*** بعضُ عبادِ اللهِ ينظرُ إلى الله بعين بشريّة قاصرة نَّاقصة ... بعينِ لا تُدركُ معنى الألوهيَّة ... ، ولا تدرك ما تَعنيه الألوهيَّة من امتلاك ما في السماوات والأرض ... بما يعني الاستغناء عمّا في السماوات والأرض ... ، ولا تُدرك ما تعنيه الألوهيّة من عظمة الوحدانيّة ومحاليّة وجود النظير والشَّبيه والمثيِل والنِّدّ والشَّريك ِ و... و... و...

*** الألوهيَّةُ هي عظمةُ الله وقدرتُه اللامحدودة واستعلاؤه وتنزُّهُه عن أيّ وضعيّة أو صفةٍ لمنْ خلقَ مِن عباده ...


*** الألوهيَّةُ هي القدرةُ على الخلق ... والخالقُ - سبحانه - لهُ الكمالُ المُطلقُ ... أمَّا خلقُهُ ... أمَّا مخلُوقاتُه فَقد خُلِقوا من النّقص والمعاناة والكّبدِ والابتلاء بعوامل التغيير والفناء والعدَم ... الابتلاء بالفزع والطمعِ ... فكانَ التَّناسلُ من لوازم الخلق لتعمير الحياةِ ... وقد حبَّب اللهُ الولدَ إلينا بأنْ جعله سببا من أسباب التباهي والمفاخرة فيما بيننا ... ووجهاً من وجوه متاع الغرور ... وطريقاً لتخليد الذّكر وإشباع حاجة النفس إلى الخلود ... الخلود ذلك الحلم القديم القديم ... قدم ذكرياتِ آدم في الجنّة ...

*** البنونُ من لوازم البشر ... وإنجابُهم خاصيّة بشرية تُشبع طمع البشر في الخلود والحفاظ على الميراث والنسب ... فكيفَ يكونُ لله ولدٌ ... ولماذا يكونُ له الولدُ ؟

***البنونُ ملجأٌ لخوفَ البشر وفزعهم من الموتِ ... فزعهم من الوحدة ... من الضّعف ... فزعهم من افتقاد المؤنس عند الكِبَر ... والاتّكاءة عند العجز ... والمُستند عند المرض ... والمنفق عند الفقر ... والمساندِ المُدافع عند الخطر ... فلماذا يكونُ لله ولدٌ ... وكيف يكونُ لله الولد ...؟!

***كيف يكونُ له الولدُ وهو خالق كلَّ مَا ... وكلَّ مَنْ في السماواتِ والأرض ... فهو - سبحانه - ليس بحاجةٍ إلى مُعينٍ ... كيفَ يكونُ له الولدُ وله مُلْكُ السماواتِ وألأرض ... وهوالأوّلُ والآخرُ ... فهوَ الغنيّ لا يَرِثُ ولا يُورّثُ ...؟! كيف يكونُ لهُ الولدُ وهوَ القويّ شديدُ الطَّولِ شديدُ العقابِ لا يحتاجُ إلى الكثرة المُدافعة المُحامية من البنين كما يحتاجُ البشر إلى نسبٍ يُعضّد ويخيف العدوّ المتربّص ...؟!
*** كيف يكونُ له الولدُ وله - سبحانه - الكبرياءُ والعزّة في السماوات والأرض ... والسماواتُ والأرضُ مطويّاتٌ بيمينه ... فما حاجتُه إلى ولدٍ يُباهي به ... ويباهي به منْ ... ؟! يباهي به منْ وليس له نظير أو شيبهٌ؟! ... ولو كان له أندادٌ - سبحانه - لما كان الوجودُ على هذه الدرجة من الوحدة والتناغم والانسجام الصّادر عن ذاتٍ واحدةٍ ... سبحانه ... إذن كيف يكونُ له الولدُ ... وما حاجتُه إليه سبحانه ...؟
*** هذا هو المنطقُ الإلهي الذي يؤكد به اللهُ وحدانيّته ... وينفي عنه هذا الافتراء العظيم والشركَ الأحمق ... نعم الشّرك الذي امتزج فيه عماءُ القلب وحمقُ العقل ومحدودية الإدراك والفكر
...
*** في سورة الكهف : طرح اللهُ - سبحانه - مسألة نسبة الولد إليه ... وأكَّدَ مُحاليَّةهذا الأمرَ ببراعة إلهيّة مبهرة مُفحِمة مثيرة للرهبة والإجلال لذاته ...
*** بدأت السورة بتوحيدِ الله وإقرار ألوهيّته وإقرار عبوديّة الرسول له - عليه الصلاةُ والسلام - كي لا يُقال إنه ابنُ الله كما قيل في عيسى ابن مريم ...
وتنتهي السورة بإثباتِ بشرية محمد - صلى الله عليه وسلم - وإقرار ألوهية الله وتوحيده ...
*** مبتدأُ السورة وختامُها يشكلان دائرة دلالية أساسيّة لهذه السورة ... هذه الدائرة هي التوحيد والألوهية وإثبات بشرية محمد وعبوديته لله ...
يقول تعالى في أول سورة الكهف :
" الحمدُ للهِ الذي أنْزَل على عبدهِ الكتابَ ولمْ يجعلْ له عِوجاَ " الآية 1)
ويقولُ تعالى في ختامِ السورة الكريمة مخاطباً رسولَه :
" قُلْ إنّما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحى إليّ أنَّما إلهُكُم واحدٌ فَمَنْ كانَ يرجو لقاءَ ربِّه فَلْيَعْملْ عملاً صالِحا ولا يُشرك بعبادةِ ربِّه شيئاً " الآية 110)
*** وما بين مبتدأِ سورة الكهف ومنتهاها يخاطبُ اللهُ العقلَ البشريّ مقنعا إياه بعدم جواز نسبة الولد إليه وذلك بتأكيد أن الولد نقص بشريٌ تعالى اللهُ عليه ... , ولنتأمل في إدارة الله لهذه القضية :
1 - أولُ ما يُجيبُ به اللهُ على أصحاب هذا الافتراء أن يذكّرهم أنهم بشرٌ مولودون من آباءٍ وأنّهم وآباؤُهم نسبٌ ممتدٌ موغلٌ في الجهل والكفر ... يقولُ سبحانه :
" وينذرَ الذين قالُوا اتّخذَ اللهُ ولداَ 4 ) ما لَهُم بهِ منْ علمٍ ولا لآبائِهم كَبُرَتْ كلمةً تخرجُ منْ أفواهِهم إنْ يقولُونَ إلاَّ كذِبا 5 )
هكذا يذكرهم اللهُ ببشريتهم وبأنهم أبناءٌ من أصلابِ آباءٍ وأنهم دليلٌ على نقص البشر فقد ورثوا عن آبائهم الجهل بماهية الله ، وقالوا في الله ما قالَ آباؤهم ... فكيفَ يكونُ لله ولدٌ وهذا هو حالُ الوالدِ وحالُ الولدِ في البشر ؟!
2 - يؤكدُ - سبحانه -من خلال قصة صاحب الجنّتين أنّ الولد منقصةٌ بشرية لأنه وسيلة للمباهاة والفخار ، بما قد يوصلُ إلى الاغترار بالحياة الدنيا ، ومن ثم الكفر بالله ... هكذا كان حالُ صاحب الجنّتين الذي فاخَر صاحبه المؤمن بأنّه أكثرُ منه مالاً وأعزُّ نفراَ فكان بنوه مدخله إلى الشرك بالله ... يسوق اللهُ على لسان الصاحب المؤمن قوله :
" ولولا إذْ دخلتَ جنَّتَك قلتَ مَا شاءَ اللهُ لا قوّةَ إلاَّ باللهِ إنْ تَرني أنا أقلَّ منكَ مالاً وولَدا " 39) ...
الولدُ فتنةٌ وبابٌ للابتلاء ومظنّةٌ للكفر ونقيصةٌ نفسٍ بشريّة تحتاج إلى الزهو والاستعلاء فكيف يكونُ لله ولدٌ ... كيف ...؟
3 - الولدُ فتنةٌ أخرى وابتلاءٌ من نوعٍ آخر في قصة أخرى يعرضها اللهُ في هذه السورة من خلال الغلام الذي قتله العبدُ الصالح المصاحبُ لموسى عليه السلام ... قتله بأمر من الله ... لحكمةٍ أرادها اللهُ وبيّنها في قوله على لسانِ العبد الصالح :
" وأمَّا الغلامُ فكانَ أبواهُ مؤمنين فخشينا أنْ يُرهقْهُما طغياناً وكفراَ " 80) فأردنا أنْ يُبدِلْهُما ربُّهُما خيراً منهُ زكاةً وأقربَ رُحما 81) ...
الولدُ الطّاغي قتنةٌ لأبوين مؤمنين ... الولدُ نقصٌ ومكابدةٌ ...فيه قابليّة الصلاح والفساد ... وهو خاضع لسنن البشر أي الموت والحياة وهي بيد اله ... ؛ فاللهُ هو الذي يرزق عباده بالولد ... واللهُ هو الذي يقبض روح هذا الولد ... فكيف يكونُ لله ولدٌ ...؟
4 - الولد مجلَبةٌ للضعف والإشفاق ... هذا المعنى يهديه سبحانه إلى عقولنا من خلال قصة الغلامين اليتيمين اللذين احتاجا إلى تدخّل رعاية الله لتحفظ كنزهما المدّخر أسفل الجدار بالقرية ... ، فأمر اللهُ عبدَه الصالح بترميم هذا الجدار وإقامته على وجهه حفظا لكنزهما رحمة من الله وعونا لهما ... الولدُ ضعيف إذن يحتاج إلى الرعاية والكفالة الإلهية فكيف يكون لله الولدُ ... ؟
5 - نسبَ اللهُ - سبحانه - لنبيّه موسى - عليه السلام- فتى يتبعُه - في هذه السورة - والفتى في لغة العرب هو الخادم الصغير هو الغلام التّابعُ ... لإابرز حاجة بشريّة أخرى للولد هي الخدمة والمعاونة على الأمر بما لا يحتالجُ إليه الله ... فلماذا يكونُ لله الولد ؟!

## الولدُ في البشر دليلُ ضعفهم ونقيصتُهم ... هو ضعفٌ ووجيعةٌ ونقصٌ في كلِّ صوره ونماذجه في الحياة الإنسانية والتي عرضها الله من خلال ما ساقَ من أمثلة :

هو نقيصةٌ وضعفٌ في حالِ كفره وفسادِه ، وحالِ يُتمِه ، وحال موتِه ... ، وحالِ كونه حاجةً ضروريّة للزهو الفخر والمباهاة ...، أو الاحتياج إليه للاستناد عليه ...
وقد جمعَ اللهُ هذه المعاني في باقةٍ واحدة ... في حزمةٍ تعبيرية معجزة مبهرة ... هي وصف الولد - والمال معا - بانّه زينة الحياةِ الدنيا ... مع التنبيه إلى أنّ هذه الزينة عابرةٌ هشّة فانية ... ووضعها في مقابل ... مقابل ماذا ؟ مقابلَ الباقياتِ الصّالحات... يقولُ سبحانه - في السورة ذاتها - :
" المالُ والبنون زينةُ الحياةِ الدُّنيا والباقياتُ الصَّالحاتُ خيرٌ عند ربِّك ثواباً وخيرٌ أمَلاَ " 46 ) ...


هكذا يلفتُ اللهُ عقولَ عبادِه وأفئدتهم إلى عابريّة المال والبنين ويؤكد أنهما زينةُ الحياة الدنيا ... والحياةُ الدنيا مسرحٌ خلقه اللهُ للبشر ... فكيف يكونُ للهِ الولدُ وهو هبةٌ من الله لعباده ، وهو من لوازم الحياة الدنيا التي هي محلّ للبشر خلقه اللهُ لهم كما خلق الموت ... وهو سبحانه الحيّ القيّوم فما حاجتُه إلى شئ من لوازم الدنيا وهو خالقُ الحياة الدنيا وما حاجتُه إلى الزينة العابرة في الحياة الدنيا وعلى رأسها البنون ؟ كيف يكونُ لله الولد ...؟

### لقد عرض لنا اللهُ سبحانه في هذه السورة الكريمة أمثلة من عباده الكرام الذين تعهّدهم بالحنوّ الأهي والمساندة العظيمة المعجزة ، التربية القلبية الإيمانية المبهرة ... ومن هؤلاء : فتيةُ الكهف ، والعبدُ الصالح الذي صاحبَ موسى في رحلته ، والرجل المؤمن في قصة صاحب الجنّتين ، و" ذو القرنين " ... فضلا عن الأنبياء : محمد عليه أفضلُ الصلاة والسلام ، وموسى عليه السلام ... وكأنَّ الله سبحانَه يعرضُ قدرته على رعاية عباده والحدبِ عليهم وإضاءة الطريق لهم في الوصول إليه ليثبتَ - سبحانه - أنّ خلقه همُ الذين يحتاجونَ إليه ويحتاجون نصرته ... أمّا هو سبحانه فلا حاجة له بأحدٍ منْ خلقِه ... ولا أربَ له فيهم ولا مأربٌ ...


## أثبتَ سبحانه بخطابِ الحكمة والاستدلال الموجّه إلى العقل البشري ...- العقل البشري المؤمن به والمتشككِّ فيه - ... أثبت غناءَه واستغناءه ... علوّه ... كبرياءَه ... عزّته .. قدرّته ... حولَه ... طوْلَه ... اتّساع ملكه في السماوات والأرض وما بينهُما ... فكيف يحتاجُ منْ هذه قدرتُه واتّساعُ مُلكُه إلى الولد ... إلى ولد ... لماذا يحتاجُ إلى الولد ... وكيفَ للعقل والفؤاد والروح أن تنسب إليه الولد ... كيف يكونُ له ولد؟!


.......................؟!
........................؟!
بقلم : جاميليا حفني
مدونة أدركتُ جلالَ القرآنِ
http://greatestqoran.blogspot.com/20...og-post_9.html