قتل المعاني باللواكن***

"صحيح أن الولاء والبراء لا ينبغي أن يكون على حزب أو جماعة، لكن جماعتي تمثل الإسلام بحق، فانتقادها انتقاد للإسلام"

"صحيح أنه يجب التراحم بين المسلمين، لكن هذا المسلم أفكاره ضالة، فلا بد معه من الشدة والحط من قدره لئلا يغتر الناس بباطله"
"صحيح أن الأصل إحسان الظن بالمسلمين، لكن هذا الكاتب يظهر سوء النية وخبث الطوية من كتاباته"
"صحيح أنه يجب إجلال العلماء ومن له سابقة فضل وجهاد، لكن هذا العالم-المجاهد أخطأ خطأ فاحشا، فلا بد من التشنيع عليه في هذا الخطأ ليتعلم الناس أن يدوروا مع الحق لا مع الرجال".

هكذا يكون قتل المعاني باللواكن...":صحيح ولكن"!
وكأننا نريد أن نثبت لأنفسنا ولمن حولنا أننا متمسكون بأصول أهل السنة والجماعة وقواعدهم، فنقدم بمقدمة "صحيح أن"، لكننا في الحقيقة نتبع تعصبنا وهوانا، فنستدرك بــ"ولكن"، فنفرغ القواعد من معناها تماما، وتصبح القاعدة في التطبيق شذوذا والشذوذ قاعدة.

أعلم تماما أن هناك من شط كثيرا تحت شعار التراحم وإحسان الظن وإجلال العلماء، لكن ردنا على التفريط لا ينبغي أن يكون بالإفراط! وإن كان هناك من يخترق الحدود فليس الحل بأن نحجر واسعا...((وكان بين ذلك قواما)).

ليس الحل في أن نتحول إلى "رد فِعلويين"، بحيث تصبح نظرتنا ومواقفنا ردود أفعال على المميِّعين، فنرد على موالاة الكافرين بمعاداة المسلمين، ونرد على حسن الظن في من أظهر سوءا بالشق عن صدور الناس واتهام نواياهم، ونرد على من يقدس الرموز بإسقاطهم لأدنى زلة، أو ما يظهر لنا أنه زلة! بل...((وكان بين ذلك قواما)).

قال ابن تيمية رحمه الله: (إن دين الله تعالى وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: إما إفراط وإما تفريط).

ولنتذكر أننا إن قدسنا قواعد الإسلام نظريا ثم ضربنا بها عرض الحائط عمليا...فلنتذكر أننا بذلك نشابه الطواغيت وحاشيتهم في هذه الجزئية –مع الفرق طبعا- فهم أيضا يقولون: "دين الله حق، ولكن ..."!! ولا أتصور أننا إن لم نُحكم الشريعة بصدق في مشاعرنا ومواقفنا وتعاملنا فإن الله سيجتبينا لنقيم الشريعة في حياة الناس، إلا إن كان من قبيل: ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))! أعاذني الله وإياكم.

أعلم أن هناك من ســـيتصيد في هذا المقال، فيستنتج منه أني أقصد الجماعة الفلانية، فيرد برد ناري لأن انتقادي لجماعته "انتقاد للإسلام"، وبالتالي، فـــ"لا مجال للرحمة مع كاتب هذا المقال"، إذ أنه "يظهر منه سوء النية"، فيجب "إسقاط صاحبه وتحذير الناس منه"...أعلم ذلك سلفا، لكن حسبي أن هناك عقلاء سيقرأونه بإذن الله فلعله يكشف لهم شيئا في نفوسهم فيجعلهم الله ممن ((يستمعون القول فيتبعون أحسنه)).

والسلام عليكم ورحمة الله.

للدكتور إياد قنيبي