تمايز معنى التراكيب في إطار الرتبة
أراهمني الباطل شيطانا
أرانيهم الباطل شيطانا
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث المعنى في إطار الرتبة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيب:
قال سيدنا عثمان - رضي الله عنه - :أراهمني الباطل شيطانا.
ولم يقـــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــل:أرانيـه الباطل شيطانا.

لأن المعنى سينعكس ،لأن الرائي يتقدم على المرئي بمنزلة المعنى ، والمفعول الأول هو الرائي ،والمفعول الثاني هو المرئي ، بحسب منزلة المعنى ، والرائي يتقدم على المرئي ، لأنه فاعل من جهة المعنى ،أما المرئي فهو مفعول لفظا ومعنى ، ومعنى التركيب الأول:أن الباطل جعلني عندهم شيطانا ، ومعنى التركيب الثاني :أن الباطل جعلهم عندي شيطانا ، فلا يجوز التقديم والتأخير لنفس المعنى ،قال تعالى :" إذ يريكهم الله في منامك قليلا" فتقدم ضمير الرائي على ضمير المرئي ، وذلك بسبب الأهمية المعنوية ، وقوة العلاقة المعنوية مع الفعل ،فالكاف مفعول به وقع عليه فعل الرؤية ،وهوفاعل في نفس الوقت ،لأنه قام بالرؤية ،فهو فاعل في المعنى ومفعول في اللفظ ،أما الضمير "هم "فهوالمفعول لفظا ومعنى ،وهذا مثل قوله تعالى :أنلزمُكموها وأنتم لها كارهون"فقدم ضمير الملزِم على ضمير الملزَم على ضمير الشي الملتزَم به ،وقد قالت امرأة للرسول-صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله "إني نسجت هذي بيدي لأكسوكها ،فقدمت ضمير المعطي على ضمير الآخذ، على ضمير المعطى ،وقال أمية بن خلف لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما أراد أن يشتري منه بلالا:بعتُكَهُ، قدم ضمير البائع على ضمير المشتري على ضمير المشترى،والعرب تقول:أعطانيه ،وأعطانيك ،وأعطاكنى ،وأعطاهوني،فالض مير صاحب الأهمية المعنوية مع الفعل يتقدم على غيره،وقال صلى الله عليه وسلم - في الأرقاء:"إن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم " فالتقديم والتأخير يغير المعنى ، ومثل ذلك قولنا :أعطيت زيدا عمرا ، فإن الآخذ هو زيد والمأخوذ هو عمرو ،ولا يجوز تقديم عمرو على زيد على أنه مفعول ثان مقدم لأن المعنى سيلتبس ، فإن شئت قدمت لمعنى آخر يكون فيه عمرو هو المفعول الأول وزيد هو المفعول الثاني ، والمعنيان مختلفان ،لأن عمرا صار الآخذ وزيد هو المأخوذ ، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس ،وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب.