون المعبود (6/368).
القول الثاني : أنه ليس حيًّا ، وهو الراجح ، وهو قول البخاري ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن كثير ، وابن الجوزي ، وأبي بكر بن العربي المالكي ، وابن حجر ، وغيرهم .
واستدلوا بأدلة من القرآن والسنة :
قال - تعالى - : ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34] .
ومن السنة : بحديث جابر بن عبد الله المتقدم ، وهو ما استدل به البخاري على عدم حياة الخضر ، وكذا حديث جابر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : (أمتهوِّكون فيه يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده، لو أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني) . أحمد (15156) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/228) ، وقال الحافظ في الفتح : رجاله موثقون ، إلا أن فيه مجالدًا ضعيف ، وحسنه الألباني في الإرواء لشواهده (6/34) .
قلتُ (أبو البراء) : ووجه الاستدلال : أن هذا الأمر في حق موسى ، فمن باب أولى لو كان الخضر حيًّا ما وسعه إلا أن جاء وتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبتْ هذا في حديث صحيح.
قال ابن القيم :
الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته ، كلها كذب ، ولا يصح في حياته حديث واحد ، وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - فقال : لو كان الخضر حيًّا ، لوجب عليه أن يأتي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويجاهد بين يديه ويتعلم منه ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : (إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، فأين كان الخضر حينئذٍ ؟
وقال ابن الجوزي:
وقد أغرب خلق كثير من المهوسين بأن الخضر حي إلى اليوم ، وردوا أنه التقى بعلي بن أبي طالب وعمر بن عبدالعزيز ، وأن خلقًا كثيرًا من الصالحين رأوه ، وصنف بعض مَن سمع الحديث ولم يعرفه علله كتابًا جمع فيه ذلك ، ولم يسأل عن أسانيد ما نقل ، وانتشر الأمر إلى جماعة من المتصنِّعين بالزهد ، يقولون : رأيناه وكلمناه ؛ فواعجبًا ألهم فيه علامة يعرفونه بها ؟! وهل يجوز لعاقل أن يلقى شخصًا ، فيقول له : أنا الخضر ، فيصدقه ؟
قال الألباني :
قد جمع الحافظ الأحاديث الواردة في الخضر - عليه السلام- وحياته ولقائه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبيَّن عللها في ترجمة الخضر من كتابه (الإصابة) . نقلًا من السلسلة الضعيفة (12/541) ، وانظر كتاب : (جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب) ؛ للشيخ أبي إسحاق الحويني (77 - 83) .
قلت (أبو البراء) : ولابن حجر كتاب مستقل في هذا ، وهو : (الزهر النضر في حياة الخضر) ، وهو مطبوع ، وقد ذكر منه أشياء في الإصابة .