[بعث الله الرسل لإخلاص توحيده]
فنقول: اعلم أن الله لم يبعث رسله، وينزل كتبه لتعريف خلقه بأنه الخالق لهم، والرازق، ونحو ذلك، فإن هذا يقر به كل مشرك قبل بعثة الرسل: {ولئن سألتَهم مَن خلقهم ليَقُولنَّ اللهُ} [الزخرف: 87]، {ولئن سألتَهم مَن خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} [الزخرف: 9]، {قل مَن يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون} [يونس:31], {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون:84 - 89].
ولهذا تجد كل ما ورد في الكتاب العزيز في شأن خالق الخلق ونحوه في مخاطبة الكفار مُعَنْوَناً باستفهام التقرير: {هل مِن خَالِق غير الله} [فاطر: 3]، {أفي الله شك فاطر السماوات والأرض} [إبراهيم: 10]، {أغيرَ اللهِ أتخذ وليّا فاطِرِ السماوات والأرضِ} [الأنعام:14]، {فأروني ماذا خلق الذين من دونه} [لقمان:11].
بل بعث الله رسله، وأنزل كتبه لإخلاص توحيده، وإفراده بالعبادة {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:59]، {ألا تعبدوا إلا الله} [فصلت:14]، {أن اعبدوا الله واتقوه} [نوح: 3], {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آبآؤنا} [الأعراف 70]، {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [المؤمنون:32]، {فإياي فاعبدون} [العنكبوت:56].
وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله، والنداء، والاستغاثة، والرجاء، واستجلاب الخير، واستدفاع الشر له ومنه لا لغيره ولا من غيره {فلا تدعوا مع الله أحدا} [الجن:18]، {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء} [الرعد:14]، {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [التوبة:51]، {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة:23].
وقد تقرر أن شرك المشركين الذين بعث الله إليهم خاتم رسله لم يكن إلا باعتقادهم أن الأنداد التي اتخذوها تنفعهم وتضرهم وتقربهم إلى الله، وتشفع لهم عنده، مع اعترافهم بأن الله -سبحانه وتعالى- هو خالقها وخالقهم، ورازقها ورازقهم، ومحييها ومحييهم، ومميتها ومميتهم، {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر:3]، {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة:22]، {إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين} [الشعراء:97 - 98]، {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف:106]، {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس:8]. وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك**.
_________________
** صحيح مسلم 1185
الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني- ص336-339