النوع الرابع: التقية لدى الفرق الباطينة: أشهر الفرق التي تكيد للإسلام والمسلمين واشتهرت بالتقية هم الشيعة، من رافضة وباطنية وسائر فرقهم، فالتقية عندهم كذب محض ونفاق بين كما هو ظاهر من رواياتهم، ففي (أصول الكافي) للإمام الكليني، والذي هو عندهم بمنزلة البخاري عندنا - جاء قولهم عن أبي عمير الأعجمي قال: قال له أبو عبد الله جعفر الصادق(14): إن تسعة أعشار الدين في بالتقية، ولا دين لمن لا تقية له. والتقية عندهم في كل شيء: تظاهر بخلاف ما تعتقد، واعمل بخلاف ما تراه صحيحاً. التقية في كل شيء إلى في النبيذ والمسح على الخفين، مخالفة لأهل السنة في هذا الجانب. فالنبيذ يخالفهم فيه الأحناف والمسح على الخفين خالفوا فيه سائر أهل السنة؛ لأنهم يتظاهرون بأنهم من أهل السنة،وأنهم حماة التوحيد. ونقل أيضاً قال: قال أبو جعفر عليه السلام: التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له. ونقل عن أبي عبد الله قال في قوله عز وجل: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصِّلت:34] قال: الحسنة هي التقية والسيئة هي أن تعلن دينك!! ويقولن في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون:96] التي هي أحسن: التقية. وهم يحرفون الآيات بالتأويلات ليقنعوا أتباعهم. يقولون للناس: قال الله، وقال رسوله، ثم يؤولون ذلك بما يريدون؛ ليغرروا به على العامي المسكين، بل إنهم يأتون بأحاديث بعيدة عن الموضوع فيؤولونها. لم يكن الشيعة الأولون الذين صحبوا علياً رضي الله عنه يعرفون التقية بكذبها ونفاقها، وإنما كانوا صرحاء، لكن عندما أتت الأجيال الجاهلة دخل اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة، ورأوا أن أفضل طريق لضرب الإسلام هو التظاهر بالتشيع ومحبة أهل البيت، ومن خلال ذلك نفذوا شرورهم في الأمة الإسلامية. يقول عبد القادر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق): وذكر أصحاب التواريخ أن الذين يضعون أساس دين الباطنية كانوا أولاً المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم ولم يجسروا على أظهاره؛ خوفاً من سيوف المسلمين. ووضع جماعة منهم أسساً قبلها من قبلها منهم، صار في الباطن تفضيل دين المجوس وفي الظاهر موافقة المسلمين. ولم يمكنهم إظهار تعظيمهم النيران، فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين: ينبغي أن تجمر المساجد؛ لأنهم أصلاً يعبدون النار ويقدسونها، ويعتقدون أنها آلهتهم؛ فجاءوا للمسلمين بهذه الحيلة: تطييب المساجد بالجمر والند والعود وأنواع البخور، ورويداً رويداً حتى يألف الناس ذلك، وربما أنهم يعبدون النار ويقدسونها بعد ذلك. بل إنهم زينوا لهارون الرشيد - كما يقول البغدادي- رحمه الله أن يضع داخل الكعبة مجمرة كبيرة، وأن يضع النار فيها دائماً، ويضع عليها العود والند والبخور حتى تبدوا دائماً برائحة طيبة، فيطوف الناس حولها. فلما تنبه هارون - رحمه الله لذلك؛ عرف أنهم يتآمرون على الإسلام، فكان ذلك سبباً في قتلهم والقضاء عليهم. مراتب الباطنية: يقول الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه (فضائح الباطنية) عن الباطنية الذين تمكنوا في ديار الإسلام، وآذوا المسلمين كثيراً، وشتتوهم في دينهم وضللوهم - قال:"فهم على تسع درجات مرتبة.. أولها:.. التفرس، بمعنى النظر والتأمل ومعرفة أحوال الناس. يجسون نبض الناس، يرون أي طريق يمكنهم بها الدخول عليهم، فيدخلون على الناس بما يناسبهم. الثانية.. التأنيس: يأتون للناس من جهة ما يحبون، فإن وجدوهم نم أهل السنة دخلوا عليهم من باب أهل السنة، وإن وجدوهم من أهل الزهد والعبادة دخلوا عليهم من هذا الباب، حتى يثق الناس بهم فيحبوهم ويتعلقوا بهم. وبعد أن يصبح لهم مكانة عندهم يبدؤون بتشكيك الناس بما لديهم من خير في دينهم وعقيدتهم. ثم يرتقون بأنفسهم إلى مرحلة يزينون بها أنفسهم ويلمعونها، بأن لهم كرامات، وأنهم أهل علم وفضل، وهذه هي مرتبة التعلق. ثم مرتبة الربط: يربطون الناس بعهود ومواثيق لا يستطيعون الخلاص منها. ثم تأتي مرتبة التدليس بعد أن يكونوا قد تمكنوا من ربط الناس بمواثيق يدلسون عليهم فيأخذون من دينهم. ثم مرتبة التلبيس، وهي أشد من التدليس، ثم الخلع، ثم السلخ، وفيها يخرجون الناس من دينهم مثلما تسلخ الشاة من جلدها. وطوائف الباطنية كالشيعة والرافضة، ومنهم الإسماعيلية (البهرة) والقرامطة والعبيديون الذين يسمون أنفسهم (الفاطميين)، هم الذين كانوا يحكمون مصرن ويتسمون بأسماء كثيرة. وهناك باطنية والتصوف الذين يقولون بأن للدين ظاهراً وباطناً، وهم باطنية التشيع متفقون، ويقولون إن الدين شريعة وحقيقة، يقولون: إن عامة الناس والأئمة والفقهاء والمحدثين والمفسرين يعرفون الشريعة وهم يعرفون الحقيقة، وبالتالي فإنهم يأتون أشياء لا تعقل، وإذا سئلوا فيها قالوا: هذه أمور لا تعرفونها، هي من (الكشف)، هذه حقيقة لا يطلع الله عليها إلا خاصة أوليائه. وأصل الباطنية ونشأتها وعقيدتها أن دعوة الباطنية لم يفتتحها منتسب إلى ملة، أي أن أصلهم زنادقة، لا دين لهم ولا معتقد، ولكن تشاور جماعة من المجوس والأزبكية، وشرذمة من الثنوية الملحدين وطائفة كبيرة من ملاحدة الفلاسفة المتقدمين؛ فضربوا سهام الرأي في استنباط تدبير يخفف عنهم ما نابهم من استيلاء أهل الدين، وينفس كربتهم مما دهاهم من أمر المسلمين، لكن أخرس الله ألسنتهم عن نطق ما يسترهم ويرضي أنفسهم، فبقيت مخالفتهم في إنكار الصانع وتكذيب الرسل، وجحد الحشر والنشر والمعاد إلى الله، وزعموا أن الأنبياء كلهم مدلسون، لسوا من عند الله عز وجل، وليس معهم حق، وإنما جاؤوا ليخدعوا الأمم ويقودوها، وجعلوا لهم قضية الجنة والنار وغيرها؛ ليسيطروا على العقول!! هذا هو اعتقادهم؛ فإنما يستعبدون الخلق بما يظهرون من فنون الشعوذة.. خصوصاً وقد تفاقم -كما يقولون- أمر محمد صلى الله عليه وسلم في أنفسهم، واستطارت في الأقطار دعوته، واتسعت ولايته وأسبابه وقويت شوكته، حتى استولى -كما يقولون- على ملك أسلافهم المجوس واليهود والنصارى..، ولا مطمع في مقاومة أصحاب محمد بقتال، ولا سبيل إلى استنزالهم عما وصلوا إليه إلا بمكر واحتيال ولو رددناهم إلى مذهبنا لانتصروا علينا، وامتنعوا عن الإصغاء غلينا، فسبيلنا أن نتخذ عقيدة الطائفة في ردهم، هم أرقهم عقولاً وأسخفهم رأياً، وألينهم عريكة لظهور المحاولات، وأطوعهم للتصديق بالأكاذيب والمزخرفات، وهم الروافض، ونتحصن بالانتساب إليهم والاعتزال إلى أهل السنة من شرهم، ونقود إليهم ما يلائم طبعهم من ذكر ما تم لسلفهم من الظلم والذل الهائل، والتباكي لهم على ما حل بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونتوصل به إلى تكوين الإنسان في أئمة السلف الذين هم أسوتهم وقدوتهم، حتى إذا قبحنا أحوالهم في أعينهم وما ينظر إليه من شرعهم اشتد عليهم باب الرجوع إلى الشرع، وسهل علينا استدراجهم إلى الانخلاع من الدين، وإن بقي عندهم معتصم من ظواهر القرآن ونتوءات الأخبار؛ أوهمناهم أن تلك الظواهر لها أسرار وبواطن، وأن الأقرب أن ينخلع من ظواهرها، وعلامة الفتنة انتقال بواطنها، ثم نبث عقائدنا، ونزعم أنها المراد بظواهر القرآن حيث تم، إذا ما تكثرنا بهؤلاء سهل علينا استدراج الفرق بعدهم، والتحيز لهؤلاء، والتظاهر بنصرهم.. الخ ما قال. إذن، هكذا نشأت الباطنية، وأصولهم غير أسلامية وغير دينية، وإنما دينهم الملحدون والمجوس عبدة النيران، ثم تظاهروا بالدين كي ينتقموا من الإسلام الذي أزال ملكهم وملك آبائهم وأجدادهم. مكائد النظام الدولي للإسلام والمسلمين: إن الحقيقة أن النظام الدولي الجديد اليوم، عرف أنه لا يستطيع أبداً أن يأتي للمسلمين بمنهج يفرقهم ويضعفهم إلا ببث الفرق الضالة، فقد جرب معهم القوميات ففشلتن وجاء بالشيوعية ففشلت، وجاء بالاشتراكية وفشلت، وجاء بالديمقراطية والعلمانية؛ فلم يستجب المسلمون لها. عند ذلك أرادوا أن يطفئوا غيرة المسلمين وحماسهم للإسلام وتحاكمهم إليه، بأن أتوا بصورة مسلمين وبثوا الفرق الضالة، ولكن ذلك لم يكن أيام الصحابة وأيام الفتوحات، أيام سعد وأبي عبيدة وخالد وطارق وغيرهم، إنما هو اليوم حين ابتعد الناس عن الإسلام فبثوا هذه الفرق الضالة، فأوقعوا فيها الخمول وقللوا من قيمة الجهاد، واسكتوا فيهم الغيرة، وجعلوهم يوالون أعداء الله، وصرفوهم عن العقيدة الصحيحة. فبدلاً من أن يتعلقوا بالله تعلقوا بغيره. ولما هجم عليهم التتر في يوم من الأيام، وشعروا بالخطر؛ لم يعودوا إلى السلاح، ولم يتحصنوا ولم يواجهوا العدو بما ينبغي أن يواجه به الجيش الغازي، حتى قال قائلهم: يا خائفين من التتر.. لوذوا بقبر أبي عمر.. ينجيكم من الضرر أي إذا خفتم من العدو اذهبوا إلى قبر أبي عمر! فهذا النظام الدولي يريد أن يعيد إلينا هذه الأفكار. فهم يمهدون لغزونا ببث هذه المعتقدات والأفكار، حتى إذا ما غزوننا، رحنا نلوذ بقبر فلان وفلان، فلا نستعد لهم بقوة ولا نقاوم أعداءنا. نماذج استخدمت التقية ستاراً للكيد بالإسلام: إن من الأمثلة التي أظهرت التقية، وفعلت بالإسلام الأفعال النكراء: عبد الله بن سبأ، فقد تظاهر بالإيمان والإسلامي. وهو يهودي من يهود صنعاء، أسلم في زمن عثمان وانتقل إلى المدينة، وتظاهر بالزهد والخير، ولما علم أن في المدينة علماً وعلماء فلا مجال لدعوته، رحل إلى العراق فما وجد ما يريد فانتقل إلى الشام فلم يجد بغيته، ثم انتقل إلى مصر، حيث العلم هناك أقل في ذلك الوقت فجعل يبث سمومه وأفكاره وعقائده الفاسدة فمما كان يقوله للناس: عن الله سبحنه وتعالى قد أخبر في كتابه أن عيسى رفعه الله إليه، والرسول قد أخبر أن عيسى سينزل في آخر الزمان، فأيهم أفضل: عيسى أم محمد؟ قالوا: محمد أفضل من عيسى قال:إذن محمد سوف يرجع وهو أفضل؟! إنه سيرجع مرة ثانية. ثم قال لهم: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، فهل يعقل أن كل الأنبياء لهم أوصياء ومحمد ليس له وصي؟! قالوا كيف؟ قال: وصيه علي، وعلي هذا ظلم وهكذا ظل حتى ألب الناس على عثمان، وحصلت أكبر فتنة في تاريخ الإسلام، وهي قتل عثمان رضي الله عنه. لقد فتح باب القتل بعمر، ثم وسع بقتل عثمان، ولا تزال فتنته إلى اليوم. وبعد أن هدأت عاد ابن سبأ مرة أخرى، وجاء إلى اتباع علي رضي الله عنه وقال لهم:علام أنتم؟! علي إله، علي رب، وظل يحثهم حتى قالوا لعلي رضي الله عنه:أنت الله وقال قائلهم:أشهد ألا إله إلا حيدرة، وأن لا رسول إلا محمد الصادق الأمين، وأن لا حجاب إلا جبريل ذو القوة المتين، فأحرقهم علي رضي الله عنه بالنيران، فازدادوا بذلك تمسكاً وقالوا: لا يعذب بالنار إلا رب النار! فإذن أنت ربنا ورب النار!! ولما قتل علي رضي الله عنه قالوا: إنه لم يمت، ولكنه صعد إلى السحاب، وهو يأتي مع السحاب، وهذا الرعد هو صوته يئن ويتوجع من الظلم الذي وقع عليه. ولذلك كانوا إذا سمعوا صوت الرعد قالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين! وفي بعض البلدان يقولون: لبيك لبيك يا مولاي. نموذج حمدان قرمط: ومن هؤلاء الذين فتنوا المسلمين وآذوهم،: حمدان قرمط، الذي أسس دولة القرامطة بالأحساء شرق السعودية، وأول ما قدم من بلده(خوردستان) نزل في الحوفة، ثم تظاهر بالزهد والتقشف والورع زمناً، لم يتظاهر يوماً أو يومين أو سنة أو سنتين، بل تظاهر بذلك سنين حتى تمكن من نفسه، ودعا الناس إليه، وأنه مرسل من قبل الخليفة، أو من قبل إمام المسلمين والإمام المنتظر، ثم أقام دولة في البحرين حتى اتبعه أتباعه وأحفاده، وفي سنة 317هـ هاجموا مكة ودخلوها، وخلعوا الحبيب وأصحابه، وأخذوا يقتلون أهاليها ومن كان فيها من الحجاج، من الرجال والنساء، وهم متعلقون بأستار الكعبة. هؤلاء الذين يدعون الزهد والورع (حمدان وأتباعه) يقتلون المسلمين في الكعبة المشرفة ثم يرمونهم في (زمزم) حتى ملؤها بالجثث، عدد القتلى يزيد على 30.000قتيل وسبي من النساء والأطفال مثل ذلك، وأخذ الحجر الأسود ومكث عندهم أكثر من عشرين عاماً في الأحساء، أو في القصيم. وبعد ذلك كان يقول قائدهم هذا:
فلو كان هذا البيت لله ربنا *** لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة ظاهرية *** محملة لم تبق شرقاً ولا غرباً
وإنا تركنا زمزماً والصفا جنائزا *** لا تبقي سوى ربها رباً
ويقول: أنا بالله وبالله أنا *** يخلق الخلق ويفنيهم أنا
هكذا يتبجح بكفره، وهو يدعي قبل ذلك الإسلام والإيمان والخير. نموذج علي بن الفضل: وعندنا في اليمن كان علي بن الفضل، جاء في كتاب (غرة العلوم في تاريخ اليمن الميمون) أن علي بن الفضل كان شيعياً اثني عشرياً، حج بعض السنين، وزار قبر الحسين عليه السلام، فبكى عند بكاءً شديداً، وأظهر الأسف والكآبة، فلما رآه أحد القرامطة قال: هذا والله نستطيع أن فسده. (فجيء به إلى) ميمون القداح الفاطمي وهو يخدم الضريح والقبة؛ فوجهه إلى اليمن، فذهب إلى منطقة يافع، وجلس يعبد ويصوم ويزكي، يعتزل الناس في شعب من الشعاب، لا يريد أحداً أن يقربه، وظل على هذه الحال سنين، ثم بعد ذلك قال للناس: هاتوا لنا الزكاة نوزعها على الناس. فأعطوه إياها، فاشترى بها سلاحاً، وجند بها أناساً، حتى قادهم في حرب مع بقية الدويلات من حولهم، وغزا بهم حتى احتل صنعاء والجند. وهناك، إما في الجند أو في صنعاء جلس في المسجد أو على المنبر وأحد الشعراء ينشد بين يديه:
خذي الدف يا هذه واضربي *** وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم *** وجاء نبي بني يعرب
لكل نبي أتى شرعة *** وهاك شريعة هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة *** وحط الصيام فلم يتعب
ولا تقربي السعي عند الصفا *** ولا زال القبر في يثرب
أحل البنات مع الأمهات *** ومن فضله زاد حل الصبي
إلى أن يقول:
علام حللت لذاك الغريب *** وأنت محللة للأب
أليس الغراس لمن ربه *** وسقاه بالزمن المجدب
بعد ذلك الزهد والورع الذي ادعاه قتل آلافاً وفتك وأفسد، وأحل كل شيء حتى الأمهات والبنات واللواط، وما الخمر إلا كماء السماء. التصوف بوجه الباطني: وكما كان هناك باطنية التشيع والرفض كان هناك باطنية التصوف، حيث أولوا النصوص، وادعوا أن هناك أسراراً ورموزاً لا يعرفها غلا من وصل إلى درجات معينة كدرجة القطبية، ودرجة النجباء والأوتاد والأقطاب وغيرهم، وأن للدين شريعة ظاهرها عندنا وحقيقتها لا يعرفها إلا هم، وأن أهل الفقه والحديث هم أهل الظاهر، وأنهم هم أهل الحقيقة؛ فلذلك يأتون بالمنكرات، فإذا قيل لهم: كيف جئتم بهذا؟ قالوا: هذا من الحقيقة، أما أنتم شغلكم (حدثنا فلان عن فلان) و(رواه فلان) و(هذا حلال وهذا حرام) أنتم إذا كان علمكم ميتاً عن ميت، تأخذون العلم عن البخاري ومسلم والرواة قبلهم قد ماتوا.. فإن علمنا عن الحي الذي لا يموت مباشرة: حدثني قلبي عن ربي. ووجد منهم بعد ذلك من قال بوحدة سر الوجود أي أن الرب والعبد شيء واحد! الخالق والمخلوق واحد! حتى قال قائلهم:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسته
وأشار أحدهم إلى نفسه، وأخرج قميصه أو جبته وقال: ما في الجبة إلا الله! وقال بعضهم: أنا الله! وقال آخر لما سئل عن كراماته: ما كرامتك؟ قال: شيء قليل: أحيي وأميت! وأقول للشيء: كن فيكون!! أي أن أصول الغيب هذه التي لا يعلمها إلا الله، ومفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله، يعلمها هذا. وبعد ذلك يأتي من يبرر ذلك ويأول: هذا كلام لم يقل به أحد، كلام غير مقصود، أنتم تسيئون الظنون! بل إن هناك من يقول بأن الإنسان يترقى في الدرجات حتى ترفع عنه التكاليف، فلا صلاة عليه ولا صوم ولا يمتنع عن المحرمات، ويستدلون بقوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر:99] أي اعبد ربك مراراً حتى يأتيك اليقين، فتسقط عنك العبادات والطاعات. واليقين عندهم درجة (وهي المكاشفة) والصحيح أن اليقين هو الموت، اعبد حتى يأتيك اليقين. لقد نشأت هذه الأيام ناشئة بحثت عن كل تلك المخالفات وبثتها وطبعت كتبها ونشرتها بين الناس، وإذا قام أحد من الناس يجلي الصورة عن حقيقتها صاحوا في وجهه: أنتم تشككون الناس، أنتم توجدون الفتنة بينهم، أنتم تعملون على كره الناس لنا! وإذا ماسئلوا: ألستم أنتم الذين طبعتم مثل هذه الكتب.. لم تغضبون؟! قالوا: لا يقرأها إلا إناس مخصصون، ولا توزع إلا بين أناس معينين! (تذكير الناس) وقصص عجيبة: من تلك الكتب التي فيها قصص عجيبة: كتاب (تذكير الناس) لأحمد محجوب الهدار، له قبة في المكلا، يقول الكاتب أحمد زين عنه أنه كان له طالب من آل العبيد من الشحر، فأصابه (هم وكرب)، فذهب إلى أحمد محجوب، وقال: هذا هو الذي يفرج عنا هذا الكرب. قال فكوشف به الحبيب أحمد، فخرج يستقبله في الطريق، فلما رآه قال جئت (مهموماً مغموماً). قال له محجوب: هات (شالك) فأعطاه. قال: فتغيب وراء كثيب، ثم تغوط فيه وطواه، وقال له: خذ هذا ولا تفتحه إلا في الشحر. قال: فلما رجع إلى الشحر إذا به ذهب خالص!! أي أن هذه كرامة من كرامات الشيخ!!! ومن كراماته: أنه لا يرى امرأة إلا وقبص ثديها، قال: من أجل أن تذهب شهوة الزنا منها!! وأنه ذات يوم رأى امرأة مع زوجها فجرى وراءهما يريد أن يقبصها، وقال:"والله مالش عذر من قبصة أحمد". فصاح زوجها فيه، فقال: وأنت اسكت، هذه سوف تنجب أربعة يركبون الخيل، قال: فما دام الأمر كذلك (فلا مانع)!! ومثل هذا وأعظم فيه كثير. وهذا الفكر الذي نلمسه اليوم صار منتشراً، وترسل رسائل التهديد لمن يعارضه، فلماذا إذن كل هذا؟!.. من أجل أن يعود الناس إلى التوسل بالقبور والقباب وأكل التراب ونثره على رؤوسهم، ويعود على تقبيل الأعتاب والجدران والأبواب والركب والرؤوس والأقدام. يتفرسون في الناس - كما ذكرنا سابقاً - فيأتون إليهم من بابهم، يأتون إلى أهل السنة فيتظاهرون بالسنة، وصلاتهم وخطبتهم على السنة ويظلون هكذا عدة مرات، حتى إذا أحبوهم ووثقوا بهم، بدءوا يفعلون منكراتهم، بدءاً بالفاتحة مروراً بقبر، فبناء قبة.. الخ. نصح وليس حقداً: فهذا هو الذي يراد، ولسنا نقول هذا حقداً على أحد، ولا بغضاً في أحد، وليس بيننا وبين أحد عداوة شخصية؛ ولكن الأمر للبيان والله أمر به، والمسألة جد خطيرة. يجب أن ننصح بالتحذير من الأخطاء، نحن لا نريد أشخاصاً، ولا نسب أحداً، ولا نقصد معيناً لا طائفة ولا شخصاً، إنما نتقي ونحذر؛ حتى لا نؤتى على حين غرة ولا غفلة. الحمد لله أن الدور آت للسنة والتوحيد لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الناس رفضت تلك العقول وتلك الخرافات، والانخداع بالبدع، والخزعبلات التي لا تصدقها عقول الناس السليمة. لقد شبا لناس وبلغوا الرشد، لكن كثرة الدعاية أحياناً تؤثر في الناس على قاعدة: اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. فربما يصدق بعض الناس إذا كثر الكذب وسكت الدعاة عن بيان ذلك لهم. من أجل ذلك كانت هذه المحاضرة التي نسأل الله أن يزقنا فيها الإخلاص، وأن يتقبلها، وأن يجعلها نافعة لنا جميعاً.. إنه سميع مجيب. منبر علماء اليمن: http://olamaa-yemen.net/main/article...rticle_no=2689