بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَرَجَ الأَهْواءِ وَهَرَجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَعْمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهَا . آمِنَةً مِنْ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَغَلَبَةِ الأَهْوَاءِ وَاعْوِجَاجِهَا . ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ لِقَاءِ الأَرْوَاحِ عِنْدَ عُرُوجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا . وَالسِّرَاجُ الْمُنِيْرُ الْفَارِقُ بَيْنَ ضِيَاءِ الدِّينِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا . وَالآخِذُ بِحُجُزِ مُصَدِّقِيهِ عَنِ التَّهَافُتِ فِي النَّارِ وَوُلُوجِهَا . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلاتِهِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا فِي أَبْرَاجِهَا .... وَبَعْدُ ..
قَالَ مُسلِمْ فِي الصَحِيح (2682) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ . ح حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ زِرٍّ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَيَّ أَنْ " لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِق " .
تَخْرِيْجِ حَدِيثِ «لا يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ ، وَلا يُبْغِضُكَ إِلا مُنَافِقٌ » ..
التخريج .
أخرجه الحميدي (58) قال : حدثنا يحيى بن عيسى. و"أحمد" 1/84(642) قال : حدثنا ابن نمير. وفي 1/95(731) و1/128 (1062) قال : حدثنا وكيع. و"مسلم" 1/60(152) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، وأبو معاوية (ح) وحدثنا يحيى بن يحيى ، واللفظ له ، أخبرنا أبو معاوية. و"ابن ماجة" 114 قال : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا وكيع ، وأبو معاوية ، وعبد الله بن نمير. و"الترمذي" 3736 قال : حدثنا عيسى بن عثمان ، ابن أخي يحيى بن عيسى ، حدثنا أبو زكريا الرملي. و"النسائي" 8/115 ، وفي "الكبرى" 8433 قال : أخبرنا يوسف بن عيسى ، قال : أنبأنا الفضل بن موسى. وفي 8/117 ، وفي "الكبرى" 8432 قال : أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا وكيع. وفي "الكبرى" 8097 و8431 قال : أخبرنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا أبو معاوية .. فحديث بهِ سبعة أنفس عن الأعمش : [ عبيد الله بن موسى ، أبو معاوية الضرير ، يحيى بن سعيد ، أبو زكريا الرملي ، وكيع بن الجراح ، عبد الله بن نمير ، والفضل بن موسى . عن الأعمش , عن عدي بن ثابت , عن زر بن حبيش .. فذكر الحديث ] قلتُ : وهؤلاء كلهم ثقات رووه عن الأعمش وجاء الحديث من رواية شعبة بن الحجاج فأنكرها ابن أبي حاتم في العلل ، والحديث صحيح الإسناد حسن إسنادهُ من رواية أبي معاوية البزار في بحره الزخار ، وقال أنهُ احسنُ ما روي في هذا الوجه من رواية أبو معاوية ، وهي عند مسلم من رواية أبو معاوية الضرير عن وكيع بن الجراح ( معاً ) عن الأعمش في الصحيح فلا وجه لمن ضعفهُ .
دراسة الأسانيد .
قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى : [صحيح] .
قال الحافظُ الذهبي في سير أعلام النبلاء (2246) : [ غَرِيبٌ عَنْ شُعْبَةَ ، وَالْمَشْهُورُ حَدِيثُ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَدِيٍّ ، فمعناه أن حب علي من الإيمان ، وبغضه من النفاق ، فالإيمان ذو شعب ، وكذلك النفاق يتشعب ، فلا يقول عاقل : إن مجرد حبه يصير الرجل به مؤمنا مطلقا ، ولا بمجرد بغضه يصير به الموحد منافقا خالصا ، فمن أحبه وأبغض أبا بكر ، كان في منزلة من أبغضه ، وأحب أبا بكر ، فبغضهما ضلال ونفاق ، وحبهما هدى وإيمان ، والحديث ففي صحيح مسلم ] ، وقال رحمه الله تعالى في موضعٍ آخر عندما ذكر رواية منصور بن المعتمر : [ وَهَذَا وَقَعَ أَعْلَىَ مِنْ هَذَا بِخَمْسِ دَرَجَاتٍ فِي جُزْءِ الذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِ ] وقال رحمه الله تعالى : [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ] قلتُ : وهو أرجحها من رواية أبي معاوية ووكيع في صحيح مسلم وتبقى الحجة لمن أعلها في رواية عدي بن ثابت ( وتشيعهِ ) وهذا ليس بوجهٍ لإعلال الحديث فقد سبقنا بها أئمة هذه الصنعة وبينوا أن رواية عدي بن ثابت ليس فيها ما يضر وحسبك بقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء ، فلو كان يرى رواية عدي بن ثابت علة ، لردها وليست الرواية من خصائص علي بن أبي طالب فمحبة كل مؤمن من الإيمان وبغضهُ من النفاق ، وما أشد بغض الرافضة للشيخين فهذه علامة كفرهم ونفاقهم ولهذا فإنهُ لا وجه من إعلال الحديث بتدليس الأعمش وسنتطرق لهذه النقطة ، أو بتشيع عدي بن ثابت وسيتبين إن شاء الله .
وعند ابن ماجة من رواية 3 ثقات عن الأعمش (111) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي ، إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ " . قلتُ : وهذا من رواية ثلاثة ثقات عن الأعمش رحمه الله تعالى وهم ممن روى الحديث عنهُ ، وهو حديثُ صحيح الإسناد لم يضعفهُ احدٌ من أهل العلم الأوائل ولا الأواخر فكيف يضعفهُ طلبة العلم المبتدئين أمثالنا ..!! وقد رجح الدارقطني وابن أبي حاتم رواية وكيع وأبو معاوية عن الأعمش ويترجحُ عندنا كذلك رواية عبد الله بن نمير ( ثقة جليل ) عن الأعمش رحمه الله تعالى ، وعنعنته تحمل على الإتصال وقد غلط بعضُ طلبة العلم إذ فحش في رد روايته ووصفه ( التدليس عن الكذابين ) وهذا ليس في محلهِ أبداً ولا وجه لهُ .
وقد حسنهُ الترمذي قائلاً الجامع للترمذي (3699) : [ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ ].
بل حسنهُ البزار في البحر الزخار مسند البزار (530) : [ وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ ، بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ ] نسب بعض طلبة العلم أن البزار قد ضعف الحديث من غير رواية الأعمش ، وقد ظفرتُ برواية الأعمش الذي رواهُ عنهُ أبو معاوية في البحر الزخار وقد حسنهُ الإمام رحمه الله تعالى في مسنده المعلل ، وإن كنتُ غفلتُ عن إخراج البزار لغير رواية أبو معاوية الضرير عن الأعمش رحمه الله تعالى فأتمنى أن يضعها الأخوة ، وأبو معاوية من أخيار أصحاب الأعمش ويظهر لي أن الأعمش قد حفظهُ من كلام الأئمة وليس فيه ما ينكر عليهِ والمتن لا يخدمُ الرفض ولا أهله لعنهم الله .
وقال البغوي رحمه الله في شرح السنة (3818) : [ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ] ، وقال في موضعٍ آخر [ صحيح ] وقال ابن أبي حاتم في العلل : [ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الأَعْمَشُ عَنْ عَدِيٍّ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَلِيٍّ . وَقَدْ رَوَى عَنِ الأَعْمَشِ الْخَلْقُ ، وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِالأَعْمَشِ ، وَمِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ غَلَطٌ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ شُعْبَةَ كَانَ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ] قلتُ : والذي يظهر لنا من كلام أبي حاتم في العلل أن الحديث معروفٌ من رواية الأعمش رحمه الله تعالى عن عدي بن ثابت ، ويرويه جمعٌ من الرواة عن الأعمش فابن أبي حاتم رحمه الله تعالى نقل عن أبيه ترجيح رواية الأعمش دون إعلالها ، وقولهُ ( معروفٌ بالأعمش ) أي برواية الأعمش وقوله ( وقد روى عن الأعمش الخلق ) أي رواهُ عنهُ جمعٌ من أصحابه وأهلُ الاختصاص عنهُ رحمه الله .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - الحاكِم - : لا أَعْلَمُ فِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ زِرًّا غَيْرَ ابْنِ حُبَيْشٍ الأَسَدِيَّ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ . قال هبة الله اللالكائي في شرحهِ : وَاللَّفْظُ لِعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ . قلتُ : ولم نعلم أحد من أئمة الحديث أنكر هذا الخبر المروي في صحيح مسلم ، بل قال أبو نعيم الأصفهاني في الحلية : [ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ ، حَدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَوَاهُ الْجَمُّ الغفير عَنِ الأَعْمَشِ ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ] ورواية شعبة أنكرت عليه ، أنكرها عليه الدارقطني رحمه الله تعالى في العلل كما سيأتي ، وابن أبي حاتم وقد تقدم ، فالحديث صحيح لا شك في ذلك وسنناقش بإذن الله تعالى الاعتراضات على رواية مسلم في الصحيح والله الموفق .
تفرد الأعمش برواية الحديث عن عدي بن ثابت .
قلتُ : فالأعمش رحمه الله تعالى من الأثبات إمامٌ جليل أخرج لهُ الشيخين في الصحيح ، وهو ممن يحتمل تفردهُ برواية الحديث ، وإن إنفرد برواية الحديث عن عدي بن ثابت فقد رواهُ عنهُ خلقٌ كثير في جملتهم أوثقُ أصحابهِ فالذي أراهُ أن تفردهُ مما يحتمل لا مما ينكر عليهِ رحمه الله تعالى ، وقد عيب على الأعمش رحمه الله تعالى التدليس وسنذكر التدليس بإذن الرحمن في النقطة التي تليها ، ولابد أن نذكر ترجمتهُ ليعلم أن أهل الحديث ما إحتملوا تفرد الأعمش برواية حديث عن من فوقهُ إلا لإمامته في الحديث ولو كان مما أنكر على الأعمش الإنفراد بهِ لسبق طلبة العلم في هذا العصر أئمة الحديث المتقدمين ، وفي ترجمتهِ ما يثبتُ لنا إمامته في الحديث وحفظهِ وحسبك برواية الضرير عنهُ ووكيع بن الجراح وهم من الأثبات الثقات ، وإن كانت رواية الرملي عنهُ ضعيفة فغيرها يقوي الحديث عن الأعمش رحمه الله تعالى ، وقد ترجم لهُ الأعلام والسير زاخرة بترجمته رحمه الله تعالى :
قال الإمام الذهبي : [ أحد
الأئمة الثقات عداده في صغار التابعين ما نقموا عليه إلا التدليس ] .
وقال في التذكرة : [
الأعمش الحافظ الثقة شيخ الإسلام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي أصله من بلاد الري رأى أنس بن مالك وحفظ عنه وروى عن بن أبي أوفى وعكرمة وأبي وائل وزر وأبي عمرو الشيباني والمعرور بن سويد وإبراهيم النخعي وخلق كثير وعنه شعبة والسفيانان وزائدة ووكيع وعبيد الله بن موسى ويعلى بن عبيد وأبو نعيم وخلائق ، قال بن المديني له نحو من ألف وثلاثمائة حديث وقال بن عيينة كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض وقال الفلاس كان الأعمش يسمى المصحف من صدقه ، وقال يحيى القطان الأعمش علامة الإسلام ، وقال الحربي ما خلف الأعمش أعبد منه لله وقال وكيع بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ] وقد إنفرد المُعِلُ للحديث بقول تفرد الأعمش برواية الحديث ، ولم يذكر الوجه لذلك ، فلا إشكال في تفرد الأعمش ، وقد أخرج البخاري لأفراد كثير فهل نرد روايتهم لتفردهم في الصحيحين ، فالذي أراهُ أن التفرد ليس علةً تقدحُ برواية الحديث وإلا لزم رد كثير من أحاديث الصحيح ..!
قال المُعِلُ " عدي بن ثابت " شيعي بل رافضي ..!! وروايتهُ مردودة ..!!
قلتُ : وهذه غريبة ممن أعل الحديث بهذه الطريقة ، فإن كان من أهل الصدق (
فصدقهُ لنا ، وبدعتهُ عليه ) والأصل في رواية المبتدع إذا كان ضابطا ثقة القبول، سواء روى فيما يوافق بدعته أم لا، ما لم يكن قد كفر ببدعته، فحينئذ يرد لكفره، وعلى هذا الأئمة الحفاظ، فهم يخرجون للمبتدع إذا كان ثقة ثبتا، ويصححون خبره فلابد التفريق بين بدعة التشيع ( الخفيف ) وبدعة ( الرفض ) وقد تكلمَ صاحبُ الإعلال في التشيع الخفيف وإستغربتُ جعلهُ عدي بن ثابت من الرافضة الذين يرد حديثهم وهذا ليس في محلهِ ، وحديث عدي بن ثابت في الصحيح ولو كان رافضياً للزم أن يرد كلُ حديثهُ في الصحيح ، قال : [ وعدي بن ثابت ثقة وصفه بالتشيع الأئمة كابن معين والإمام أحمد وأبي حاتم ويعقوب بن سفيان، بل قال المسعودي:(
ما رأيت أقول بقول الشيعة من عدي بن ثابت) ، ومع هذا أخرج له الأئمة.بل قال بتوثيقه من وصفه بالتشيع وأخرج له فيما يوافق بدعته كالإمام أحمد بن حنبل والنسائي.وقد قال علي بن المديني:(
لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيع لخربت الكتب) ] قلتُ : وليس في أهل البدع أصحُ حديثاً من الخوارج ، فهم أصدقُ لهجةً من غيرهم في رواية الحديث قال الشيخ : [
وكلما تأخر العصر بأهل البدع، وتقادم العهد بهم، قل احترازهم في الرواية، وتحريهم للصدق، وذلك لظهور التعصب وقلة الديانة، فمن تقدم منهم أحسن حالا واحترازا ممن تأخر ] قلتُ : وهنا كلامٌ نفيس في هذا الأمر ، فعدي بن ثابت ممن حسن حالهُ ولم يعرف لهُ في روايته تناولٌ للشيخين رضي الله عنهما ، ولم يذكر أحدٌ من الأعلام عنهُ هذا أبداً ، فمسلم رحمه الله تعالى متحرِ ومدقق فيما يأخذ من الأحاديث ، ولم يخرج لهُ الإمام مسلم إلا لمعرفته رحمه الله تعالى بأن حديثهُ ليس فيه ما ينكر على عدي بن ثابت رحمه الله تعالى ، فالذي نقولهُ لمن يعل الحديث بتشيع بن ثابت هل من العقل أن يقال أن تشيع بن ثابت خفي على الإمام مسلم ولم يعرفهُ وعرفهُ غيرهُ من الأئمة أو عرفهُ ( طويلب العلم ) فأعل الحديث بتشيع عدي بن ثابت ، وهذا مما لا يحتملُ من أي وجهٍ من الوجوه أبداً .
قال الدارقطني : [ يرويه الاعمش عن عدي بن ثابت عن زر عن علي رواه أصحاب الاعمش عنه كذلك ، واختلف عن وكيع فرواه السري بن حيان عن وكيع عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي ووهم فيه والصحيح عن وكيع وغيره عن الاعمش عن عدي بن ثابت عن زر ورواه موسى بن إسماعيل الجبلي عن بن المبارك عن الاعمش عن عاصم عن زر عن علي ووهم فيه أيضا والصواب حديث عدي بن ثابت ] قلتُ : الدارقطني رحمه الله تعالى صحح حديث وكيع عن الأعمش وقولهُ ( غيرهُ ) يعني مثل عبد الله بن نمير وأبو معاوية الضرير عن عدي بن ثابت عن زر ، فلو كانت رواية عدي بن ثابت معلة لتشيعهِ فهل خفيت هذه العلة على الدارقطني وظهرت للأمين وغيرهِ ممن يضعفون الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أم أنها خفيت على الجهابذة وظهرت لطلبة العلم ولله وحدهُ المشتكى ، فالدارقطني يصحح الحديث ولا يعلهُ ، والقولُ قولهُ رحمه الله تعالى فلا ينظر بعدها لمن حاور تضعيف الحديث ورغم أن الحديث مما يحتج به الرويبضة أخزاهم الله تعالى إلا أن الحديث ليس فيه ما يثبت بهِ قول الرويبضة أو عقيدةٍ واحدة من عقائدهم فما أسفهم وما أضعف عقلهم يحتجون بما لا يملكون في كتبهم من كتب أهل الحق والدين ، ومع ذلك هو عليكم لا لكم أيها الأنعام .
فالتشيعُ ليس السبُ أو تناول الشيخين قال شيخ الإسلام ابن تيمية : [ مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بعلي وقدم قوم عليا وقوم توقفوا لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي وإن كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي ليست من باب الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ] وتعقب الحافظ الذهبي الإختلاف في تقديم عثمان على علي وهو ما إستقر عليه أهل السنة والجماعة ، فمن قدم علياً قال الحافظ : [ ليس تفضيل علي (على عثمان ) برفض ولا هو بدعة بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين فكل من علي وعثمان ذو فضل وسابقة ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان وإليه نذهب والخطب في ذلك يسير ] وفي مشيخة الأعمش عنهُ كزر بن حبيش من يقدم عثمان على علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ومنهم من قدم علي وكانوا متحابين متوادين فلله المشتكى كيف يردُ حديثٌ في الصحيح بهذه الطريقة الهوجاء ، أما يجبُ علينا التحري والتدقيق عند البحث نسأل الله تعالى السلامة فإنا نعلمُ يقينا أن مثل هذه الأخبار لا تخدم أهل البدع ( الكفرية ) بل إنها عليهم وحسبنا بمن جلس على ثغر حوارهم يصدُهم ويهاجمهم فجزاهم الله خيراً .
وحسبك بما قاله الشيخ أحمد شاكر في الباعث : [ والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم ويرى كثيرا منهم لايوثق بأي شيء يرويه فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ] ، وقد إعترض المعترض فرمي الأعمش بالتدليس وهذا ليس وجهٌ لإعلال الحديث فالأعمش من المكثرين وممن تحمل عنعنتهم على الإتصال خصوصاً في الصحيح ، ولابد من الإشارة في هذا الباب إلي قول الحافظ ابن حجر العسقلاني : [ ثقة رمي بالتشيع، ومرة: احتج به الجماعة وما أخرج له في الصحيح شيء مما يقوي بدعته ] ورواية مسلم ليست في بدعة عدي بن ثابت ، بل مثلهُ في الأنصار رضي الله عنهم أجمعين ، وليس الحديث من الخصائص فلا أعلمُ أحداً ينكرُ أن الولاء للمؤمنين من الإيمان ، والبراء من الكفار من الإيمان كما أن البراء من المؤمنين ( نفاق ) والبراء من الكافر إيمان فهل يجتمعان ، لابد من التنبه والله المستعان .
قال المعترضُ " الأعمش مدلس " وقد عنعن .
قلتُ : وعنعنة الأعمش في الصحيح محمولة على الإتصال ، وهذا ما ذهب إليه جمهور المحدثين كما أن الأعمش من المكثرين فإن عنعنته تحمل على الإتصال لكثرة حديثهِ وسماعهِ وهو خيرٌ من قتادة بن دعامة السدوسي وكلاهما من رواية الأعمش عنهم ( صحيح ) فالأعمش في المرتبة الثانية في المدلسين وهم من إحتمل الأئمة تدليسهم .
وفي الأخير الكلامُ حول متن الحديث ، قال المعلمي في التنكيل (1/48) : [ والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته ، فإن كان كل من اعتقد أمرا ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة ، وهذا باطل قطعا ، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل ، وإلا وجب أن لا يحتج بخبرة ألبتة ، سواء أوافق بدعته أم خالفها ] ، وقال الحافظ الجوزجاني : [ ومنهم زائغ عن القصد صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه إذ كان مخذولا في بدعته مأمونا في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة إلا أن يؤخذ منهم ما يعرف إذا لم يقوي بدعته فيتهم به عند ذلك ] ، وقد قال الشيخ المعلمي رحمه الله تعالى في التنكيل (1/51) : [ المروي المقوي لبدعة راويه ، إما غير منكر ، فلا وجه لرده فضلا عن رد راويه ، وإما منكر ، فحكم المنكر معروف ، وهو أنه ضعيف ، فأما راويه فإنه اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط ألبته ، وإن اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك ، وإن تردد الناظر ـ وقد ثبتت العدالة ـ وجب القبول ، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه وأوقف ] ولو كانت رواية عدي بن ثابت فيها ما هو لبدعتهِ لكان أئمة الحديث تفطنوا لمثل هذا وردوها قال الناقد : (( دين النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتمل الدنس ـ يعني الكذب )) قال سفيان الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/8) : (( إني لأحسب رجلا لو حدث نفسه بالكذب في الحديث لعرف به )) وقد قال شيخنا المعلمي في التنكيل (1/47) : [ ومن مارس أحوال الراوية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها ] قلتُ : لابد أن يؤخذ مثل هذا الكلام النفيس بعين الإعتبار ، رضي الله عن أئمتنا وعلمائنا وأعلامنا ، فوالله ما تركوا شيء إلا وقد تكلموا فيه وبينوه فرحمهم الله ورضي عنهم أجمعين .
وفي الختام تجدُ التعليقات على متن الحديث ورد شبه الرافضة في كثير من المواقع الجليلة :
( شبكة الدفاع عن السنة ، منتديات السرداب الإسلامية ، منتديات أنصار آل محمد ، موقع فيصل نور ، شبكة الدعاة إلي العلم النافع ) وغيرها من الشبكات الإسلامية التي عُنيت بالرد على الزنادقة الرافضة أخزاهم الله تعالى فجزاهم الله تعالى كل خير ونفع بهم ، وأجزل عليهم المثوبة الحسنة ، والرد على الشبهة في شبكة السرداب هنا . والله أعلى وأعلم .
وصلي اللهم وسلم على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كَتَبَهُ غفر الله لهُ ولمشيختهِ ولوالديه وأطال عمر والدته/
أبو زُرعَة الرازيّ
8/5/2012