الرد على شبهات المشاركة في أعياد الكفار
خباب الحمد | 27/2/1435 هـ
أروي في هذا المقال قصَّة حقيقيَّة حصلت بيني وبين أحد الشباب مِمَّن التقيتهم في مكان طال بنا فيه الانتظار!
وحصل فيه نقاش مطوَّل أخذ أكثر من ساعة في الأخذ والعطاء بيني وبينه.
ووحوار آخر منفصل مع شخص حاورته كِتابة حول قضايا مُتعلِّقة بالموضوع ذاته.
وما ذكرته في الحوار من نقاش معهما؛ دمجته في هذه الورقة العلمية؛ مع شيء مفيد من الزيادات والإفادات العلميَّة التي يحتاجها الباحث عن الحق في هذه المسألة، ومن الله الحول والطول، وهو من وراء القصد.
· كيف بدأ الحوار؟!
كنت جالساً في صالة انتظار؛ لإنجاز مُعاملة خاصَّة..
دخل علينا شاب يافع لطيف، فحدَثنا عن الجو وبرودته، وأنَّه قد يكون اليوم ماطرا...
ابتسمتُ، وقلت له: اللهم سقيا رحمة....
قال: سيكون الجو في (بيت لحم) بعد أيام بارداً ولربما ستكون هنالك أمطار....
خاطبه من هو جالس بجانبي: وهل ستذهب هنالك؟
قال:نعم سأذهب؛ وبالمناسبة فأعياد (المسيحيين) قريبةٌ على الأبواب، وما المشكلة أن أشاركهم في أعيادهم وأقوم بتهنئتهم - يكمل مبتسماً - فهؤلاء إخواننا في الإنسانيَّة والوطنيَّة، ولابد أن نفرح لفرحهم.
قلت: يبدو أنَّك ترغب الذهاب إلى مكان احتفالهم، لكن هل أنت مازح أم جاد ؟
أشعرني بكلامه أنَّه جاد في الذهاب...
فقلت: كيف تريد الذهاب إلى تلك البقعة وأنت تعلم أنَّ النصارى يقومون باحتفلات خاصَّة بأعيادهم وفيها ما فيها من شعائر الشرك والخرافات والمُحرَّمات ما الله به عليم؟!!
فقال: وهل الذهاب للمشاركة في احتفالاتهم حرام؟!
قلت: لقد قرَّر العلماء تحريم الذهاب إليها للمشاركة معهم والاحتفال بأعيادهم، ومن فعله فهو آثم، ومن ذهبَ معتقداً صحَّة دينهم، مُقِرَّاً عبادتهم، وراضياً بشعائرهم فهذا كفر بالله مُخرج عن الملَّة.
قال لي: وما المُشكلة في قيامهم بأعيادهم؟ فطبيعي أن يكون لهم عيد؛ ومثلما نقول في المثل: (كل واحد على دينه الله يعينه!).
قلتُ له: هذه عين الكلمة التي كان يقولها المنحرفون السابقون بقولهم:(المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة)(1)؛ لأنَّ الدين الحق هو دين الإسلام وما سواه من أديان فهي باطلة بشتَّى طُرِقِها وألوانها، ونعتقد أنَّهم كفرة بالله كما أنَّهم يعتقدون ذلك في المسلمين.
· جواب أطروحة : (أننا نشارك نصارى بلادنا المُسالمين في أعيادهم من باب البر بهم)
قال لي: لكنَّ هؤلاء النصارى من بلادنا، فما المانع أن نحتفل معهم ونتشارك همومهم وأفراحهم وأحزانهم؟
قلت له:نصارى بلادنا هم شركاؤنا بالوطن، وجيران بيوتنا، ولهم وجود تاريخي في بلدنا، ونحن وإياهم نتعايش فيما بيننا، وربَّما اختلطت دماء بعضهم فسالت تحت بطش المحتل الصهيوني في فلسطين.
ونحن لا نقبل ظلم اليهودي المحتل لهم بأي نوع من أنواع الظلم، وما داموا لا يُجاهروننا العداوة، فنحن نبر معهم ونقسط إليهم ونتألَّف قلوبهم بالتعامل الحسن، كما قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنَّ الله يحب المقسطين) فلن نظلمهم، ولا نقبل لأحد أن يظلمهم، ولا نرضى أن يُعتدى على كنائسهم ومعابدهم – ما دامت دوراً للعبادة - ، ولو عَلِمنا بذلك لوقفنا بشدَّة أمام من يقصد الاعتداء عليها؛ ولا يعني ذلك أن نتنازل عن ثوابتنا وديننا، وأن نشاركهم في أعيادهم، ونلهو معهم، وندخل كنائسهم في عيدهم، وكأنَّ هذا الأمر عندنا أمر طبيعي!
أمَّا إظهار إعيادهم في شوارع المسلمين؛ فإنَّ الدولة الإسلامية لا تُبيح إظهار أعيادهم و صلبانهم؛ فلقد شرط عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على النصارى أن لا يُظْهِرُوا أعيادَهم في دار الإسلام فكتب في كتابه المشهور حين صالح نصارى من أهل الشام و شَرَطَ عليهم:" وَأَنْ لاَ نُخْرِجَ شعَانِينًا(2)، وَلاَ بَاعُوثًا"(3).
وهذا أمر طبيعي؛ فإن كان النصارى يُحكمون بالحكم الإسلامي؛ فلا يُمنعون من إقامة أعيادهم؛ لكن يُمنعون من إظهارها؛ وهذا مثل المنع من إظهار تناولهم الطعام والشراب في الشوارع وقت صيامنا في شهر رمضان المُبارك.
قال الإمام الشافعي في شروط مصالحة أهل الذمة وكتابتها: "على أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب، ولا تعلنوا بالشرك، ولا تبنوا كنيسة، ولا موضع مجتمع لصلاتكم، ولا تضربوا بناقوس، ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم، ولا في غيره لأحد من المسلمين"(4).
وقال أبو بكر الكاساني الحنفي: "لا يُمكّنون من إظهار صليبهم في عيدهم، لأنه إظهار شعائر الكفر، فلا يمكنون من ذلك في أمصار المسلمين. ولو فعلوا ذلك في كنائسهم، لا يُتعرض لهم. وكذا لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يتعرض لذلك، لأن إظهار الشعائر لم يتحقق. فإن ضربوا به خارجاً منها، لم يمكنوا منه لما فيه من إظهار الشعائر"(5).
وقال الحطاب المالكي: "قال ابن حبيب: يمنع الذميون الساكنون مع المسلمين إظهار الخمر والخنزير، وتكسر إن ظهرنا عليها، ويؤدب السكران منهم. وإن أظهروا صلبهم في أعيادهم واستسقائهم، كُسِرَت وأُدّبوا"(6).
فقال الشاب: هذه الأحكام لم يعد يعمل بها أحد؛ فما فائدة ذِكرها؟!
قلت له: صدقت فأغلب بلاد المسلمين اليوم محكومة بالأحكام العلمانية والقوانين الوضعيَّة التي تجوس خلال ديارنا؛ ولكنَّنا نتحدث عن الأحكام الشرعيَّة التي ينبغي أن نعرفها وألاَّ نتناساها تحت ضغط الواقع!
· جواب أطروحة: (مشاركة النصارى بأعيادهم لا يعني الرضا بعقيدتهم):
قال لي الشاب: لكن ما المشكلة في حضور أعيادهم فنحن لا نرضى عقيدتهم ولا نُقرُّهم عليها؟
قلت له: المسلم يستقي أدلَّته من الوحي المُنزَّل (الكتاب وصحيح السنَّة)، و يسترشد بأقوال الصحابة والتابعين، وإجماع علماء الأمَّة على ذلك.
تابعتُ قائلاً له: نحن لسنا أفضل من رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلَّم، الذي قال تعالى له:(وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).
وقال له:(ثمَّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا).
وقال تعالى: (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل).
فالله تعالى ينهى رسوله أن يتبع سَنَنَ الكفَّار وطرائقهم وأهواءهم؛ فعلينا أن نلتزم ذلك وأن ننتهي عمَّا نهى الله تعالى عنه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلَّم.
وإنَّ من مقاصد شريعة الإسلام: (المفاصلة العقائدية والتمايز الديني)؛ فلا يجوز للمسلم أن يُشارك الكفَّار من النصارى واليهود أو غيرهم في أعيادهم؛ لأنَّ هذا مِمَّا يؤثر على عقيدتك تجاههم، ويجعلك تتقرب إليهم وتتودد وتطلب محبَّتهم، وقد تفعل مثل أفعالهم، وتهديهم الهدايا، وتقيم معهم بأماكنهم التي لا تخلو من إظهار شعائر الكفر بالله وقول الزور على الله تعالى.
ومن شاركهم في ذلك مُقرّاً لهم عباداتهم الباطلة فإنَّه لم يعد مسلماً؛لأنَّ هذه الأعياد قائمة على المعتقدات النصرانية الباطلة؛ ومنها نسبة الولد لله – تعالى الله عمَّا يقولون - فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تعالى:"كَذَّبَنِ ي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا "(7).
ناهيكَ عن وجود المعاصي ومظاهر الفجور، وشرب الخمور، والتبرج والتعري من نسائهم، وكل هذا يجعل المرء المُشارك لهم يتأثَّر قلبياً وسلوكياً بما تراه، فتضعف عقيدته، وينقص إيمانه، فيُخشى حينها من تقليدهم بطقوسهم وأفعالهم .
قال لي الشاب: لكن حضور أعيادهم ليس كحضور صلواتهم وعباداتهم؟
قلت له: هذا غير صحيح، فالعيد عندهم عبادة يتعبَّدون بها، وهو كذلك عادة وتقاليد تواضعوا عليها منذ مئات السنين، وفي هذا يقول الإمام ابن تيمية:(فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه)(8).
ثمَّ قلت لذلك الشاب: لا تنس أنَّ لديهم قناعات في أعيادهم ناجمة عن العبادة أو الاعتقادات الباطلة، كالطعام الذي يأكلونه في ليالي أعيادهم حيث يسمونه " العشاء الربَّاني" فانظر للجانب الاعتقادي الباطل عندهم فيه، حيث يأكلون قطعاً من الخبز مع تناول كأس من الخمر؛ ويعتقدون عند أكلهم لهذا الخبز أنَّه يتحوَّل – بقدرة قادر – إلى لحم المسيح حتَّى وإن كان طعمه خبزاً؛ وأن كأس الخمر تتحول إلى دم المسيح وإن كان مذاقها خمراً؛ وإن كان طائفة البروتستانت من النصارى لا يقولون بتحول الخبز إلى لحم المسيح والخمر إلى دمه؛ لكنَّهم يجعلونه رمزاً وذكرى لصلب المسيح ولما حلَّ به من أذى!(9).
بل يرون أنَّ الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة سيكون سعيد الحظ!
أمَّا "شجرة الكريسمس" فإنَّها تُعَدُّ رمزاً دينياً عندهم؛ فمذ أن يأتي الصباح وتطلع الشمس يجد أولئك القوم هدايا تحت هذه الشجرة؛ وحين يسأل الطفل والده عن هذه الهدايا ومن الذي أتى بها؟ يقول الأب لابنه:أنها منحة من الرب يسوع، أرسلها عن طريق "بابا نويل"، والغريب أن ترى أناساً ينتسبون للإسلام يهدونهم هذه الشجرة بل يصنعونها لهم(10)؟!
ولو أنَّك بحثت عن أصل شجرة الميلاد لوجدت أنَّ أول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون والعبرانيون كرمز للحياة السرمدية، ثم إنّ عبادتها قد شاعت بين الوثنيين الأوربيين وظلوا على احترامها وتقديسها حتى بعد دخولهم في المسيحية، فأصبحوا يضعونها في البيوت ويزينونها كي تطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد(11).
فإذا ذهب شباب المسلمين إليها وإلى أماكن أعيادهم؛ فإلى أي شيء سيذهبون وكل ما هنالك شبهات وشهوات؛ تغضب المسيح عيسى ابن مريم بل تغضب الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى، فأين هؤلاء الشباب عن الخوف من التعرض لغضب الله وهم يتسكَّعون في الشوارع؛ ويقومون بأعمال لا تُحمد!
قال لي الشاب: بالفعل هذا صحيح، فأنا أعرف بعض أصدقائي ذهبوا هنالك معهم وكانوا يقضون الليل بالسكر ومكالمة البنات بل وقع بعضهم في كبائر الذنوب!
قلت له: وكذلك فالأمر لا يقتصر على إطلاق عنان الشهوات والفساد الأخلاقي فحسب، بل إنَّ حضور احتفالاتهم في أعيادهم، سيجلب شيئاً فشيئاً المودة والمحبة لمعتقداتهم الباطلة، خصوصاً أنَّ أغلب شباب المسلمين لا يعلمون عن معتقدات النصارى الكفريَّة إلاَّ النزر اليسير أو لا يعلمون شيئاً؛ فمشاركتهم بأفعالهم ومُخاطبة أنفسهم الأمَّارة بالسوء من جهة أخرى؛ ستؤدي إلى تقليدهم والتشبَّه بهم، لهذا يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وقال اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُل إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ).
قال الإمام الذهبي:(قال العلماء: ومن موالاتهم: التشبُّه بهم، وإظهارُ أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم، فقد أعانهم على إظهارها، وهذا منكرٌ وبدعةٌ في دين الإسلام، ولا يفعلُ ذلك إلا كلُّ قليل الدين والإيمان)(12).
ولذلك فلا يجوز لك الذهاب إلى تلك الأماكن، لأنَّك ستتشبَّه وتقتدي بكثير من أفعالهم، وهذا أمر خطير جداً في مجال العقيدة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :"لَتَتَّبِعُن َ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟! قَالَ: فَمَنْ؟!"(13).
قلت له: لاحظ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم (لتتبعن سنن من قبلكم) أي: طريقة وتقاليد من كان قبلكم، وحينما سأل الصحابة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - هل هم اليهود والنصارى؟ فأجاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بإقرارهم على سؤالهم إياه عن هاتين الملتين المنحرفتين وبالذات !!
و في حديث إسناده قوي يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(14).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث، وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم كما في قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهو نظير قول عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة")(15) ومعنى بنى: سكن.
واصلت حديثي مع الشاب وقلت له: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:(خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)(16) ويقول صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ)( 17)؛ فإذا كانت شريعتنا الإسلامية تأمر بمخالفة المشركين وتنهانا عن موافقتهم في شرائعهم وعاداتهم وعباداتهم، بل في وجوب إعفاء اللحية؛ لكي لا نتشبَّه بهم في حلقها، وحتَّى في عدم صبغهم لها، فإنَّ مخالفتهم في أعيادهم أولى من ذلك وعدم مشاركتهم فيها من أَوْجَهِ أبواب المخالفة للكفَّار.
ولعلَّك تتنبَّه لما سأقوله الآن، وذلك أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يُخالف الكفَّار من اليهود والنصارى في كل شيء، حتَّى إنَّ اليهود قالوا: "ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه"(18).
ثمَّ إنَّ حضور هذه الاحتفالات بأعياد النصارى ستجعل الشاب المسلم المنهزم نفسياً؛ مسروراً بما يراه أمامه، فلن ترى منه سوى الضحك والأنس والابتسامة، وهذا كله يجعلهم مُتمسِّكين بباطلهم، بل لربما بالغوا في جلب من ليسوا على دينهم بشتَّى أنواع الجاذبيَّة؛ فيؤثر ذلك في قلوب الضعفاء من المسلمين.
ثمَّ إنَّنا نعتقد أنَّ ما يشهده حاضر أعيادهم من قبيل الزور، والله تعالى يقول في محكم التنزيل:(والذين لا يشهدون الزور) فسَّر العلماء الزور المقصود به في الآية:(أعياد الكفَّار).
يقول الإمام ابن تيمية:"أعياد المشركين جمعت الشبهة والشهوة والباطل، ولا منفعة فيها في الدين، وما فيها من اللذة العاجلة فعاقبتها إلى ألم؛ فصارت زورًا، وحضورها شهودها "(19).
ويقول الإمام ابن القيم:"واحتج الإمام أحمد بن حنبل على تحريم شهود أعياد النصارى واليهود بهذه الآية وقال: الزور الشعانين وأعيادهم، وعن الضحاك: الزور عيد المشركين، وقال سعيد بن جبير: الشعانين، وقال ابن عباس: الزورُ عيدُ المشركين"(20).
وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في قوله تعالى:{فَاجْتَنِ بُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}:"{الرِّ جْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} من للجنس، أو اجتنبوا منها رجسها وهو عبادتها {قَوْلَ الزُّورِ} الشرك، أو الكذب، أو شهادة الزور، أو أعياد المشركين"(21).
فلذلك لا يجوز شهود هذه الأعياد، ومن اضطر لأن يمر من عندها؛ فليسرع الخُطى دون أن يدقق في أفعالهم فإنَّها لغو؛ والله تعالى يقول:(وإذا مروا باللغو مروا كراما).
وتأمَّل معي ما قد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبان فيهما فقال: (ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)(22).
فلقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أهل المدينة أن يحتفلوا بأعياد المشركين التي كانوا يفعلونها سابقاً، وبيَّن أنَّه لا يجوز ذلك، وأنَّ الله تعالى أبدلهما بهما عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، فكيف نستبدل أعيادنا بأعياد الكفَّار؟ أنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
ولا تنس حديث عائشة رضي الله عنها قالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَار، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْ نِ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا"وفي رواية:"وَفِيهِ جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ"(23).
قال الحافظ الذهبي رحمه الله :"فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يوجب اختصاص كل قومٍ بعيدهم، كما قال الله تعالى:(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)"(24) .
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله - تعالى -شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله - تعالى -قد مَنَّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولاً ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "(25).