بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه، وعلى آله وصحبه ومَن تبع هديَه ووالاه أما بعد :
كتبَ بعضُ طلبة العلم مبحثاً في قول البخاري ( وأرجوا أن يكون محفوظاً ) فضعفَ عدداً من الأحاديث نقلَ فيها قول البخاري رحمه الله تعالى ( أرجوا أن يكون محفوظاً ) وبغض النظر عن دراسة قولهِ ومعنى قول البخاري رحمه الله تعالى هذا في الأحاديث فإننا سنقومُ بدراسة حديث أخرجهُ الإمام مسلم في الصحيح حدثنا : " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبَا بَكْرٍ،وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ " .

دراسة أسانيد الحديث وتخريجهِ ....

# التخريج .
أخرجه أحمد 2/89(5624) قال : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا عُبَيد الله. وفي 2/138 (6223) قال : حدثنا نوح بن ميمون ، أخبرنا عبد الله. و"مسلم" 4/85 (3145) قال : حدثنا مُحَمَّد بن مهران الرازي ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب. و(اابن ماجة) 3069 قال : حدثنا مُحَمَّد بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا عُبيد اللهّ. والتِّرْمِذِيّ" 921 قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا عُبيد الله بن عُمر. و"ابن خزيمة" 2990 قال : حدثنا مُحَمَّد بن رافع ، ومُحَمَّد بن يحيى ، ومُحَمَّد بن سهل بن عسكر. قالوا : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عُبيد اللهّ. وفي (2991) قال : وحدثنا مُحَمَّد بن يحيى ، ومُحَمَّد بن رافع ، ومُحَمَّد بن سهل. قالوا : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعمر ، عن أيوب.
ثلاثتهم : عُبيد الله بن عُمر ، وعبد الله بن عُمر ، العُمَريان ، وأيوب عن نافع فذكر الحديث .
فرواهُ عبد الرزاق الصنعاني ورواهُ عنهُ : محمد بن مهران الرازي ، محمد بن يحيى الذهلي ، محمد بن سهل التميمي ، محمد بن رافع القشيري ، زهير بن محمد البغدادي ، إسحاق بن إبراهيم الدبري ، محمد بن أبان البلخي، والحسن بن علي الهذلي، ومحمد بن أبي عمر العدني ، عباس بن عبدالعظيم العنبري ، محفوظ بن أبي توبة عن عبد الرزاق الصنعاني فيكون الحاصل أن رواهُ عن عبد الرزاق الصنعاني عن بن عمر أحدَ عشرَ نفساً روتهُ عن عبد الرزاق الصنعاني وهذا من حديث نافع مولى بن عمر عن ابن عمر موصولاً وقد أخرجهُ الإمام مسلم في الصحيح من رواية الهذلي محمد بن يحيى ، وقد رواهُ عبد الرزاق الصنعاني عن عبيد الله بن عمر كما خالفهُ في روايته عن عبيد الله خالد بن الحارث ، ورواية مسلم عبد الرزاق الصنعاني عن معمر عن أيوب السختياني فذكرهُ ...

وقد خالف عبد الرزاق الصنعاني فرواهُ خالد بن الحارث كما في البخاري وعند مسلم وأبي داود من رواية حميد الطويل ومالك في الموطأ من رواية عبيد الله بن عمر حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. قَالَ : سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ الْمُحَصَّبِ , فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ , عَنْ نَافِعٍ. قَالَ : نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ ، وَعَنْ نَافِعٍ , أَنَّ ابْنَ عُمَرَ , رضى الله عنهما , كَانَ يُصَلِّى بِهَا - يَعْنِى الْمُحَصَّبَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (أَحْسِبُهُ قَالَ : وَالْمَغْرِبَ.ق الَ خَالِدٌ : لاَ أَشُكُّ فِى الْعِشَاءِ - وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.

# دراسة أسانيد الحديث .
الحديث قد رواهُ نافعُ مولى بن عمر رضي الله عنهُ ، وقد روي عنهُ بوجهين .
الأول : نافع عن ابن عمر موصولاً .
ثانياً : نافع دون ذكر ابن عمر مرسلاً .
أما الوجه الأول : فيرويهِ عبد الرزاق الصنعاني مرةً عن عبيد الله بن عمر موصولاً .
ويرويهِ مرةً كما عند مسلم في الصحيح عن مَعمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر موصولاً وهي أرجحُ .
والحاصلُ انهُ قد روي عن معمر عن أيوب عن نافع مولى بن عمر من رواية عبد الرزاق الصنعاني مرةً ، وروي عنهُ مرسلاً عند البخاري ومسلم وأبي داود ومالك في الموطأ ، فيكونُ الصنعاني قد حدث بهِ عن معمر ( موصولاً ) مرة وحدث بهِ خالد بن الحارث فرواهُ ( مرسلاً ) عن عبيد الله بن عمر وهي أرجحُ ، وقد رواهُ عبد الرزاق الصنعاني عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولاً قال البعضُ ان عبد الرزاق الصنعاني قد وهمَ عن عبيد الله بن عمر ورواية الصنعاني منكرة ..!!! وإعلم أن الشيخين قد ثبت عندهما الحديث مرسلاً من رواية خالد بن الحارث عن عبيد الله ، وموصولاً من رواية عبد الرزاق الصنعاني عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر وهذا ليس بنكارةٍ في الحديث فيعلَ بهذه الطريقة ...!!
قال الترمذي في العلل الكبير (231) : [ فَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ، قَالَ : قُلْتُ هُوَ صَحِيحٌ ؟ قَالَ : أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا , وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ] فحديث عبد الرزاق عن معمر في الصحيح عند مسلم فحديثهُ عن معمر موصولٌ عند مسلم وغيرهُ وما أعلَ على عبد الرزاق الصنعاني روايتهُ عن عبيد الله بن عمر ، فتفطن لذلك مسلم رحمه الله تعالى ورضي عنهُ فأخرجها من رواية عبد الرزاق الصنعاني عن معمر وليس عن عبيد الله بن عمر فهل غلط الصنعانيُ في روايته عن معمر كذلك لأن معمر إن كان غلط ففي أحاديث أهل البصرة وعبد الرزاق الصنعاني قد رواهُ عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى بن عمر عن ابن عمر موصولاً فإن أعل حديثهُ من رواية عبيد فروايتهُ عند مسلم من طريق معمر رحمه الله .

فيكون عبد الرزاق رواهُ مرةً عن :
1- عبيد الله بن عمر العمري ( والصحيحُ أنها مرسلة من رواية خالد ).
2- معمر عند مسلم في الصحيح ( وهي موصولة من رواية عبد الرزاق ) .
قال ابن رجب في شرح العلل (ص665): [ وقد خرج مسلم والترمذي حديث عبد الرزاق هذا وخرج البخاري حديث خالد بن الحارث المرسل ] قلتُ : وحديث عبد الرزاق عن معمر عند مسلم وهذا متنهُ وليس كما ذكرهُ الحافظ ابن رجب الحنبلي في العلل بل حديث مسلم : [ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ ] وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن عبيد الله بن عمر العمري فقال : [ سأل عن أيوب، وعبيد الله بن عمر، ومالك أيهم أثبت من نافع ؟ فقال عبيد الله اثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية ] ثم وإن سلمنا بضعف رواية عبد الرزاق الصنعاني عن عبيد الله بن عمر العمري عند الترمذي وأحمد بن حنبل وغيرهم ، فرواية الصنعاني عن معمر هي أرجح في صحيح مسلم وأستغربُ إنكار البعض أن يكون مسلم أخرجهُ مرةً موصولاً من رواية عبد الرزاق عن معمر ومرة عن صخر بن جويرية عن نافع مولى بن عمر مرسلة وهذا ما قالهُ الأخ الكريم ماجد العقل : [ ومسلم في صحيحه (3108)، وابن الجعد في مسنده (3017)، من طريق صخر بن جويرية البصري ] وأما البخاري اخرجهُ مرسلاً من رواية خالد بن الحارث عن عبيد الله بن عمر العمري ، ومسلم موصولةً من رواية عبد الرزاق الصنعاني عن معمر .
قال الترمذي في مختصر الأحكام : [ وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نُزُولَ الأَبْطَحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْا ذَلِكَ وَاجِبًا إِلا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاسِكِ فِي شَيْءٍ ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . التَّحْصِيبُ : نُزُولُ الأَبْطَحِ . وَيُقَالُ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ] فكيف يرجحُ المرسلُ على الموصول ألا يمكنُ أن يقال أن مسلم أخرجهُ مرةً موصولاً من رواية ( عبد الرزاق عن معمر ) ومرةً مرسلاً من رواية ( صخر بن جويرية ) وأخرجهُ البخاري مرسلاً من رواية خالد بن الحارث عن نافع مولى بن عمر مرسلاً فكلا الوجهين عندي يرجحُ فلا أرى ما ينمعُ حصول هذا عندهم .
وقد أخرج البيهقي أسانيد مسلم مرسلاً وموصولاً في السنن الكبرى فقال : [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ , عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ , عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً ، وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ , قَالَ نَافِعٌ : " قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ " ] فلا أعلمُ احداً أعل رواية مسلم عن صخر وعبد الرزاق أحدٌ من الأئمة الأعلام ولا أعلمُ أحدهم رجح المرسل على الموصول من رواية الصنعاني فكلاهما قد ورد بطرقٍ صحيحة ثابتة ، والذي أراه أن الصنعاني لم يخالف في المتن فأتى بما ينكر عليه وإن كان ابن رجب الحنبلي قد تكلم في بعض ما يرويهِ الصنعاني عن عبيد الله فلا يجري هذا مجرى كل الروايات عنهُ ..!!

أما الوجه الثاني : نافع مولى بن عمر مرسلاً .
وقد حدث بهِ عن نافع مرسلاً : ( مالك في الموطأ ) و مسلم من رواية ( صخر بن جويرية ) والبخاري من رواية ( عبيد الله بن عمر العمري فيما يرويه عنهُ خالد بن الحارث ) وعن أيوب رواية ( حميد الطويل ) .
أما رواية عبيد الله بن عمر فقد رواها عنه خالد بن الحارث عن نافع مرسلاً ، وقد أخرجها البخاري من روايته عن عبيد الله بن عمر العمري ولم يخرج رواية الصنعاني عنهُ موصولةَ ، بل إن الصنعاني قد حدث بها موصولةً من روايته عن معمر مباشرةً وسماع الصنعاني من معمر خارج البصرة فحديثهُ في اليمن ، وقد أخرجها مسلم ( مرسلة ) من رواية صخر بن جويرية فيكونُ مسلم قد ثبت عنده من رواية ( الصنعاني عن معمر موصولاً ) و ( وصخر بن جويرية عن نافع مرسلة ) والذي يظهر من صنيع مسلم رحمه الله تعالى أنهُ لم يخرج رواية الصنعاني عن عبيد الله بن عمر العمري لأنهُ يعرفُ أنها معلة ، بل أخرج رواية الصنعاني عن معمر ، كما أخرجهُ من رواية صخر بن جويرية عن نافع مرسلاً فيرجحُ الوجهين عند الإمام مسلم رحمه الله .

وقد قيل أن تفرد عبد الرزاق الصنعاني عن معمر لا يحتمل ، وهذا ليس في محلهِ لان معمر قد حدث بأحاديث أنكرت عليه في البصرة ورواية عبد الرزاق الصنعاني ( ثقة ثبت ) عنهُ راجحةً ، فرواية حميد الطويل عن أيوب ( مرسلا ) و معمر ( موصولاً ) فلا علةَ فيه لأنهُ قد يكون رجحت رواية معمر موصولة على رواية حميد الطويل مرسلةً لإخراج مسلم لها ، وقد قال البعضُ أنه أخرجها ( معلاً لها ) وهذا غريب فكيف يخرجها في الصحيح إن كانت عند مسلم معلولاً أصلاً .

وأما عن نافع فالراجحُ في هذا أن يكون روي مرسلاً من وجهٍ عنهُ ، وروي موصولاً وهذا محتمل وهو أقربُ عندي إذ ان الموصول عن معمر هي عند مسلم فيعلها طالبُ العلمِ فيكون قد بدا لهُ ما خفي على الإمام مسلم وهذا غريب فإن كانت معلة فلماذا لم يعلها مسلم ..!!! فرواهُ أربعُ ثقات عن نافع مرسلاً ، ورواهُ عبد الرزاق الصنعاني عن عبيد الله مرة وعن معمر موصولاً ورواية معمر عند مسلم فهي أرجحُ من رواية الصنعاني عن عبيد الله بن عمر .
وأما من رجح رواية حميد الطويل عند أبي داود على رواية معمر وكلاهما قد رواها عن أيوب فعبد الرزاق الصنعاني من الأثبات في أيوب وهو أثبتُ من عبد الأعلى وحماد عن معمر فيرجحُ رواية الصنعاني عن معمر عند مسلم ، وأخيراً أقول هل خفيت علةُ المرفوع عن نافع على مسلم وظهرت لطلبةِ علمٍ لم يسبقهم بتضعيفها أحدٌ من العالمين ...!!! والله أعلم .

وصلي اللهم وسلم على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

إن وجدَ خطأٌ فمن نفسي والشيطان الرجيم وإن أصبتُ فمن الرحمن الرحيم .

حرره /
أبو زُرعة الرازي