بسم الله وبعد :
تنقسم الصفات إلى ذاتية وفعلية،
ق 1/ فأما الصفات الفعلية : فهي من صفات الله تعالى منذ الأزل، إلا أنها قديمة النوع حديثة الآحاد، بحيث تتعلق بالمشيئة الإلهية، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كصفة الخلق والكلام والرزق والإحياء والإماتة والهداية والغضب والرضا والضحك ونحوها كما قال تعالى : {قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } وقوله {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وقوله {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } وقوله: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله : {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}
ومعنى كون الصفات الفعلية قديمة النوع : أي أنها صفات أزلية في ذات الله تعالى، وإن لم يفعلها في الأزل، فالله تعالى من صفاته الفعلية: الخلق والرزق والإحياء والإماتة... فهي صفات أزلية وإن لم يخلق بعد، ولم يرزق ولم يحي ويميت، وذلك قبل أن يُوجد مخلوقاته كلها كما سيأتي.
ومعنى كونها حادثة الآحاد : فهي أن الله تعالى لما ابتدأ خلق كونه من عدم، صار كل يوم في شأن ، يميت هذا ويخلق هذا ويحيي هذا ويرزق هذا ويمنع هذا ، كما قال تعالى {ويفعل الله ما يشاء}... وقال تعالى : {كل يوم هو في شأن}،
وكذلك صفة الكلام فهي قديمة النوع موجودة في ذات الله تعالى، إلا أن آحادها محدَث، ولا يقال مخلوق، فالله تعالى من صفاته الأزلية الكلام، فهو يتكلم متى شاء وكيف شاء ومع من شاء، ويسكت إذا شاء، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) }[طه]، وقال أيضا: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) }[الأنبياء]، وقال : { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) [الشعراء]، وقد قال الإمام أحمد وغيره من الأئمة : "لم يزل الله عز وجل متكلماً إذا شاء ، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته ، يتكلم بشئ بعد شئ ، كما قال تعالى { فلما أتاها نودي يا موسى } [ طه 11 ] فناداه حين أتاها لم يناده قبل ذلك ".
إلا أن الله تعالى : {ليس كمثله شيء }، ألا ترى أن الإنسان لا يُسمى مخترعا ولا صانعا ولا كذا ... حتى يخترع أو يصنع شيئا، وأما الله تعالى فهو الخالق الرازق المحيي المميت ... ولو قبل أن يُوجد شيئا من مخلوقاته .
بخلاف قول الجهمية الذين يروْن بأن هذه الصفات مخلوقة وحديثة، تشبيها منهم لله تعالى بمخلوقاته، وبالتالي يزعمون بأن الله تعالى لم يكن متصفا بهذه الصفات حتى أوجد هذه الأفعال ثم حدثت فيه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وقد رد عليهم بعض الدهريين بالغلط، فزعموا بأن العالم أيضا قديم النوع لأن صفات الله قديمة النوع، وقد رددت عليهم في مبحث مستقل أسميته:" قصة بدإ الخلق أولا فأولا "
ق2/ وأما الصفا الذاتية : فهي قديمة النوع أيضا ، إلا أنها لا تتعلق بالمشيئة أبدا، لأنها لا تنفك عن ذات الله تعالى ولو طرفة عين أو أقل من ذلك، سواء أكانت :
1- صفات ذاتية معنوية : وذلك كصفة العلم والقدرة والعظمة والجبروت والعزة والحياة والقيومية ... لا يحل أن يقال مثلا: إن شاء الله علم وقدر وحيي وقام، وإن شاء لم يعلم ولم يقدر ولم يحيَ ولم يقم، لأنها لا تنفك عن الذات أبدا، كما قال الله تعالى : {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } وقال أيضا: { قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى }، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل».
2- وكذلك الأمر في الصفات الذاتية الخبرية (أبعاض): كصفة اليد والقدم والعين والبصر والسمع والأصابع ...
فالله تعالى دوما سميع بصير ... وله يدان وعينان وأصابع ... لا تنفك عنه أبدا، بمعنى أنه لا يقال : إن شاء علم وقدر وأبصر وسمع، وإن شاء لم يعلم ولم يقدر ولم يُبصر بل هو عليم قدير بصير أبدا ، وهكذا، وإن لم يوجد شيء من مخلوقاته .
فالله تعالى هو الأول والمبدئ ، كان وحده ولم يكن شيء غيره ولا معه، وهو مع ذلك لم يزل ولا يزال بجميع صفاته سميعا بصيرا حكيما، خلاقا قويا عليما، وإن لم يوجد شئ من مخلوقاته بعد، إذ لا يُقاس الله تعالى بعباده أبدا، فلا يقال: أنه لا يُسمى الصانع صانعا حتى يصنع وهكذا، تعالى الله عن قياس عباده عليه علوا كبيرا، قال الإمام أحمد في رده على الجهمية:" ولا نقول إنه تعالى كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام، ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علما فعلم، ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه القدرة ولا نقول إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورا ولا نقول إنه قد كان لا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة "، وقال الآجري في الشريعة: باب ذكر الإيمان بأن القرآن كلام الله عز وجل وأن كلامه جل وعلا ليس بمخلوق، ثم قال:" لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء، من قال غير هذا فقد كفر"، وذكر هذا الكلام الطحاوي في عقيدته وابن القيم في معرض رده على من قال بالتسلسل وقدم العالم.
قال الطحاوي في عقيدته (34):" ما زال - الله- بصفاته قديما قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئا، لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم ( الخالق ) ولا بإحداثه البرية استفاد اسم ( الباري ) له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ".
وما أروع ما قاله ابن القيم في البدائع (1/162) :" أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى أفعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن أفعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، [وأما] فالرب لم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله، لأنه كامل بذاته وصفاته، فأفعاله صادرة عن كماله، كمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به ".
بل إن الإمام أبا نعيم قال في الحلية (5/346):" فأخبر أنهم – المشركين- عاملون قبل أن يعملوا، وأخبر أنه معذبهم قبل أن يخلقوا،... ثم قال:" ولقد أعظم بالله الجهل من زعم أن العلم كان بعد الخلق، بل لم يزل الله وحده بكل شيء عليما، وعلى كل شيء شهيدا، قبل أن يخلق شيئا، وبعدما خلق، لم ينقص علمه في بدئهم، ولم يزد بعد أعمالهم، ولا بحوائجه التي قطع بها دابر ظلمهم، ولا يملك إبليس هدى نفسه، ولا ضلالة غير".
وهو إجماع من جميع المسلمين، وحتى المشركين، إلا الدهريين والجهمية الملحدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه أبو عيسى زياني