قال شيخ الإسلام في "بيان تلبيس الجهمية" (6/373): "والكلام على ذلك [أي : هذا الحديث]، أن يقال هذا الحديث : لم يكن بين السلف، من القرون الثلاثة، نزاع في أن الضمير عائد إلى الله، فإنه مستفيضٌ من طرق متعددة ، عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها يدل على ذلك وهو أيضاً مذكور فيما عند أهل الكتابين من الكتب كالتوراة وغيرها ولكن كان من العلماء في القرن الثالث ، من يكره روايته ويروي بعضه كما يكره رواية لبعض الأحاديث، لمن يخاف أن نفسه ويفسد عقله أو دينه ،كما قال عبد الله بن مسعود _رضى الله عنه_ " ما من رجل يحدث قوماً حديثاً؛ لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ".
وفي البخاري عن علي بن أبي طالب_رضى الله عنه _أنه قال : " حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون ؛أتحبون أن يكذب الله ورسوله " . وإن كان مع ذلك لا يرون كتمان ما جاء به الرسول مطلقاً بل لابد أن يبلغوه حيث يصلح ذلك ولهذا اتفقت الأمة على تبليغه وتصديقه وإنما دخلت الشبهة في الحديث لتفريق ألفاظه فإن من ألفاظه المشهورة إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته وهذا فيه حكم عملي يحتاج إليه الفقهاء وفيه الجملة الثانية الخبرية المتعلقة بلا وكثير من الفقهاء روى الجملة الأولى فقط وهي قوله فإذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ولم يذكر الثانية وعامة أهل الأصول والكلام إنما يروون الجملة الثانية وهي قوله خلق الله آدم على صورته ولا يذكرون الجملة الطلبية فصار الحديث متواتراً بين الطائفتين وصاروا متفقين على تصديقه لكن مع تفريق بعضه عن بعض وإن كان محفوظاً عند آخرين من علماء الحديث وغيرهم.
وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء في إخباره بخلق آدم في ضمن حديث طويل إذا ذكر على وجهه زال كثير من الأمور المحتملة ولكن ظهر لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم ولذلك لأنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة " .