[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذا موضوع خطر على بالي من مدة ، وهو جمع الفروق التي ذكرها العلماء في مسائل العقيدة ، ولا يخفى على اللبيب دقة ، وأهمية هذا الباب من العلم ، فهو من مهمات العلوم ، ولذا عني العلماء به عناية كبيرة ، وأفردت فيه عدة مصنفات جلها في الفقهيات ، وإن كان قد يعرض فيها فروقا غير فقهيه كما فعل القرافي ، وأما باب العقيدة فلا أعرف أنه صنف فيها مصنفا مستقلا .. ـ سوى ما ذكره ابن القيم في كتاب "الروح" ـ .
ولأهمية هذا الباب ، وما يترتب عليه من تجلي كثير من الإشكالات ؛ فسأقوم ـ بإذن الله ـ بنقل ما مر ويمر علي من فروق في كتب أهل العلم ... ومن أحسن من تكلم على فروق العقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، ومن سار على نفس النهج المبارك من بعدهم .
قال ابن القيم في آخر كتاب الروح ص260:
فصل: وهذا باب من الفروق مطول ، ولعل إن ساعد القدر أن نفرد فيه كتابا كبيرا ، وإنما نبهنا بما ذكرنا على أصوله ، واللبيب يكتفي ببعض ذلك ، والدين كله فرق ، وكتاب الله فرقان ، ومحمد صلى الله عليه وسلم فرّق بين الناس ومن اتقى الله جعل له فرقانا (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) وسمى يوم بدر يوم الفرقان ؛ لأنه فرق بين أولياء الله وأعدائه ؛ فالهدى كله فرقان ، والضلال أصله الجمع ، كما جمع المشركون بين عبادة الله وعبادة الأوثان ، ومحبته ومحبة الأوثان ، وبين ما يحبه ويرضاه ، وبين ما قدره وقضاه ؛ فجعلوا الأمر واحد ، واستدلوا بقضائه وقدره على محبته ، ورضاه ، وجمعوا بين الربا والبيع ؛ فقالوا: (إنما البيع مثل الربا) ، وجمعوا بين المذكي والميتة ، وقالوا: (كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله ) ، وجمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام ؛ فقالوا: (هذه المرأة خلقها الله وهذه خلقها ، وهذا الحيوان خلقه ، وهذا خلقه فكيف يحل هذا ويحرم هذا ؟ ) ، وجمعوا بين أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، وجاءت طائفة الاتحادية فطموا الوادي على القرى ، وجمعوا الكل في ذات واحدة وقالوا : هي الله الذي لا إله إلا هو ، وقال صاحب فصوصهم وواضع نصوصهم :واعلم أن الأمر قرآنا لا فرقانا
ما الأمر إلا نسق واحد * ما فيه من مدح ولا ذم
وإنما العادة قد خصصت * والطبع والشراع بالحكم
والمقصود أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان ، فأعظم الناس فرقانا بين المشتبهات أعظم الناس بصيرة ، والتشابه يقع في الأقوال ، والأعمال والأحوال ، والأموال ، والرجال ، وإنما أتى أكثر أهل العلم من المتشابهات في ذلك كله ، ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده يرى في ضوئه حقائق الأمور ، ويميز بين حقها وباطلها وصحيحها ، وسقيمها (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )
[ثم سرد شيئا من ذلك لعلي أنقله لا حقا بإذن الله]