المحبة لغير المسلم بين الطبيعية والشرعية .. فقهاً ودِلالة وتعاملاً ..


الحب في الله والبغض في الله من أوثق دلائل المولاة والمعادة .. دلَّ على ذلك خطاب الشرع الحكيم ..


ومحبة الهداية للناس مطلب الأنبياء والصالحين والدعاة إلى الله .. لكنَّ الله في إرادته الكونية جعل فريقاً كافراً في السعير ، وفريقاً مؤمناً في جنات النعيم < هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَـا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ > ..
والمحبة الفطرية الطبيعية بين البشر حاصلة لا تُلغى من الوجود ، والحبُّ الفطري يُـضبط جِمَـاحُه وتأثيره بالحب الشرعي الذي أوجب علينا بغضَ الكفر وأهله وأعمالهم المخالفة للشرع ..


وقوله تعالى : < إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ > إخبارٌ عن حب الهداية الطبيعي ، لا عن المحبة الشرعية .. يفسره قوله تعالى : < إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ > وقوله سبحانه : < وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ > ..


والحب في الشرع له نظران :
النظر الأول : شرعي طلبي ، وذلك ببغض الكفر وأهله اعتقاداً وقلباً وعملاً، والابتعاد عن كل عمل منهم يخالف الشرع ..
والنظر الثاني : قدري كوني ، فيكون منه الطبيعي ، وحب هاديتهم ، والحزن لكفرهم وتركهم طريق الهادية ..


والنظر القدري لا يزاحم ويلغي النظر الشرعي ، بل الشرعي الطلبي مقدم ، وبه يكلف العباد ..


فالمحبة الدينيّة لا تجوز للمشرك، ولو كان أقرب الناس ، وهي المنفية في قوله تعالى : < لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ، فالمودة الدينيّة لا تجوز، أما الحب الطبيعي فهذا لا يدخل في الأمور الدينيّة ..


ومن ذلك الحب الطبيعي الذي لا يَـنْـقض الأصل المقرر في بغض المعتقد الفاسد ، وهو : أن خطاب الشرع أباح الزواج من أهل الكتاب ، وهو مخبر بعدل الشريعة ، والحب للزوجة فطري غريزي ، ويفارق الكره للمعتقد الفاسد الذي أمرنا الله ببغض وتركه ..
ثم إن الزوجة : تكون تحت حكم الزوج ، وسلطته ، وهو سبيل تأثير فيها إلى هدايتها إلى الإسلام ..


والموالاة الممنوعة : تكون بمساواة الكافرين بالمؤمنين في التنزيل والحكم ، أو تنزيلهم في منزلة أقرب من أهل الإسلام ، أو التنازل عن شيء من أحكام الإسلام استجلاباً لمودتهم ، وحصول رضاهم ..


وهؤلاء المنحرفون عن الصراط المستقيم : لا يُـلغى وجود التعامل معهم بالحسنى ، ودعوتهم إلى الهداية ، مع بغض كفرهم عقيدةً وقلباً وعملاً .. وذلك الوجود في التعامل معهم له أحكام عَقدية وشرعية ، يلتزمون بها في بلاد الإسلام ؛ فمن خرج منهم عن مطالب الأحكام الشرعية < كالمحاربة > وما شابه ذلك ، كان له ما يناسبه في الحكم والفعل ..


وتلك هي عدالة الإسلام ،ووسطيته في التعامل بين البشر ، من رضي بها من المؤمنين كان من الناجين ، ومن رضي بها من غير المسلمين ؛ عاش مقدراً ، ومحترمــاً بينهم ، وأمره إلى الله عز وجل حكمـاً وقدراً ومآلاً ..

حسن بن محمد الحملي.