تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

  1. Post كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .
    قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة _رحمه الله_ : " ..هذا ؛مع أني دائماً _ومن جالسني يعلم ذلك مني_: أني من أعظم الناس نهياً ، عن أن ينسب معينٍ ؛ إلى تكفيرٍ وتفسيقٍ ومعصيةٍ ، إلَّا إذا علم أنه ؛ قد قامت عليه الحجة الرسالية ، التي من خالفها ؛ كان كافراً تارةً وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر ؛ أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ؛ وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية .
    وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ، ولم يشهد أحدٌ منهم على أحدٍ ، لا بكفرٍ ولا بفسقٍ ولا معصيةٍ ، كما أنكر شريح قراءة من قرأ {بل عجبت ويسخرون} وقال: إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال إنما شريح شاعر يعجبه علمه. كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ {بل عجبت} . وكما نازعت عائشة ، وغيرها من الصحابة ؛ في رؤية محمد ربه وقالت : "من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية" ، ومع هذا ؛ لا نقول لابن عباس ، ونحوه من المنازعين لها : إنه مفترٍ على الله .
    وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي ، وفي تعذيب الميت ببكاء أهله ، وغير ذلك . وقد آل الشر بين السلف إلى الاقتتال ، مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعاً مؤمنتان ، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم ، لأن المقاتل وإن كان باغياً ؛ فهو متأولٌ ، والتأويل يمنع الفسوق .
    وكنت أبيِّن لهم ؛ أنما نقل لهم عن السلف والأئمة ، من إطلاق القول ، بتكفير من يقول كذا وكذا ؛ فهو أيضا حق ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين .

    وهذه أول مسألةٍ ؛ تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار ، وهي مسألة " الوعيد " ، فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقةٌ ، كقوله {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية ، وكذلك سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا ؛ فإن هذه مطلقةٌ عامةٌ ؛ وهي بمنزلة قول من قال من السلف ؛ من قال كذا ؛ فهو كذا. ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه:؛ بتوبة ، أو حسناتٍ ماحيةٍ ، أو مصائب مكفرة ، أو شفاعة مقبولةٌ .

    والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلامٍ أو نشأ ببادية بعيدةٍ ،ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده ؛ حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر ، أوجب تأويلها ، وإن كان مخطئاً .
    وكنت دائما أذكر الحديث الذي في "الصحيحين" في الرجل الذي قال: " إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله ! لئن قدر الله علي ؛ ليعذبني عذاباً ؛ ما عذبه أحداً من العالمين ، ففعلوا به ذلك ، فقال الله له : "ما حملك على ما فعلت ؟ ، قال خشيتك . فغفر له } ".
    فهذا رجلٌ شك في قدرة الله ، وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفرٌ باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك ، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه ؛ فغفر له بذلك،. والمتأول من أهل الاجتهاد ، الحريص على متابعة الرسول ؛ أولى بالمغفرة من مثل هذا ".
    مجموع الفتاوي "2/231) .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. #2

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    حديث الرجل الذي وصّى بإحراق نفسه كيثرا ما يورده ابن تيمية في العذر بالجهل في الكفر والشرك الأكبر.
    وذكر عصريه وتلميذه الطوفي أن الرجل أنكر القدرة بالكلية فقال: (فهذا الرجل قد أنكر القدرة بالكلية،فعذره الله لجهله ورحمه بإيمانه،ومن تأول هذا الحديث على غير ما ذكرناه من جهل الرجل بقدرة الله عليه فقد راغم ظاهر السنة، وليس ذلك بصعب. فإن العلماء قالوا: من مات في مهلة النظر قبل أن يعرف الله فهو من أهل السلامة. فمن عرف الله وخفي عليه بعض صفاته أولى بذلك) درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح (ص351)
    وذكر ابن الوزير في الإيثار: أنه أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل.
    والتحقيق أن الحديث لا حجة فيه للاحتمال الظاهر، والقاعدة في الأصول: أن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.
    وشيخ الإسلام ابن تيمية في موافقيه يقولون: إن الرجل إنما أمر بإحراق نفسه لئلا يبعث ويحشر وهذا جهل بقدرة الله على إعادته إذا بلغ إلى هذه الحالة، والدليل على هذا قوله: (فوالله لئن قدر عليّ رب العالمين) وقوله: (لعلي أضل الله)

    ويقول المخالفون: إنما أمر بالإحراق غضبا على نفسه وإزراء عليها لما فرطت في جنب الله ولئلا يجمع الله عليه بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.والدليل في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:(والله لا يقدر عليّ رب العالمين أبدا فيعاقبني إذ عاقبت نفسي في الدنيا عليه).رواه الطحاوي في المشكل رقم (556) والدارمي في الرد على الجهمية (181؛295) وابن حبان (6476) وأحمد (15) والبزار (76) وأبو يعلى (56) وابن خزيمة (2/735-737) وابن أبي عاصم في السنة (812) وأبو عوانة (1/175-178) والمروزي في مسند أبي بكر (15) والدولابي في الكنى (2/155-156) وغيرهمقال أبو جعفر الطحاوي: (فكان جوابنا أن ذلك ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال، ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به.ولكن قوله:"فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا" هو عندنا والله أعلم على التضييق أي لا يضيق الله عليّ أبدا فيعذّبني بتضييقه علي لما قد قدّمت في الدنبا من عذابي نفسي الذي أو صيتكم به فيها(.ثم ذكر الآيات الشاهدة لهذا التأويل ثم قال: (أي لا يضيّق علي أبدا لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه ثقة منه به ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل).شرح المشكل2/29) تحفة الأخيار بترتيب مشكل الآثار رقم (125-135)وجمهور أهل العلم على أن الرجل لم يقع في كفر وأن ظاهر بعض الروايات التي الموهمة لذلك مؤوّلة.


  3. Post رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    كذلك كلامك _أخي الفاضل_ دليلٌ تطرق إليه الاحتمال ، فما مستندك في هذا التأويل ، هل هناك نصٌّ قرآني ، أو سنةً نبويةً ، أم أن الأمر أيضاً خضع للتأويل ، فكيف تلزمُ شيخ الإسلام وغيره ، بما جنحت إليه ، وقال به بعض العلماء _وهو دليلٌ تطرق إليه الإحتمال_ وزعمت أنه يبطل به الاستدلال ؟!.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  4. افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    وهاك هو الطوفي (النجم بن سليمان بن عبد الكريم ) الشيعي الذي تنقل عنه :
    قال الذهبي في "معجم الشيوخ" (1/80) :" أَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ مِنْ حِفْظِهِ لِلنَّجْمِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الطُّوفِيِّ الشِّيعِيِّ الَّذِي صُفِعَ عَلَى الْبِدْعَةِ:

    لا بِحَقِّ الْوَصِيِّ أَبِي الْحَسَنَيْنِ ... لا أَشْتَفِي مِنْ سِوَاهُ قَلْبِي وَعَيْنِي
    كَيْفَ أُصْغِي إِلَى سِوَاهُ وَحُبِّيهِ ... سَفِيرٌ بَيْنَ الإِلَهِ وَبَيْنِي
    وَإِذَا مُتُّ كَانَ رَبِّي سَئُولا ... لِي عَنْهُ وَسَائِرُ الثَّقَلَيْنِ "

    وقال زين الدين السلامي في "ذيل طبقات الحنابلة" (4/409) : " كَانَ مَعَ ذَلِكَ كله شيعيا منحرفا فِي الاعتقاد عَنِ السنة، حَتَّى إنه قَالَ فِي نَفْسه:

    حنبلي رافضي أشعري ... هذه أحد العبر
    ووجد لَهُ فِي الرفض قصائد، وَهُوَ يلوح فِي كثير من تصانيفه، حَتَّى إنه صنف كتابا سماه " العذاب الواصب عَلَى أرواح النواصب ".
    ومن دسائسه الخبيثة: نَّهُ قَالَ فِي شرح الأربعين للنووي: اعلم أَن من أسباب الخلاف الواقع بَيْنَ الْعُلَمَاء: تعارض الروايات والنصوص، وَبَعْض النَّاس يزعم أَن السبب فِي ذَلِكَ: عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَذَلِكَ أَن الصَّحَابَة استأذنوه فِي تدوين السنة من ذَلِكَ الزمان، فمنعهم من ذَلِكَ وَقَالَ: لا أكتب مَعَ الْقُرْآن غيره، مَعَ علمه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع "، وقال: " قيدوا العلم بالكتابة ". قَالُوا: فلو ترك الصَّحَابَة يدون كُل واحد مِنْهُم مَا رَوَى عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانضبطت السنة، وَلَمْ يبقَ بَيْنَ آخر الأمة وبين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُل حَدِيث إلا الصحابي الَّذِي دُونَ روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عَنْهُم إلينا، كَمَا تواتر الْبُخَارِي ومسلم ونحوهما.
    فانظر إِلَى هَذَا الْكَلام الخبيث المتضمن: أَن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هُوَ الَّذِي أضل الأمة، قصداً مهْ وتعمدا. ولقد كذب فِي ذَلِكَ وفجر....وَقَدْ كَانَ الطوفي أقام بالمدينة النبوية مدة يصحب الرافضة: السكاكيني المعتزلي ويجتمعان عَلَى ضلالتهما، وَقَدْ هتكه اللَّه، وعجل الانتقام منه بالديار المصرية " .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  5. #5

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    يظهر أنك لم تقرأ المشاركة جيدا!
    لأني ذكرت سند التأويل معزوا إلى بعض مصادره بالجزء والصفحة.

    أخي الكريم: تقرر في قواعد شرح الأحاديث: أن الحديث إذا جمعت طرقه فسّر بعضها بعضا.

    وعلى هذا، فالأحاديث الواردة في القصة يفسّر بعضها بعضا، وإنما أوتي القائلون بأن الرجل وقع في كفر، ثم بحثوا عن المانع عن التكفير الموجب لنيل المغفرة، من قِبَل الاستدلال ببعض المرويات في الباب قبل الجمع.

    ومن بين من أصابهم ذلك ابن حزم والطوفي وابن تيمية وغيرهم، فكان هذا الاستدلال من آفات الاحتجاج بالخبر المختصر مما حذره أهل العلم بالحديث.

    ومرة ثانية أعيد لك مستند التأويل الصحيح للخبر، وهوحديث أبي بكر الصديق الذي يدلّ على أنه كان يعدّ الإحراق والنسف عملا صالحا تقرب به إلى الله قد يورثه النجاة من عذاب الله في الآخرة.
    والشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيقال له:هل عملت خيرا قط؟
    فيقول: لا، غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر عليّ رب العالمين أبدا فيعاقبني إذا عاقبت نفسي في الدنيا عليه..).
    أخرجه المروزي في مسند أبي بكر الصديق (ص48، رقم (15) والطحاوي في المشكل (556) (2/27) وأبو يعلى (1/56، رقم (56) وأبو عوانة في صحيحه (1/151، رقم: 443) وابن عاصم في السنة (769، 833) وابن خزيمة في التوحيد (468).

    ظاهر الرواية: أنه اعتبر هذا الصنيع من أعمال البر والخير، وطمع أن لا يجمع عليه بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إذ عاقب نفسه في الدنيا غضبا عليها في الله.

    وبالجملة: فلا يجوز ذكر هذا الحديث في سياق أدلة العذر بالجهل في الكفريات فضلا عن أن يكون أرجى حديث في أهل الخطأ في التأويل.

    وأما مسألة الطوفي فلا يهمني كثيرا في هذا المقام ما يقول عنه منتقدوه بالعدل والإنصاف وإنما ذكرت كلامه الموافق لبعض أقوال شيخه ابن تيمية، لأني لم أر من ذكره.

  6. افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    طيب ، انا سأعلق على كلامك هذا ، ولكن بعد أن تتحفنا بجميع الروايات ، كذا أيضاً أقوال أهل العلم في فهم هذا الحديث ، وقول الجمهور من أين آتيت به ؟ .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  7. #7

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    إليك شذرة من أقوال أهل العلم في تأويل الحديث وأما جمع المرويات فسيأتي لاحقا بإذن الله.
    اختلف الناس في تأويل الحديث،
    وكثر إيراده عند الحديث عن الجاهل في أبواب التوحيد وكثيرا ما يحتج به في العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر حتى قيل عنه إنه أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل، ويمكن حصر الكلام في مقامين:

    المقام الأول: هل الرجل الاسرائيلي وقع في كفر سواء عذر أو لم يعذر؟ أم لم يقع في كفر؟

    المقام الثاني: إن كان الرجل وقع في كفر فما وجه غفران الكفر والرحمة به؟ وإن لم يقع في الكفر حقيقة فما وجه التأويل لظاهر بعض الروايات؟

    انقسم الناس في الجواب عن هذا السؤال إلى طائفتين:

    - طائفة تقول: إنه وقع في كفر، ثم اختلفوا في المانع على مذاهب.

    - وقالت طائفة أخرى: لم يقع في كفر، ثم اختلفوا في تأويل ظواهر بعض الألفاظ.

    وأصل الإشكال أنّ ظاهر بعض الروايات المختصرة يدلّ على أن الرجل إنما أحرق نفسه لئلا يبعث ويحشر، وهو قوله:(لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذّبه أحدا) "وظاهر هذا اللفظ أنه شك في كون الله تعالى يقدر على إحيائه وإعادته ولذلك أمر أهله أن يحرقوه ويسحقوه ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فكأنه توقع إذا فعل به ذلك تعذّرت إعادته.

    وقد أوضح هذا المعنى قوله:(فلعلّي أضل الله) وهذا ظاهر في شك الرجل في علم الله تعالى، والأولى ظاهرة في شكه في أنه تعالى يقدر على إعادته" المفهم للقرطبي (7/75)

    لكن حديث أبي بكر الصديق يدلّ على أن الرجل كان يعدّ الإحراق والنسف عملا تقرب به إلى الله قد يورثه النجاة من عذاب الله في الآخرة.
    والشاهد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيقال له:هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر عليّ رب العالمين أبدا فيعاقبني إذا عاقبت نفسي في الدنيا عليه..).أخرجه المروزي في مسند أبي بكر الصديق (ص48، رقم (15) والطحاوي في المشكل (556) (2/27) وأبو يعلى (1/56، رقم (56) وأبو عوانة في صحيحه (1/151، رقم: 443) وابن عاصم في السنة (769، 833) وابن خزيمة في التوحيد (468) وصحح الخبر بعد التعليق.

    وظاهر هذه الرواية: أنه اعتبر هذا الصنيع من الأعمال الخيرية وطمع أن الله لا يجمع عليه بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إذ عاقب نفسه في الدنيا غضبا عليها في الله.

    (1). مذاهب القائلين إنه وقع في الكفر واختلافهم في المانع:
    القول الأول:
    الرجل شك في قدرة الله وفي البعث، لكن عذر بالجهل وهو دليل عندهم على العذر بالجهل وهو مذهب ابن حزم وابن تيمية وابن القيم والطوفي وشارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي.
    القول الثاني:
    أن ما قاله الرجل كفر لكنه لم يكفر لوجود مانع غير الجهل وهو انتفاء القصد قالوا: إنه قال ذلك في حال دهشة وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه.
    ذكره ابن جرير الطبري في التهذيب كما في مشكل ابن الجوزي (3/157) واختاره القاضي عياض في شرح مسلم (8/256) وأبو العباس القرطبي في المفهم (7/77 - 79) والحافظ ابن حجر فتح الباري (6/523).

    القول الثالث:
    أنه جهل صفة من صفات الله فكفر بذلك إلا أن الكفر قد كان يغفر في ذلك الزمان إلى أن نزل قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ فلذلك نالته رحمة الله في الآخرة ذكره ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار. كشف المشكل(3/157) لابن الجوزي
    وجعله ابن حجر الحافظ أبعد الأقوال في المسألة وقال: (وأبعد الأقوال قول من قال:إنه كان شرعهم جواز المغفرة للكافر) فتح الباري (6/604).
    القول الرابع:
    كان هذا في زمن الفترة حيث ينفع مجرد التوحيد ولم تصله دعوة فلا يؤاخذ لأن المؤاخذة ببلوغ الدعوة فقط ومن لم يسمع الدعوة فلا مؤاخذة. كشف المشكل (3/157) إكمال المعلم (8/257) والشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/1083) منهاج التأسيس والتقديس (ص82).


    (2). مذاهب القائلين إنه لم يقع في كفر واختلافهم في التأويل.

    القول الأول:
    جهل صفة من صفات الله وليس بكفر، وإنما الكفر في باب الصفات: الجحد والإنكار، وذكر الحافظ ابن عبد البر أنه قول المتقدمين من أهل العلم ومن وافقهم من المتأخرين.
    وبه قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة:
    (هذا رجل مؤمن بالله مقر به خائف له إلا أنه جهل صفة من صفاته فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى فغفر الله تعالى له بمعرفته بنيته وبمخافته من عذابه جهله بهذه الصفة من صفاته وقد يغلط في صفات الله تعالى قوم من المسلمين ولا يحكم عليهم بالنار بل ترجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم). تأويل مختلف الحديث ص244:
    وقد يكون مذهب الخطابي رحمه الله: (قد يسأل عن هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحيائه وإنشاره؟ فيقال: إنه ليس بمنكر إنما هو رجل جاهل ظنّ أنه إذا فُعل به هذا الصنيع تُرك فلم ينشر ولم يعذب ألا تراه يقول: (فجمعه فقال له لم فعلت ذلك؟ فقال من خشيتك) فقد تبيّن أنه رجل مؤمن بالله عز وجل فعل ما فعل خشية من الله عز وجل إذا بعثه إلا أنه جهل فحسب أن هذه الحيلة تنجيه مما يخافه).أعلام الحديث:3/1565

    وقال الحافظ بن عبد البر رحمه الله:
    (اختلف العلماء في معناه، فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل وهي القدرة فلم يعلم أنّ الله على كل ما يشاء قدير.
    قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل وآمن بسائر صفاته وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا.
    قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.
    قال أبو عمر: هذا قول يدفعه جماعة من أهل النظر وفيه ضروب من الاعتراضات والعلل ليس هذا موضع ذكرها ». التمهيد: 8/120).
    حاصل المذهب: أن الرجل لم يقع في كفر، وإنما جهل بعض الصفات وليس الجهل بها كفرا، وإنما الجحد والإنكار بعد العلم.



    القول الثاني:

    لعل الجهل بقدرة الله على الإعادة والإحياء أو الشك فيها لم يكن كفرا في شرع ذلك الرجل لأن التكفير حكم من الأحكام الشرعية فيجوز أن تختلف الشرائع فيه كما قال تعالى:﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا﴾ نسبه القرطبي إلى طائفة.(المفهم: 7/75).

    القول الثالث:
    إن الرجل استعمل الأسلوب المعروف بــ(إيراد الممتنع بصورة الممكن) أو (مزج الشك باليقين) فصورته صورة شك والمراد به اليقين، أو (تجاهل العارف).وممن اختاره وأطنب في ذكر الشواهد العلامة عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي.
    قال رحمه الله: (وأما ورود الممتنع بصورة الممكن فكقول امرئ القيس:
    وبدّلت قَرحا دامياً بعد صحّة ... لعلّ منايانا تحوَّلْنَ أبؤُساً
    وتحوّل المنايا أبؤسا من الممتنع الذي لا يمكن وقد جعله كما ترى في صورة الممكن على العلم منه أنه ليس كذلك تعلّلا بذلك واستراحة مما كان فيه من عظيم البلاء.
    ونحوه قول كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:
    وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
    فقلتُ: ادع أخرى، وارفعِ الصوت دَعوةً ... لعل أبا المغوار منك قريب
    يجبْك كما قد كان يفعل إنه ... نجيب لأبواب العلاء طَلوب
    وقال النابغة يرثي النعمان:
    فإن تحي لا أملُلْ حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
    ومن هذا الباب قول الرجل المحرق لبنيه: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اذروا رمادي في اليم، فلعلي أضل الله، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا). ألا ترى أنه أخرج ما قد تحقق أنه لا يكون مخرجَ ما يرجى أن يكون، تعلّلا بذلك، واستراحة إليه، كما فعل امرؤ القيس حين اشتد به البلاء في قوله: (لعل منايانا تحولن أبؤسا).وهو لا يشك في أن الذي رجاه ممتنع.
    ومن أبين ما في ذلك قول الآخر:
    أخادع نفسي بالأماني تعللا ... على العلم مني أنها ليس تنفع )
    [COLOR=window****]وذهب إليه أبو أسحاق الشاطبي رحمه الله في الموافقات: 5/205).[/COLOR]

    [COLOR=window****][/COLOR]
    القول الرابع:
    قوله (لئن قدر علي رب العالمين) (لعلي أضل الله) إظهار للجزع والخوف والخشية بأبلغ ما يكون، لا أنه كان يعتقد أنه يجوز أن ينسى الله أحدا أو يمكن أن يفوته شيء.
    وأن هذا مثل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول في دعائه: (اللهم وإن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا) .
    قال القاضي أبو يعلى الحنبلي: (ذكر أهل العلم أن ذلك إظهار غاية الخوف والخشية حتى يسأل ما لا يكون أن لو كان مما يكون حتى لا يفوته التضرع بكل وجه في طلب ما يكون). إبطال التأويلات لأخبار الصفات (ص418).
    وقال ابن جماعة الشافعي:(أما قوله في الرواية الأخرى: " لعلي أضل الله" معناه النسيان الذي هو الترك ولفظة (ضل) تستعمل بمعنى النسيان ومنه قوله تعالى:﴿أن تضلّ إحداهما﴾﴿لا يضلّ ربي ولا ينسى﴾ فيصير معناه: لعل الله يتركني بعد الموت ولا يبعثني فأستريح من عدالته.
    وكل ذلك خشية من عذاب الله وخوفا منه لا أنه يعتقد أن الله ينسى شيئا أو يضل عن شيء..) إيضاح الدليل (ص249)

    القول الخامس: تأويل (إن) في الخبر على معنى (إذا)
    قالوا: يحتمل أن يكون قوله (لئن قدر الله عليّ) من القدرة على الشيء إلا أنه ليس بشك في قدرة الله عليه، جوّزه العلامة ابن السيد رحمه الله : (وقد يجوز أن يكون قوله: "فوالله لئن قدر الله عليّ" من القدرة على الشيء.
    فإن قيل: كيف يصحّ هذا ودخولُ الشرط عليه قد جعله من حيّز الممكن الذي يجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون، وهذه خاصة الشرط؟
    ألا ترى أنك إذا قلت:إن جاءني زيد أكرمته، فممكن أن يقع ذلك، وممكن ألا يقع. وهذا شك محض في قدرة الله تعالى؟
    فالجواب أن العرب قد تستعمل (إن) التي للشرط بمعنى (إذا) كما تستعمل (إذا) بمعنى (إن).
    و(إذا) تقع على الشيء الذي لا يشك في كونه كقولك: (إذا كان الليل فأتني) وكون الليل لا بد منه، وكقوله تعالى: ﴿إذا السماء انفطرت﴾.فمعناه على هذا: فوالله إذا قدر الله عليّ ليعذبني عذابا شديدا. وإنما جاز وقوع (إن) التي للشرط موقع (إذا) الزمانية لأن كل واحد منهما يحتاج إلى جواب.
    والشيئان إذا تضارعا جاز أن يقع كل واحد منهما موقع صاحبه.
    فمما وقعت فيه (إن) موقع (إذا) قوله تعالى: ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين﴾ وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على القبور: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" يريد إذا شاء الله.

    ومنه قول الشاعر:
    [فإن لّا يكن جسمي طويلا فإنني .. له بالفعال الصالحات وَصول]
    معناه: فإذا لم يكن جسمي طويلا فإنني أطوّله بالأفعال الحسان ولا يصحّ الشرط ها هنا لأن قصر جسمه شيء قد كان وقع، فالشرط هنا محال.
    ومثله قول الآخر:
    [فإن أك قد فارقت نجدا وأهلَه .. فما عهد نجد عندنا بذميم]

    وأما وقوع (إذا) بمعنى (إن) فكقول أوس بن حجر:
    إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
    والإعراض عن الخنا ممكن أن يكون، وممكن أن لا يكون، فليس هذا من مواضع (إذا) إنما هو من مواضع (إن)).[الانصاف في التنبيه على المعاني والأسباب ص: 99-104]

    القول السادس:
    لم يجهل قدرة الله ولم يشك، وإنما ظن مستحيلا ما ليس بمستحيل فلم يكفر بذلك.
    قال ابن الوزير اليماني رحمه الله:
    (وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله وبالمعاد ولذلك خاف العقاب. وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالا فلا يكون كفرا إلا إذا علم أنّ الأنبياء جاءوا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدا منهم لقوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل).إيثار الحق على الخلق ص436.


    وقال العلامة أبو الحسن السندي في حاشية المسند:
    (لا يلزم أنه نفى القدرة فصار بذلك كافرا فكيف يغفر له؟ وذلك لأنه ما نفى القدرة على ممكن، وإنما فرض غيرَ المستحيل وهو إعادته بعد الحرق والسحق والذر في الريح في البحر مستحيلا ًفيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدّين بالضرورة والكفر هو الأول دون الثاني).


    وقال ولي الله الدهلوي رحمه الله:

    (فهذا الرجل استيقن بأن الله متصف بالقدرة التامة لكن القدرة إنما هي في الممكنات لا في الممتنعات وكان يظنّ أن جمع الرماد المتفرق نصفه في البر ونصفه في البحر ممتنع، فلم يجعل ذلك نقصاً فأخذ بقدر ما عنده من العلم ولم يعدّ كافرا). حجة الله البالغة:1/181).

    يقرب من هذا نفيُ الأشعرية ومن وافقهم قدرة الله سبحانه على الظلم لأنه ممتنع على الله بينما ذهب الجمهور من أهل العلم أن الله قادر عليه لكن منزه عنه

    وللحديث بقية إن شاء الله

  8. #8

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .



    القول السابع:

    أن الرجل إنما أمر بإحراق نفسه لئلا يجمع الله عليه بين عذاب الدنيا والأخروي.
    ثم تأويل قوله: (لئن قدر الله عليّ ربي ليعذبني) بمعنى التضييق أو التقدير الذي بمعنى القضاء لا القدرة التي من باب الاستطاعة.

    قالوا: والحديث مثل قوله تعالى:﴿إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه﴾.

    وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان: أحدهما: أنها من باب التقدير والقضاء. والثاني: أنها من التقتير والتضييق.

    واختاره كثير من أهل العلم منهم أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار والبيهقي في الأسماء والصفات والمازري وابن جماعة الشافعي وجوّزه ابن عبد البر وابن السيد وغيرهم

    قال أبو جعفر الطحاوي:
    (فكان جوابنا في ذلك أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه: "فو الله لا يقدر عليّ رب العالمين" ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به ولكن قوله:(فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا) هو عندنا والله أعلم على التضييق أي لا يضيق الله عليّ أبدا فيعذّبني بتضييقه عليّ لما قد قدّمت في الدنبا من عذابي نفسي)

    ثم ذكر الآيات الشاهدة لهذا التأويل ثم قال: (أي لا يضيّق علي أبدا لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه ثقة منه به ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل).شرح المشكل2/29) وتحفة الأخيار بترتيب مشكل الآثار (125-135)

    والبيهقي عقد بابا على قوله تعالى:﴿فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له﴾ ثم ذكر الآثار الشاهدة لذلك (الأسماء والصفات (2/490 - 491).

    وقال ابن عبد البر: (وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل الحديث) وأسهب في بيان هذا القول وشواهده من القرآن واللغة.

    وقال القاضي أبو يعلى: (فلا يمكن حمله على معنى القدرة لأن من توهم ذلك لم يكن مؤمنا بالله عز وجل ولا عارفا به. وإنما ذلك على معنى قوله تعالى في قصة يونس: ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ وذلك يرجع إلى معنى التقدير لا إلى معنى القدرة، لأنه لا يصح أن يخفى على نبي معضوم).
    وقال العلامة ابن السيد البطليوسي رحمه الله:
    (وأما قوله: "فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا".
    فمعناه: فو الله لئن ضيّق الله عليّ طرقَ الخلاص ليعذبني، وليس يشك في قدرة الله، ولو شك في قدرة الله لكان كافرا، وإنما هو كقوله تعالى: ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ وقوله: ﴿ومن قدر عليه رزقه﴾ أي ضُيّق..

    ويجوز أن يكون من القَدَر الذي هو القضاء، فيكونُ معناه: فو الله لئن قدر الله عليّ العذاب ليعذبني. فحذف المفعول اختصارا كما قال النابغة الجعدي:

    [حتى لحقنا بهم تُعدِي فوارسُنَا ... كأننا رَعنُ قُفّ يرفع الآلا]
    أراد تعدي فوارسنا الخيل.) الإنصاف (ص101-).
    وقال القاضي أبو يعلى: (فعلى هذا يحمل قوله: " لئن قَدِر عليّ ربي ليعذبني" أي إن كان قدر: أي حكم علي بالعقوبة فإنه يعاقبني دائما. وهذا كلام خائف جزع، فوجب حمل كلامه على وجه صحيح لا ينافي المغفرة ولا يؤدي إلى الكفر) إبطال التأويلات(ص418).
    وقال ابن جماعة الشافعي: (قوله: "لئن قدر الله عليّ" ليس هو من القدرة بل هو من التقدير الذي هو التضييق ومنه قوله تعالى:﴿يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ أي يضيّق.
    فمعناه: لئن ضيّق الله علي عفوه. ومنه قوله تعالى:﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ أي نضيّق لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهل صفة من صفات الله تعالى وهي قدرة الله تعالى عليه.

    وقيل هو التقدير الذي هو سابق القضاء، أي لئن كان الله قدر عليّ عذابي في سابق علمه) إيضاح الدليل (ص249).

    وهذا التقرير من أهل العلم يردّ على دعوى ابن حزم والطوفي وابن تيمية في أن هذا التأويل من تحريف الكلم عن مواضعه.

    وحاصل المذهب: أن الرجل لم يقع في كفر أكبر.



    خلاصة القول:

    الاحتجاج بهذا الحديث في العذر بالجهل في الكفريات لا يصح لوجوه:

    الأول: أن الأصل في الرجل: الإيمان، ودعوى الكفر خلاف الأصل فلا بد له من دليل.

    الثاني: القاعدة في الأصول: أن الاحتمال المقاوم إذا دخل الدليل بطل به الاستدلال، ولا شك في وجود الاحتمال المقاوم في دلالة: (لئن قدر الله عليّ).
    الثالث: القاعدة في الأصول: أن امتناع الشيء متى دار إسناده بين عدم المقتضي ووجود المانع كان إسناده إلى عدم المقتضي أولى.
    لأنا لو أسندناه إلى وجود المانع لكان المقتضي قد وجد وتخلّف أثره؛ والأصل عدمه... وهذه القاعدة تنفع في كثير من المباحث.
    فإسناد عدم التكفير إلى عدم المقتضي للتكفير أولى من إسناده إلى وجود المانع من التكفير مع قيام المقتضي.
    الرابع: الاستدلال بصنيع الرجل ووصيته على الشك في الإعادة والجهل بالقدرة لا يسلّم لأنه لم يأمر بذلك بنيه من أجل ما ذكر بل إزراء على نفسه ومعاقبة لها في الدنيا رجاء أن ينفعه ذلك في الآخرة وحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه شاهد لهذا المعنى.
    الخامس: أن الرجل سئل عن الإحراق والنسف ولم يُسأل عن (كفر الجهل والشك) ولا ينبغي البحث في الفرع مع انتفاء الأصل أو السؤال عن المعاصي مع وجود الكفريات.
    وهذا دليل على أن الرجل لم يقع في كفر.
    السادس: الاستدلال بقوله: "لعلي أضل الله" على المدعى، لا يصح من أجل الكلام في حديث بهز بن حكيم ولهذا أعله الطحاوي بالشذوذ ومخالفة الجماعة.
    وإن سلّم به فالمراد به: لعلي أفوت عذاب الله الأخروي بتعذيبي نفسي في الدنيا على ما بيّن حديث أبي بكر الصديق.

    وللحديث بقية إن شاء الله

  9. Post رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة

    وللحديث بقية إن شاء الله
    هل انتهيت أخينا الفاضل، أبو محمد المآربي ؟ .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  10. #10
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .

    كتاب الاستغاثة (الرد على البكري) صـــ731

    الرد عل البكري.jpg
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    141

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    141

    افتراضي رد: كلامٌ ماتعٌ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ، في مسألة "العذر بالجهل" .


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •