09-06-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
فالكتاب الذي بين أيدينا يعد وثيقة مهمة، لمعرفة الكثير عن أصول النصرانية، حيث أرجع المؤلف الكثير من المعتقدات إلى أصولها الوثنية، ليكشف بذلك الفساد الكبير الذي تنطوي عليه هذه المعتقدات، وبعدها عن المصدر الحقيقي وما جاء به المسيح عليه السلام.


الكتاب: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية
تأليف: محمد بن طاهر البيروتي
تحقيق ودراسة: د. محمد عبد الله الشرقاوي
نشر: دار الصحوة، القاهرة
عدد الصفحات: 215صفحة
ــــــــــــــ
مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا هو الأستاذ محمد طاهر بن عبد الوهاب بين سليم البيروتي، باحث، متكلم، من أهل بيروت، تعلم في الجامعة الأمريكية بها، وقد كان المؤلف رحمه الله مشاركا في علوم شتى، وترك آثاراً علمية منها: كتاب الفلك والطبيعيات بالاشتراك مع والده. وكتاب الدر النضير. وكتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية (موضوع القراءة).
ولد المؤلف في بيت علم؛ مما هيأ له تكوينا علميا وثقافيا ممتازا، فجمع بين الثقافة العصرية، واطلع على المعطيات الفكرية للحضارة الغربية في الجامعة الأمريكية وسويسرا، وتعرف بنفسه على مزاعم المنصرين (المبشرين) وعانى من تسلطهم على مؤسسات التعليم والنشر والصحافة، وتابع-عن كثب- جهودهم المكثفة الخطيرة في التلبيس والتشكيك ومحاولة النيل من الإسلام.
وإلى جانب ثقافته العصرية، جمع المؤلف رحمه الله الثقافة الإسلامية الأصلية، وقيض الله له شعورا دينيا عميقا دافعا ومحركا، فانفعل بقضايا أمته الإسلامية والعربية ووضع نفسه وقدراته وملكاته في سبيل الدفاع عنها.
ويعد الكتاب الذي بين أيدينا: (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) أحد أشكال دفاع الكاتب عن الإسلام، وتبصير المخالفين بحقيقة معتقدهم، وما هم عليه من فساد وغيّ وضلال.
ويتخذ كتاب (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) موضوعا أساسيا مركزيا؛ هو إبراز التشابه أو التطابق بين العقائد التي كانت عند الأمم الوثنية السابقة للديانة المسيحية، وما أدخل على المسيحية من عقائد وطقوس وشعائر، أي أن الكتاب يهدف إلى كشف الأصول الوثنية للتحريفات والتلفيقات التي أدخلت في الديانة النصرانية، وشكلت أهم عناصر منظمتها العقائدية والشعائرية.
وعن سبب تأليف الكتاب أشار مؤلفه في مقدمته إلى سببين:
أولهما: كثرة الكتب التي ألفها المبشرون، ومن ينحو نحوهم في اللغة العربية، ضد الدين الإسلامي، ككتاب (الهداية) أربعة مجلدات، وكتاب (الباكورة الشهية)، وكتاب (تنوير الأفهام في مصادر الإسلام)، وكتاب (ميزان الحق) إلى غير ذلك من الكتب المؤلفة لنقض الإسلام باللغة العربية وغير العربية، هذا عدا الرسائل والخطب التي شرعوا في توزيعها بين المسلمين.
والسبب الثاني: هو نصرة الحقيقة، والقيام بواجب الإخوة الإنسانية، لأنه فرض في ديننا دعاء الناس إلى الحق، وواجب علينا أن ندعوهم لمشاركتنا في أحسن شيء عندنا، وهو "ديننا".
وقد جاء هذا الكتاب في ثمانية عشر فصلا كشف فيها المؤلف بالوثائق أو النصوص أن عقيدة التثليث- التي هي أساس الديانة المسيحية المعاصرة ومحورها ومرتكزها- مأخوذة أخذا مباشرا من الوثنيات الشرقية القديمة؛ كما أن عقيدة التثليث قد عرفت طريقها إلى كل الأمم الوثنية شرقية وغربية؛ فوجدت في مصر والهند والصين وبابل، والأمم الغربية القديمة، فقد كان عند أكثر الأمم البائدة الوثنية القديمة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثالوثي؛ أي: أن الإله ذو ثلاثة أقانيم.
ومن العقائد الخطيرة –التي أدخلت على المسيحية- التي ناقشها المؤلف في كتابه عقيدة (الصلب) فداءً عن الخطيئة الأصلية، أو عقيدة صلب (الإله الابن) أو (الإله الكلمة) لخلاص المؤمنين به من آثامهم وخطيئاتهم!! الأصلية التي ورثوها عن أبيهم. فدلل المؤلف على قدم هذه العقيدة وأنها مأخوذة عن اليهود الوثنيين.
كما تحدث المؤلف عن مسألة الظلمة التي حدثت عند موت أحد المخلصين للعالم بين الوثنيين والنصارى، حيث يقول اليهود أنه لما مات كرشنا مخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عن نصف نهار، وأمطرت السماء نارا ورمادا، والأمر نفسه قالت به النصرانية بعد صلب المسيح-بحسب زعم النصارى- حيث جاء في إنجيلهم أنه "من الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة".
وخصص المؤلف الفصل الرابع للمقارنة بين ما جاء في كتب النصارى المقدسة عن تجسد الإله في المسيح، وما جاء في عقائد الوثنيين في هذا الصدد، وجاء ذلك تحت عنوان (ولادة أحد الآلهة الذين قدموا أنفسهم فداء عن الناس "بين الوثنيين والنصارى"). حيث نقل المؤلف ما دلل به على الوثنيين القدماء قالوا بتجسد أحد الآلهة ونزوله وسكنه معهم، وهو القول الذي قالت به النصرانية في المسيح عليه السلام.
ومن الأمور التي ناقشها المؤلف لإثبات التشابه بين عقائد الوثنيين والنصرانية ظهور النجوم عند ولادة أحد الآلهة، حيث جاء في كتب البوذيين المقدسة عندهم أنه قد بشرت السموات بولادة بوذا: نجم ظهر مشرقا في الأفق، والأمر ذاته قال به النصارى، ففي إنجيل متى الإصحاح الثاني العدد الأول والثاني، جاء أنه (لما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من الشرق قد جاؤا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له).
ثم انتقل المؤلف إلى بيان مظهر آخر من مظاهر الوثنية التي أدخلت في الأسفار المقدسة عند المسحيين؛ وهي استدلال بعض الناس على (الطفل الإلهي) وإكرامهم إياه بالهدايا؛ ذكر هذا بشأن (كرشنا) و(بوذا) و(مسرا) مخلص العجم، و(سقراط) و(اسكولابيوس) و(ردمولوس).
وذكر كل من (متى) و(لوقا) وهما الإنجيليان الوحيدان اللذان انفردا بذكر طفولة المسيح، وذكر أن المجوس قدموا (للطفل الإلهي) عيسى عليه السلام هدايا ذهبا ولبنا وتمرا، أما (إنجيل المصريين)- وهو إنجيل لم تعترف به الكنيسة- فيذكر أن الذين جاؤوا لرؤيته- بعد ولادته- وقدموا له الهدايا، كانوا رعاة- مثل الذين فعلوا مع أبناء آلهة الوثنيين تماما- ولم يكونوا مجوسا، وحتى مكان ولادة بعض الآلهة الوثنيين الذين زعم أنهم تجسدوا فظهروا بالناسوت قد نسج فيها المسيحيون على منوال الوثنيين.
وعلى هذا المنوال سار عمل المؤلف في كتابه، ولذلك فالكتاب الذي بين أيدينا يعد وثيقة مهمة، لمعرفة الكثير عن أصول النصرانية، حيث أرجع المؤلف الكثير من المعتقدات إلى أصولها الوثنية، ليكشف بذلك الفساد الكبير الذي تنطوي عليه هذه المعتقدات، وبعدها عن المصدر الحقيقي وما جاء به المسيح عليه السلام.
ويزيد من القيمة العلمية لهذا الكتاب كونه أول كتاب في العربية – قديما وحديثا- يفرده مؤلفه لمعالجة هذه القضية، كما جمع المؤلف بياناته من مراجع وثائقية مهمة لباحثين متخصصين ثقات، ومن ثم فقد أتاح للقارئ العربي-ولأول مرة- الاطلاع على هذا العدد الكبير من المراجع العلمية التي تناولت بالتسجيل والتحليل والموازنة العقائد الوثنية للأمم السابقة للمسيحية في الشرق والغرب.
فنسأل الله أن يجزي مؤلف هذا الكتاب خيرا على ما بذل من جهد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.