جاء في كتاب (الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية (دراسة نقدية)) للدكتور مفرح القوسي هذا النقض لشبهة إثارة تطبيق الشريعة الإسلامية للنعرات الطائفية
التعلل بشبهة إثارة تطبيق الشريعة للفتنة الطائفية مردود من عدة وجوه :

الوجه الأول : إنّ وجود الأقليات في بلاد المسلمين ليس جديدا ، فمنذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا توجد أقليات ، ولم يكن هذا حائلا دون تنفيذ أمر الله وتطبيق شرعه ، بل حذّر الله عزّ وجل نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يترك جزء من حكم الله لأجل تلك الأقليات اليهودية - بل الأكثرية اليهودية في المدينة آنذاك - محاباة لهم ومسايرة لرغباتهم فقال سبحانه : ( وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنّما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم .. ) [المائدة : 49] الآية ، وقد أخبر الله نبيه أنه سبحانه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة ، ولكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهاجا وجعلهم مبتلين مختبرين فيما آتاهم من الدين ، فلا يجوز التساهل في شيء من الشريعة لتجميع المختلفين في المشارب والمناهج : (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) [المائدة : 48]
الوجه الثاني : أنه لا يقبل شرعا ولا عقلا أن تتخلى الأغلبية عن هويتها ومقدساتها وحضارتها طلبا لمرضاة الأقلية ، ولا سيما إذا كانت هذه المقدسات لا مساس لها بالحقوق الاساسية المشروعة لهذه الأقليات . أرأيت لو حدث العكس وكان المسلمون هم الأقلية ، هل يقبل منهم أن يطلبوا إلى الأكثرية التنازل عن هويتهم ومقدساتهم طلبا لمرضاتهم ؟
الوجه الثالث : أنّ الشريعة الإسلامية تكفل للأقليات حرية الإعتقاد كاملة فلا تمسها في عقيدتها ولا في عبادتها ، ولا في أحوالها الشخصية فهذه كلّها تجري وفق عقيدة كلّ أقلية ، بدون تدخل من الدولة إلاّ في حدود الحماية المفروضة لجميع العقائد - على رأي البعض - شأنها شأن العقيدة الإسلامية في هذا النظام
فهم يدعون إلى الإسلام لكن لا يكرهون عليه ، قال تعالى : (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل : 125] وقال : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) [البقرة : 256] فحرية العقيدة حقّ مقرّر مضمون في الشريعة للذميين ولو لم يكن الأمر كذلك لما شرع عقد الذمة ولما جاز ، لأنّ عقد الذمة يتضمن إقرار الذمي على عقيدته وعدم التعرض له بسبب ديانته
الوجه الرابع : انه فيما عدا الولايات التي يعتبر الغسلام شرطا فيها لإنعقادها ؛ تفتح أمام الذميين كافة الأبواب للمشاركة الكاملة في بناء الوطن الإسلامي ، شأنهم في ذلك شأن المسلمين سواء بسواء وصيانة دمائهم وأعراضهم حقوق معتبرة لا مراء فيها ولا جدال ، ويمكن أن تصدر في شؤونهم وثيقة خاصة ينص فيها على مركزهم القانوني في المجتمع من حقوق وواجبات إن هم رغبوا في ذلك وتكون ملحقة بالدستور ، وتتمتع بنفس القوة التي يتمتع بها ولهم أن يشترطوا ما يشاؤون من ضمانات لكفالة حقوقهم المشروعة وعدم المساس بها من أحد من الناس ، ثمّ يعيشون بعد هذا كما عاش أجدادهم في البلاد الإسلامية ، ولمدة تزيد على ثلاثة عشر قرنا من عمر الزمان في ظلّ تحكيم الشريعة آمنين على أنفسهم وأموالهم واعراضهم ومعابدهم ، لم تمتد إليهم يد بسوء ، ولم يكرهوا كما أكره المسلمون في الاندلس قديما على تغيير دينهم ، وكما يكره على ذلك المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرهما حديثا ، ولو أن المسلمين في الشرق توجهوا إلى شيء من ذلك لما بقي نصراني واحد إلى اليوم في البلاد الإسلامية .
وفي كلّ ما سبق دلالة ظاهرة على أنّ الحريات الدينية لغير المسلمين لن تضار ، وأمن الوطن ووحدته لن يهدد من جرّاء تطبيق الشريعة الإسلامية كما صوّر ذلك المرجفون من العلمانيين أعداء الدين .
.............................. .............................. ...............