قال ابن القيم في الصواعق المرسلة في مميزات أهل السنة عن أهل البدعة
ومنها : أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم , ليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها إذا انتسب غيرهم إلى المقالات المحدثة وأربابهما ؛ كما قال بعض أئمة أهل السنة وقد سئل عنها فقال : السني مالا اسم له سوى السنة , وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة , وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية , وإلى الفعل تارة كالخوارج والرافض , وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها , وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة .
ونقل الذهبي - رحمه الله - : كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم ، فيقال : أخطأ العالم خير له [ ص: 19 ] من أن يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله .
قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع ". سير أعلام النبلاء (10/ )
و الإمام الشافعي - رحمه الله - عند تحذيره من الكلام يؤكد بشاعة الخطأ فيه لمايلزم من الخطأ في مسائله من التضليل أو التكفير بخلاف الخطأ في أمور الفقه فإنه لايبلغ ذلك.
وتأمل تعليق الإمام الذهبي على تفريقه بين الخطأين بقوله :" قلت : هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع .
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين – رحمه الله - :
السلفيَّة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم سلفنا تقدموا علينا ، فاتِّباعهم هو السلفيَّة ، وأما اتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ : فلا شكَّ أن هذا خلاف السلفيَّة ، فالسلف كلهم يدْعون إلى الإسلام والالتئام حول سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يضلِّلون مَن خالفهم عن تأويل ، اللهم إلا في العقائد ، فإنهم يرون من خالفهم فيها فهو ضال .
لكن بعض من انتهج السلفيَّة في عصرنا هذا صار يضلِّل كل من خالفه ولو كان الحق معه ، واتَّخذها بعضهم منهجاً حزبيّاً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى الإسلام ، وهذا هو الذي يُنكَر ولا يُمكن إقراره ، ويقال : انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون في طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يسوغ فيه الاجتهاد ، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة ، في مسائل عقديَّة ، وفي مسائل علميَّة ، فتجد بعضَهم – مثلاً – يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه ، وبعضهم يقول بذلك ، وبعضهم يقول : إن الذي يُوزن يوم القيامة هي الأعمال ، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي تُوزن ، وتراهم – أيضاً – في مسائل الفقه يختلفون ، في النكاح ، في الفرائض ، في العِدَد ، في البيوع ، في غيرها ، ومع ذلك لا يُضلِّل بعضهم بعضاً .
فالسلفيَّة بمعنى أن تكون حزباً خاصّاً له مميزاته ويُضلِّل أفراده سواهم : فهؤلاء ليسوا من السلفيَّة في شيء .
وأما السلفيَّة التي هي اتباع منهج السلف عقيدةً ، وقولاً ، وعملاً ، واختلافاً ، واتفاقاً ، وتراحماً ، وتوادّاً ، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثَل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر " ، فهذه هي السلفيَّة الحقَّة