كيف لطالب العلم أن يميز الكلاميات التي تخالف صحيح الاعتقاد في كتب أصول الفقه بحيث يسلم من الوقوع فيها وهو لا يشعر ؟ وهل عليه أن يكون متبحرا في العقيدة قبل ذلك ؟-----------الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فمما لا يخفى على طالب علم أصول الفقه أن هذا الفن اشتغل به كثير من علماء الكلام من معتزلة وأشاعرة وماتريدية وغيرهم ، وأدخلوا فيه مسائل كلامية كثيرة ، وقد تبنى كثير من المحققين من أهل السنة الكلام في هذه المسائل وتصحيحها ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ، ويمكن معرفة هذه المسائل وموقف أهل السنة والجماعة منها من خلال الطرق التي سلكها الباحثون في هذا العصر في تمييز هذه المسائل وأهم هذه الطرق ما يلي :
الطريقة الأولى : جمع المسائل المشتركة بين أصول الفقه وعلم العقيدة أو ما يسميه المتكلمون علم الكلام ومن المؤلفات التي عنيت بذلك :
1 – المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين للدكتور محمد العروسي .
2 – مسائل أصول الدين المبحوثة في علم أصول الفقه عرض ونقد على ضوء الكتاب والسنة للدكتور خالد عبد اللطيف محمد نور عبد الله وهو رسالة دكتوراه في مجلدين .
الطريقة الثانية : جمع مسائل أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة فقط وبيان منهجهم في دراسة المسائل الأصولية وتنقية أصول الفقه من المسائل الكلامية ، ومن المؤلفات التي عنيت بذلك :
1 – معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني وهو رسالة دكتوراه في مجلد واحد .
2 – توضيح أصول الفقه على منهج أهل الحديث لزكريا بن غلام قادر الباكستاني .
3 – أصول الفقه عند الصحابة رضي الله عنهم ( معالم في المنهج )
الطريقة الثالثة : تمييز أصول الفقه عند الطوائف الكلامية المخالفة وبيان منهجهم الأصولي في دراسات مستقلة ومن الكتب التي عنيت بذلك :
1 – آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويما للدكتور علي بن سعد الضويحي ( رسالة دكتوراه ) .
2 - أصول الفقه عند الأشاعرة للباحثة نصرة بنت عبد الله الناصر ( رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ).
3 – مدرسة المتكلمين ومنهجهم في دراسة أصول الفقه للدكتور مسعود فلوسي ( رسالة ماجستير )
4 – تطور الفكر الأصولي عند المتكلمين للدكتور أحمد الحسنات .
ويمكن أن يندرج في هذه الطريقة دراسة الشخصيات العلمية لأصوليين متكلمين كالباقلاني والجويني والغزالي والرازي والآمدي وابن الحاجب والبيضاوي والقرافي وابن السبكي والزركشي وغيرهم .
وبعد :
فبالإضافة لما سبق فإن مما يفيد في حماية طالب العلم من الوقوع في الزلل في المسائل الكلامية المذكورة في كتب الأصوليين ما يلي :
1 – العناية ابتداءاً وبشكل كبير بكتب أصول الفقه عند أهل السنة سواء ما ألفوه بأنفسهم أو ما كتب عنهم حول آرائهم الأصولية كالإمام الشافعي والبخاري وابن خزيمة وابن حبان وابن عبد البر والخطيب البغدادي والسمعاني وابن تيمية وابن القيم وابن رجب والسعدي والشنقيطي وغيرهم .
2 – العناية بكتب الأصول التي يقل فيها المسائل الكلامية كالإحكام لابن حزم وشرح اللمع والتبصرة للشيرازي وإحكام الفصول للباجي والعدة لأبي يعلى والتمهيد لأبي الخطاب والموافقات للشاطبي ونحوها .
3 – العناية بدراسة علم العقيدة ليتمكن من قراءة كتب الأصوليين جميعها دون أن يخشى الوقوع في مخالفة العقيدة الصحيحة باتباع ما يذكر فيها من المسائل المخالفة ، ويكون التركيز أكثر على أمهات مسائل العقيدة التي يكثر الكلام فيها في أصول الفقه وينبني عليها مسائل أصولية كمسألة التحسين والتقبيح العقليين ومسألة تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه ومسألة كلام الله فإن هذه المسائل الثلاث من اكثر المسائل التي تذكر في كتب الأصول وينبني عليها مسائل أصولية كثيرة وإذا أتقن طالب العلم مهمات المسائل العقدية المذكورة لن يضره بإذن الله قراءة كتب المتكلمين الأصولية ولا يلزم عندئذ أن يكون متبحراً في علم العقيدة .
ثم إني أختم الجواب بأن ما سبق لا يعني ذم طريقة المتكلمين الأصولية مطلقاً وإنما كان الكلام على المسائل الكلامية المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة وأما طريقتهم في بحث المسائل الأصولية ففيها فوائد كثيرة كالاهتمام بالحدود والمصطلحات ودراسة المسائل دراسة نظرية دقيقة وموسعة وبطريقة جدلية تفتق الذهن وتنمي ملكة النقد والاعتراض والمناقشة بالإضافة لتحريرهم لمحل النزاع وبيان منشأ الخلاف وآثاره .
الدكتور : بدر بن إبراهيم المهوس.