17-07-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ولعل هذا ما يمكن أن يقال عن عبادات اليهود وطقوسهم التي ابتدعوها بعد ما حرفوا كتاب الله التوراة الذي أنزله على موسى عليه السلام, فقد بدت عبادات اليهود وطقوسهم التي يتبعونها بعيدة كل البعد عن حقيقة الوحي الذي أنزل على موسى عليه السلام.


من المعلوم أن العقيدة في أي دين من الأديان هي أساس العبادة والطاعة, فإذا ما فسدت العقيدة أو انحرفت عن مسارها الصحيح لأي سبب من الأسباب, فإن العبادات والطاعات تكون بلا شك فاسدة وباطلة, فإذا أصاب أصل الإيمان انحراف أو فساد, فلا فائدة من طاعة تقام بخلاف ما أمر الله تعالى.
ولعل هذا ما يمكن أن يقال عن عبادات اليهود وطقوسهم التي ابتدعوها بعد ما حرفوا كتاب الله التوراة الذي أنزله على موسى عليه السلام, فقد بدت عبادات اليهود وطقوسهم التي يتبعونها بعيدة كل البعد عن حقيقة الوحي الذي أنزل على موسى عليه السلام.
وفي هذا التقرير سأحاول تسليط الضوء على أهم عبادات اليهود التي يمارسونها منذ قرون من الزمان, وأهم الطقوس التي ابتدعوها من عند أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان.
الصلاة
تعتبر الصلاة واجبة على اليهودي كبديل عن القربان الذي كان يقدم للرب أيام الهيكل, وعلى اليهودي المداومة على الصلاة إلى أن يعاد تشييد الهيكل حسب زعمهم, جاء في (سفر دانيال) أن دانيال كان يصلي ويركع ويشكر الله تعالى ثلاث مرات كل يوم (1)، وأحياناً مرتين كل يوم (2).
وفي كل صلاة تتلى نفس الدعوات والبركات تقريبا, ثم يعقب ذلك قراءة من الأسفار الخمسة – في أيام معينة من الأسبوع – كما تقرأ بعض البركات والدعوات قبل وبعد الصلاة.
وكانت الصلاة مركبة غالباً من النثر ثم من النظم، وتتلى بالغناء في الابتداء، وبالتدريج صار البعض يستعمل الآلات الموسيقية، كما يتضح من سفر المزامير، وكان يخصص مغنون لهذا القصد (3).
تبدأ الصلاة بغسل اليدين فقط، ثم يوضع شال صغير على الكتفين، وفي الصلوات الجماعية يوضع شال كبير حول العنق، ثم يقرأ القارئ مرتديا ثوباً أسود وقبعة على رأسه؛ لأنه يجب تغطية الرأس عندهم في الصلاة، ويعبرون بذلك عن الاحترام لنصوص التوراة.
يتجه اليهود في صلاتهم إلى بيت المقدس, وكانوا في السابق يركعون ويسجدون في صلاتهم، وبعضهم لا زال يصلي كذلك، إلا أن غالبهم اليوم يصلون جلوساً على الكراسي، كما يفعل النصارى, وهم يحرصون على وضع اليدين على الصدر مع حني الرأس قليلاً، كوقوف الخادم أمام سيده؛ لزيادة الاحترام.
تبدأ صلاة السبت عند اليهود في الثامنة والنصف صباحا في المعابد المحافظة وتستمر ثلاث ساعات، بينما قد تبدأ في الساعة الحادية عشرة في المعابد التقليدية وتستمر لساعة واحدة ونصف الساعة فقط.
تبدأ الصلاة بقارئ يقرأ وهو مرتد ثوباً أسود وقبعة على رأسه، ويلف حول عنقه لفافة بيضاء طوية, ويقف أمام المكتب ويبدأ بالحمد لله المنعم، ثم يقرأ التبريك والدعاء ثماني عشرة مرة: "شكراً لله على نعمه وحفظه "إسرائيل", ثم يتلو ذلك الصلوات ومزامير داود.
لا بد في المعابد المحافظة أن يكون ذلك باللغة العبرية، ولكن المعابد التقليدية المتسامحة قد يقرأ جزئين باللغة العبرية وجزئين باللغة المحلية، وبعد قيام ما يسمى "دولة إسرائيل" في فلسطين وعمله على إحياء اللغة العبرية زاد استعمالها.
و"الإسرائيلي" يبدأ صباحه بما يسمونه "شما" أو "السماع", وهي عبارة محفوظة يتلوها كل يهودي كل صباح، وهي عبارة جاءت في سفر التثنية ونصها: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد، فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل قوتك, ولتكن هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك, وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك حين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك". (4)
ثمة اختلافات في طقوس الصلوات بين فرق اليهود كالسفارديم والإشكنازيم، ولكنها قليلة جدًّا، وتنحصر في الأغاني والملحقات، أما أساس الصلاة والبركات فلا اختلاف فيها.
الصلوات الواجبة على اليهودي ثلاث مرات في كل يوم:
1- صلاة الفجر ويسمونها صلاة السحر (شحاريت)
2- صلاة نصف النهار أو القيلولة (منحة)
3- صلاة المساء ويسمونها صلاة الغروب (عربيت)
الصلاة عند اليهود على نوعين : فردية وجماعية
أما الفردية: فهي صلوات ارتجالية من الأفراد تتلى حسب الاحتياجات، ولا علاقة لها بالطقوس والمواعيد والمواسم.
وأما الجماعية: فهي تؤدى باجتماع جملة أشخاص علناً في أمكنة مخصوصة ومواعيد معلومة حسب طقوس مقررة من رؤساء الدين والكهنة.
قد تقرأ في تلك الصلاة نصوص من التوراة في لفائف محفوظة في أماكن مخصصة لذلك، بعدها تطوى تلك اللفائف، وقد تنتهي الصلاة بهذا، وقد يتلوها خطبة قصيرة ونشيد تقليدي ودعوات، ويختم كل ذلك بالتبريك، وبهذا تنتهي الصلاة ويخلو المعبد, وقد يسبق انفضاض المعبد قداس أو تبريك بتوزيع كأس من الخمر ورغيفين مبركين لكل مصل حسب المعتقد اليهودي.
الصيام
الصيام عند اليهود يبتدئ من قبل غروب الشمس إلى بعد غروب الشمس من اليوم اللاحق، ويمتنعون فيه عن الطعام والشراب والجماع، وبعض الأيام يكون صيامهم فيه من شروق الشمس إلى غروبها، ويمتنعون فيه عن الطعام والشراب فقط.
ولليهود أيام عديدة متفرقة يصومونها لمناسبات عدة، منها:
1- صوم يوم الغفران: وهو أهم صوم عندهم، وهو الصوم الوحيد الذي يعزونه إلى الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام .
2- صوم تموز: وهو صيام يوم واحد، وهو في الثامن عشر من شهر تموز اليهودي، ويعتبرونه حداداً على حوادث مختلفة، أهمها: تحطيم ألواح التوراة، إبطال القربان اليومي صباحاً ومساء، إحراق التوراة في أورشليم على يد القائد (إتسويندوموس)، وكذلك يجعلون هذا الصوم ذكرى بداية مهاجمة تيطس الروماني لأورشليم بقصد إبادة اليهود سنة (70) م.
3- صيام التاسع من آب: وهو ذكرى سقوط أورشليم على يد تيطس، وتخريب الهيكل الثاني زمن أدريانوس.
4- صيام (جداليا) لإحياء ذكرى حاكم فلسطين اليهودي الذي قتل بعد خراب الهيكل الأول, والذي يرى اليهود أن نهايته تمثل نهاية استقلالهم وحكمهم الذاتي.
5- صيام يوم العاشر من "طيبيت" (آخر ديسمبر – يناير) وهو اليوم الذي بدأ فيه بختنصر حصار أورشليم.
6- صوم أعضاء "ناطوري كارتا" يوم عيد الاستقلال "إسرائيل" باعتباره يوم حداد عندهم. هي فئة صغيرة من المتدينين المتطرفين اليهود الأشكناز في القدس, التي تقول بأنها تحمي المدينة المقدسة وتناهض الصهيونية ودولة "إسرائيل".
وهناك الكثير من الأيام التي يصومها اليهودي قررها الحاخامات, بالإضافة لأيام أخرى خاصة يصومها اليهودي عند موت أبيه أو الزوجين في ذكرى زواجهما. (5)
الحج
يحج اليهودي ثلاث مرات في العام: في عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد المظال, ولذلك تسمى هذه الأعياد بأعياد الحج, والحج واجب على كل يهودي حسب معتقدهم, جاء في العهد القديم: " ثلاث مرات في السنة يحضر جميع ذكورك أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره في عيد الفطير (الفصح) وعيد الأسابيع وعيد المظال , ولا يحضروا أمام الرب فارغين" (6)
وامتثالا لهذا النص المحرف في العهد القديم يقدم اليهود قربانا مشويا يشوى حيا, وكان اليهود في بادئ الأمر يحجون إلى مكان غير أورشليم يسمى "شيلوه", ولكن حينما فتح داود عليه السلام "أورشليم" أصبحت هي مكان العبادة اليهودية والمكان الذي يحج إليه اليهودي.
توقف الحج بعد تخريب الهيكل عند اليهود, ولكن مع ذلك استمر بعض اليهود في الحج في الأيام المذكورة خاصة في عيد المظال, وقد بعثت فكرة الحج في العصور الوسطى تحت تأثير القرائين, أما الآن فلا يؤدي فريضة الحج سوى المتشددين من اليهود.
من أهم طقوس اليهود: لفيفة التوراة: أي الأسفار الخمسة التي تسرد تاريخ الشعب اليهودي وتحمل رسالة عالمية تشهد بوحدانية الله وتتعلق بالسلوك الأخلاقي, ويحتفظ بلفيفة التوراة في خزانة المعبد اليهودي دائما فيما عدا أوقات التلاوة أمام المصلين, والذي قد يقام في مبنى عادي أو قاعة فخمة أو حتى في ملجأ ضد الغارات, والغرض الطقسي الرئيسي من المعبد هو خزامة الأسفار التي توضع فيها اللفيفة.
ولفيفة التوراة هذه عبارة عن صفحات كبيرة من الرق حيكت معا, قد يبلغ ارتفاعها "80 سم", وقد اهتم اليهود بزينة وشكل هذه اللفيفة من حيث الوشاح الذي يربطها والقماش الذي يلفها ...الخ
لا يمكن وصف ما سبق من هذه الطقوس التي يسميها اليهود عبادات سوى أنها من ابتداع واختراع اليهود, الذين لم يكتفوا بتحريف ما نزل على موسى عليه السلام من وحي "التوراة", بل كان لهم الدور الأبرز في تحريف ما نزل على نبي الله عيسى عليه السلام "الإنجيل", ناهيك عن دورهم البارز في كل فساد في الأرض, قال تعالى: {.... كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} المائدة/64
ـــــــــــــــ ــــــــــ
الفهارس
(1) دانيال 6:10
(2) مزمور 55:17
(3) عزرا21:65
(4) سفر التثنية / الإصحاح السادس
(5) موقع الدرر السنية نقلا عن كتاب : دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية .
(6) تثنية /61-61