إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أما بعد،،،
فإنه من المعلوم أن العلم يشرف بشرف المتعلق به، ولما كان علم العقيدة يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى، وأسمائه وصفاته؛ كان من أشرف العلوم، بل هو أشرفها على الإطلاق.
وأئمة أهل السنة والجماعة وعلماؤهم يتكلمون في علم العقيدة والتوحيد من خلال ثلاثة أبواب رئيسة:
الأول: توحيد الألوهية:
وجملته: إفراد الله عز وجل بالعبادة، وصرف أنواع الطاعات إليه سبحانه وتعالى، وحده فلا يشرك معه سبحانه وتعالى في عبادته أحد. وهذا النوع من التوحيد هو الذي بسببه خلق الله سبحانه وتعالى الخلق؛ قال تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات: ٥٦)، وهو الذي بسببه أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب؛ قال تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}(النحل: ٣٦)، وقال تعالى:{وما أرسلنامن قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}(الأنبياء: ٢٥).
الثاني: توحيد الربوبية:
وجملته: توحيد الله سبحانه وتعالى في الخلق والملك، والرّزق، والتدبير، وسائر أفعاله سبحانه وتعالى؛ فنعلم أن الله عز وجل هو الخالق وحده، لا خالق سواه، وأنه سبحانه هو المالك لهذا الكون وحده، لا مالك سواه سبحانه، وأنه سبحانه هو الرازق وحده، لا رازق سواه سبحانه، وأنه سبحانه هو المدبر لهذا الكون وحده، لا مدبر لهذا الكون إلا هو سبحانه وتعالى.
وهذا النوع من التوحيد لم يجحده إلا القليلون؛ كالوجوديين والدهريين الذين قالوا:{ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}(الجاثية: ٢٤)، وأما العامة فمقرون بهذا النوع من التوحيد؛ حتى كفار قريش كانوا مقرين به؛ قال تعالى:{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}(العنكبوت: ٦١)، وقال تعالى:{ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله}(العنكبوت: ٦٣)، وقال تعالى:{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}(الزخرف: ٨٧).
وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية؛ بمعنى: أن من وحَّد الله في ربوبيته يلزمه ويجب عليه شرعًا وعقلا أن يوحِّد الله في ألوهيته.
فأما شرعًا: فمعلوم.
وأما عقلا: فلأن من وحَّد الله في ربوبيته، واعترف بأن الله تعالى هو الذي خلقه ورزقه، وهو الذي بيده أمر السموات والأرض، كيف يذهب بعد ذلك فيعبد من لا يملك له نفعًا ولا ضرًّا؟!
فقد فعل هذا مثل الذي يعمل عند رجل ويأخذ منه المال والمأكل والمشرب، ثم بعد ذلك يذهب فيدين بالولاءوالطاعة لغير هذا الرجل.
فهذا –بلا شكّ- مخالف للعقول السوية، وتأباه الفطرة المستقيمة النقية.
ولذلك فإن الله تعالى خاطب هؤلاء الذين يوحدونه في ربوبيته ثم يشركون معه سبحانه غيره في ألوهيته، خاطب عقولهم؛ فقال تعالى:{ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}(الروم: ٢٤)، وقال تعالى:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}(الروم: ٢١)؛ وغير هذه من الآيات التي تقول لهؤلاء: كيف وقد علمتم أن الله هو الخالق الرازق، كيف تذهبون فتعبدون غيره سبحانه؟!
وألزمهم الله عز وجل بتوحيده في ألوهيته مذكرا لهم بربوبيته سبحانه وتعالى؛ فقال سبحانه وتعالى:{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}(البقرة: ٢١ – ٢٢).
وقال تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون}(يونس: ٣).
ثم حكم الله عز وجل على هؤلاء بانعدام عقولهم؛ فقال تعالى:{ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت: ٦٣).
وكان الأنبياء عليهم السلام يذكرون أقوامهم بربوبية الله تعالى، ويستدلون به على أحقيته سبحانه وتعالى بأن يُفرد بالعبادة، وعلى بطلان آلهتهم التي يعبدونها من دون الله؛ قال إبراهيم عليه السلام لقومه:{إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له}(العنكبوت: ١٧).
الثالث: توحيد الأسماء والصفات:
وجملته: إثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه في الكتاب أو السنة، من أسماء وصفات من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وهذا القسم الثالث –أعني: توحيد الأسماء والصفات- ضل فيه كثير من فرق الإسلام؛ كالجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والماتريدية، وغيرهم.
ولذلك فإن هذا القسم من الأهمية بمكان؛ وترجع أهميته لأمرين:
الأول: تعلقه بذات الله تعالى وأسمائه وصفاته.
الثاني: كثرة المخالفين فيه من فرق الإسلام. فعلى كل طالب علم، بل على كل مسلم تعلم هذا العلم ولو بشكل جُملي؛ حتى لا يقع في الخطل والزلل فيه، أو يقع في براثن إحدى هذه الفرق إحسانا بالظن بهم.
كما يجب –وجوبًا كفائيًّا- أن يتخصص في هذا العلم طائفة من طلبة العلم؛ يدرسونه ويطلعون على مشكلاته وغوامضه، ومناهج المخالفين فيه؛ ليقوموا بتدريسه للمسلمين، والرد على المخالفين فيه، ولما كان الأمر كذلك؛ قمت بجمع هذه القواعد –في باب من الأسماء والصفات- من كتب أهل العلم، وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقمت بالتعليق عليها بما يوضح مشكلها، ويبين مجملها، ويكشف غوامضها؛ لتكون عونًا للبادئ في هذا العلم الشريف، ومدخلًا له، وتذكرة للمنتهي فيه.
ومن المعلوم أن العلماء –دائما وأبدًا- ينصحون ويرشدون طالب العلم المبتدئ بالاهتمام بالقواعد الكلية؛ سواء في العقيدة أو في غيرها من فروع العلم الشرعي؛ لأنه يصعب على كل أحد حفظ فرعيات الشريعة؛ لكثرتها وانتشارها في كتب العلم، فإذا حفظ طالب العلم القواعد الكلية التي تندرج تحتها هذه الفرعيات استطاع بعد ذلك –إذا ما وقفت أمام مسألة فرعية- أن يدرجها تحت القاعدة المنوطة بها، فتحل له المشكلات، وتزيل عنه الصعوبات.
فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي، وفي ميزان حسنات ووالديَّ وأهلي جميعا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كما أسأل كل من قرأه وانتفع به أن يدعو لي ولوالديَّ وأهلي بالمغفرة والرحمة. وستكون هذه القواعد في حلقات متتابعة، إن شاء الله تعالى. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم