من متشابهات القرآن الكريم
تمايز معنى التراكيب في إطار الرتبة
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث المعنى في إطار الرتبة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيب:

قال تعـــالى:" وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به"
وقال تعالى:" وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم"
وقد جاءت الآية الأولى على الأصل ،حيث تقدم الفاعل على الجار والمجرور بحسب الأهمية المعنوية،أما في الثانية فقد تقدم الجار والمجرور بحسب الأهمية المعنوية على الفاعل "وأما تأخير "به" بعد قوله قلوبكم في الآية الأولى ،فلأنه لما أخر الجار والمجرور في الكلام الأول وهو قوله"وما جعله الله إلا بشرى لكم "وعطف الكلام الثاني عليه وقد وقع فيه جار ومجرور وجب تأخيرها في اختيار الكلام ليكون الثاني كالأول في تقديم ما الكلام أحوج إليه وتأخير ما قد يستغني عنه، فهناك مشاكلة ، ولا يوجد داع لتقديم شبه الجملة ،وأما تقديم "به" في الآية الثانية فلأن الأصل في كل خبر يصدر بفعل أن يكون الفاعل بعده ثم المفعول ثم الجار والمجرور،وقد يقدم المفعول على الفاعل إ ذا كان اللبس واقعا فيه وأُريد إزالته عنه،وفي هذا الموضع إذ لم يعرض في اللفظ من التوفقة ما يوجب إجراء الكلام على الأصل كما كان في سورة أّل عمران،فإن المعتمد بتحقيقه عند المخاطبين إنما هو الإمداد بالملائكة وهو الذي أخبر الله تعالى عنه أنه لم يجعله إلا بشرى فوجب أن يقدم في الكلام الثاني وهو المضمر بعد الباء في قوله تعالى"به"على الفاعل ،فقال تعالى"ولتطمئن به قلوبكم" فتقدم شبه الجملة نحو الفعل بحسب الأهمية المعنوية على الفاعل لينصبَّ الاطمئنان على الإمداد بالملائكة . فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية عند المتكلم في الأصل وفي العدول عن الأصل ،واللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،والإنسان يتحدث تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
=========================
درة التنزيل وغرة التأويل=ص-38 بتصرف