حكم دراسة العقيدة:
دراسة العقيدة من حيث الإجمال بحيث يعرف المرء أصول دينه فرض عين على كل مسلم، وذلك لأن الإيمان الذي أوجبه الله على العبد لا يتم إلا بمعرفة أصوله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور : 63] وطاعة الله ورسوله لا تتم إلا بمعرفة المأمور به، وأعظم أمر هو الأمر بالتوحيد وأعظم نهي هو النهي عن الشرك، ولذا قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]. وقد أمرنا الله باتباع الصحابة وقرن الهدى والفلاح بدربهم دون غيره، فقال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُون} [البقرة : 137، 138] وأما من حيث التفصيل الدقيق فدراستها فرض كفاية، بحيث لو قام به من يقدر على إرشاد المسترشدين، وتعليم المقبلين، والرد على الزائغين سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقدر المتخصصون على القيام بما سلف فالفرض لم يتحقق بعد ويلحق الإثم الجميع، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122] فأسقط الله إثم فرض الكفاية بإنذار الباقين. وأما إن ألمت مسألة على غير وجهتها الصحيحة بحيث يمكن أن يدرك شباكُ الباطل المرءَ فوجب عليه حينئذ علم المسألة بالتفصيل درءًا للزيغ، ولهذا قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام : 55]. ومن هذا الباب أيضًا أن من أقام ببلد به بعض البــدع أو بعض الطــوائف الضالة أو الكفرية كالزيدية أو الخوارج أو العلمانية أو المرجئة أو البهائية أو الصوفية، وجب عليه تعلم مايدفع به عن نفسه البدع والكفر ليحفظ إيمانه من الزلل، فيجب عليه من الإيمان المفصَّل مالا يجب على غيره ممن لم يُبْتَلَ بما ابُتِلي به،قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: (فريضة على من وقع فى شئ من أمر دينه أن يسأل عنه حتى يعلمه) أ هـ [الفقيه والمتفقه، 1/ 45، وجامع بيان العلم، 1/ 10]. وقال أبو حامد الغزالى رحمه الله: (فإن كان فى بلد شاع فيه الكلام وتناطق الناس بالبدع فينبغى أن يُصان في أول بلوغه عنها بتلقين الحق، فإنه لو أُلقي إليه الباطلُ لوجبت إزالتُه عن قلبه وربما عَسُر ذلك، كما أنه لو كان هذا المسلم تاجرًا وقد شاع فى البلد معاملة الربا وجب عليه تعلم الحذر من الربا، وهذا هو الحق فى العلم الذي هو فرض عين ومعناه العلم بكيفية العمل الواجب، فمن علم العلم الواجب ووقت وجوبه فقد علم العلم الذى هو فرض عين) [إحياء علوم الدين: جـ 1 صـ 26]. وقال أيضًا: (إن كل عبد في مجارى أحواله فى يومه وليلته لا يخلو من وقائع فى عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر، ويلزمه المبادرة إلي تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبًا) أ هـ [إحياء علوم الدين، 1/27]. وقال النووي: (ثم الذى يجب من ذلك كله مايتوقف أداء الواجب عليه غالبًا دون مايطرأ نادرًا فإن وقع وجب التعلم حينئذ) أ هـ (المجموع، 1/25). وقال أيضًا: (ويجب عليه الاستفتاء إذا نزلت به حادثة، يجب عليه علم حكمها فإن لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه وإن بَعُدت داره، وقد رحل خلائق من السلف فى المسألة الواحدة الليالى والأيام) أ.هـ [المجموع، 1/54]. ومن النوازل النازلة بعموم المسلمين فى جميع البلدان ما ابتلوا به من حكمهم والحكم بينهم بغير شريعة الإسلام، فيجب على جميع المسلمين المكلفين من الذكور والإناث معرفة حكم هذه النازلة لما يترتب على هذا الحكم من واجبات عينية على كل منهم.

جامع الإيمان

تصنيف
عيسى إبراهيم