تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 34

الموضوع: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاديء )

  1. #1

    افتراضي الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاديء )

    ها قد أقبل الحج ـ بلغني الله و إياكم إياه و جعلنا من حجاج بيته ـ و العلماء في الحج لهم مذاهب و طرق ، و لعل أبرز مذهبين أو طريقين هو طريق التيسير ، و الطريق المقابل .
    و لحاجة الناس في هذا الزمن لتيسير فقد ذهب إليه جمع من العلماء الذين لا يُشك في علمهم و فقههم و لعل من أبرز من يطرح هذا الطرح و يشتد في الإنكار على من يخالف منهجه في التشديد على الناس في كتابه ( افعل و لا حرج ) و الذي قدم له بعض حهابذه العلماء أمثال : ابن جبرين و ابن بيّة و المنيع و غيرهم ، و لا يخفى تبني مؤسسة ( الإسلام اليوم ) لهذا المنهج ، فقط أصدروا كتابا قبل ( افعل و لا حرج ) و هو ( السكينة السكينة ) و قد أثار هذين الكتابين أصداء واسعة و جدلا كبيرا ما بين مؤيد و معارض .
    يقابل ذلك فريق اختار إتباع الدليل و التحري و التحوط في العبادة حتى تؤدى كما أداه رسول و الصحابة من بعده ، بينما عد القول الطرف المقابل تشددا و تنطعا في الدين ، و لماذا يُلجأ الناس إلى أضيق الطرق و قد وسع الله عليهم ، و الفريق الآخر يعبتر هذا تمييعا للدين و إماتة له ، و أن هذا الطريق مؤداه في نهاية المطاف تغيير شعيرة الحج و تاديتها على غير الوجه الذي أداه رسول ، و أنكم ايها المشايخ تتلاعبون بالدين ، و تنتقون منه تشاؤون و تدعون ما تشاؤون ، تتبعا للرخص ، و ابتعادا عن الدليل ، و قد جعلتم نصب أعينكم إرضاء الناس و التسهيل عليهم ، و ليس المراد من الشريعة التسهيل بل هو إتباع الدليل .
    هذا و قد صدر كتاب حديثا للشيخ فهد ابا حسين في الرد على كتاب الشيخ و قد قدم له المشايخ :
    الفوزان و الراجحي
    هذا هو الموضوع بين إيديكم و قد طرحت فيه كلا القولين ، و أنا اعلم ان الموضوع حساس ، و لكن لابد من طرحة ، و لا بد من حوار متزن مصحبٍ للأدلة ، و القواعد الشرعية الأصولية .
    و سأطرح بين الفينة بعض الأدلة لكلا الطرفين ، و لن أتبنى رأيا بعينة .
    وفقنا الله لما يحبه و يراه و جعلنا متبعين للحق و سائرين في أين ما سار .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    61

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    هل كتاب أبا حسين مطبوع وأين أجده؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    178

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى القرني مشاهدة المشاركة
    هل كتاب أبا حسين مطبوع وأين أجده؟
    نعم نفس السؤال

  4. #4

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    الكتاب موجود و مطبوع و قد رأيته مع احد الاخوة ، و لكني بحثت عنه في العبيكان و الرشد فلم اجده فقد يكون الكتاب جديدا و لم يوزع توزيعا جيدا ، و اتوقع انه يوجد في التدمرية


    شكرا لكم و بإنتظار تعليقاتكم حول الموضوع

  5. #5

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    محاضرة للشيخ عبدالكريم الخضير

    المسائل المشكلة في الحج :


    http://alkhadher.islamlight.net/index.php

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    الكتاب طبعته دار المحدث ، ويباع لديهم بِـ ( 7 ) ريالات ، وليس الآن في التدمرية .

  7. #7

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    جزاك الله خيرا و بالفعل بحثت عنه في التدمرية فلم اجده .


    و لعلنا نستمتع بمشاركة الاخوة و اثرائهم للموضوع

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    139

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن النافع مشاهدة المشاركة
    هذا و قد صدر كتاب حديثا للشيخ فهد ابا حسين في الرد على كتاب الشيخ سلمان و قد قدم له المشايخ :
    الفوزان و الراجحي و السعد .
    بارك الله فيكم.
    لكن هل جاء الكتاب بالفعل رداً على كتاب الشيخ سلمان ؟
    أعني هل صرح المؤلف بذلك ؟ أو تعقب ما جاء في الكتاب المشار إليه تصريحاً أو تلميحاً ؟

    ثانياً: التيسير ليس مذموماً دائماً ؛ بل قد يكون التيسير أحياناًً عزيمةً أصلاً وليس رخصة.
    وفي المقابل فإن الأخذ بالدليل ليس تشديداً أبداً ، لأننا نكون في المقابل أمام فريقٍ قد عملوا بما يخالف الدليل وهو غير مشروع ، وبين هذا وذاك إثبات ما يقتضيه الدليل أصلاً ، ودون ذلك خرط القتاد !
    قلتُ هذا لأني رأيتك أخي الكريم عبد الرحمن قد قسمت الفريقين إلى ميسرين من جهة ومتبعين للدليل من جهة أخرى . وهذا التقسيم لو ثبتَ لكفى به مرجحاً للفريق الآخر ؛ لأنهم عندها قد قابلوا قوماً يسّروا ولو مخالفةً للدليل وهذا مذموم بلا شك.
    وفقكم الله لما يحب ويرضى.
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد العامري مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم.
    لكن هل جاء الكتاب بالفعل رداً على كتاب الشيخ سلمان ؟
    أعني هل صرح المؤلف بذلك ؟ أو تعقب ما جاء في الكتاب المشار إليه تصريحاً أو تلميحاً ؟
    بل صريحاً ،
    وقفات مع كتاب ( افعل ولا حرج ) وصرح باسم الشيخ سلمان وابن بيه .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    139

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله المزروع مشاهدة المشاركة
    بل صريحاً ،
    وقفات مع كتاب ( افعل ولا حرج ) وصرح باسم الشيخ سلمان وابن بيه .
    جزاكم الله خيراً.
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

  11. #11

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    جزاك الله خيرا اخي عبدالله ، و أنا لم أقرأ الكتاب لأني لم أجده، و إنما رأيت الغلاف و قد صرح فيه بإسم كتاب الشيخ سلمان .

    اخي خالد : أنا لم أتبنى رأيا دون الآخر و قد ذكرت هذا في بداية الموضوع ، و أما ما اقتبسته من كلامي فإني لم أقصد ما تطرق إلى ذهنك ، و لكن أهل أهل التيسير يصرحون بأنهم يريدون التيسير للأمة ، بينما غيرهم يقول : إن الشريعة من الأصل ميسرة فلا حاجة للبحث عن الرخص ، و لا أقصد أن فريقا متبعا للدليل بينما غيره لا يتبعه ، حاشاهم ، فالكل معه دليله ، و لكن أي المنهجين أصح و أصوب .

    و هذا ما طرحته للأخوة ليتناقشوا فيه ممن هم أقدر مني في الخوض في هذا الموضوع .

    جزاكم الله خيرا .

  12. #12

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    مقالا حول رمي الجمار :

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد
    فإن رمي الجمار من شعائر الحج الظاهر ، والمراقب لحال المسلمين اليوم عند أداء هذه الشعيرة يرى مالا يحمد ، وسأشارك في هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:


    النقطة الأولى : حكم الرمي .
    حكم الرمي الوجوب من تركه أو ترك بعضه وجب عليه دم .


    النقطة الثانية :
    الوقت في رمي جمرة العقبة وقتان : وقت فضيلة ،ووقت صحة كما هو مذهب الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى ، فمن رمى بعد منتصف الليل فذلك وقت صحة . ومن رمى بعد طلوع الفجر فذلك وقت فضيلة ، وأما بعد طلوع الشمس فذلك الأولى ، ويستمر الوقت حتى غروب الشمس ،ومن العلماء من مدده بالليل الذي بعده وهو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من قال إذا لم يرمي في اليوم الأول رمى في اليوم الثاني عند زوال الشمس ، والوقت في الأيام الباقية هو من الزوال إلى غروب الشمس ،واختلف العلماء في الرمي في الليل فذهب بعضهم إلى أن الليل تابع للنهار ،وذهب بعضهم إلى أنه لا يرمي حتى يكون نهاراً أي في اليوم الثاني ، وذهب بعض العلماء إلى أن الأيام الثلاثة هي وقت أدى فمن رمى في اليوم الثالث عشر يكون قد أدى ، وبالتالي لا يجب عليه دم على أن يرتب الرمي بالنية أي أن يرمي في اليوم الأول والثاني ....إلخ هذا هو وقت الرمي.


    النقطة الثالثة : الرمي قبل الزوال
    من رمى قبل الزوال في اليوم الثالث عشر لينفر فإنه لا بأس في ذلك على مذهب أبي حنيفة . أما في اليوم الثاني عشر إذا كان يريد النفرة فهو قوله أيضاً ،لكن في اليوم الأول أي اليوم الحادي عشر فإن القول ضعيف جدا ً، فمن دعته حاجته إلى الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الظهر . فعسى أن لا يكون بذلك بئس . لكن الأولى هو الذي عليه جمهور العلماء أن يرمي بعد الزوال ولو ليلاً ، وهذا هو الأولى وهو الذي يجب المصير إليه إلا لضرورة أو حاجة تلامس الضرورة.


    النقطة الرابعة : توسيع الحوض والرمي قريباً منه
    الظاهر أنه لا ينبغي أن يرمى خارج الحوض هذا مذهب جماهير العلماء ، فإذا وقع الرمي خارج المرمى فإنه يكون باطلاً . وبالتالي فإن هذا الأمر من التعبديات التي لا بأس بها .
    وقريب الحوض لم أرى من العلماء من قال أنه كالرمي في الحوض ، وإن كان العلماء يذكرون قاعدة في غير هذا المحل وهي قريب الشيء كهو . وهي قاعدة خلافية فرعت عليها كثير من الفروع جاءت بها كثير من أحكام الفرائض كما قال الزقاق في قواعده ( قريب الشيء كهو ) ، فهي قاعدة معروفة وضعت عليها أقوال كثيرة لكن لا أعرف تفريع هذه المسألة عليها .


    النقطة الخامسة : توكيل الضعفة ونحوهما
    المريض والضعيف يوكل على اختلاف بين العلماء هل يجب عليه دم مع التوكيل كما هو في مذهب مالك ، ويسقط عنه الإثم ،أو لا يجب عليه دم ،وهو الأولى ،وبخاصة في الزحمة في هذا الزمان . والأولى للضعفة أن يوكلوا.
    وأما الرمي في الليل ذكرنا أنه يجوز على مذهب بعض العلماء وأن الأمر واسع إن شاء الله لقوة الخلاف ،ولأن رجلاً قال رميت حين أمسيت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج . الحديث .
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  13. #13

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    مقدمة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين لكتاب الشيخ السلمان ، و فيها إضافات مهمة لم ترد في كتاب الشيخ :

    مقدمة سماحة الشيخ
    عبـدالله بـن عبـدالرحمــن بـن جــبريــن
    عضو الإفتاء سابقًا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    فقد سمعت هذه الرسالة الموسومة بـ«افعل ولا حرج»، بقراءة كاتبها فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة وفقه الله( )، وسرني ما تتضمنه من التسهيل والتوسعة على الحجاج؛ بحيث إن الكثير يتعرضون للزحام الشديد والمضايقات، والتي قد تؤدي إلى الوفيات، وإلى الأضرار، وإلى الصعوبة التي تشغل الحاج عن أهمية العبادة، وعن الحكمة والمصلحة التي شرعت لأجلها تلك العبادة، كما فصله الكاتب وفقه الله.
    وهذا ما تطمئن إليه النفس في هذه الأزمنة التي تحدث فيها الوفيات، وزهوق الأرواح المحترمة، فنوصي بالتمشي مع هذه التسهيلات، فـ«إن الدين يسر - كما قال رسول الله ^ - ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا»( ). وعلى ما ذكر الله تعالى:
    * •   •  & [الشرح:5].
    وقد أضفت خمسة تعليقات هي:
    (1) الوقوف بعرفة يجزئ أية ساعة ليلًا أو نهارًا، من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر يوم النحر، كما يدل عليه حديث عروة بن مُضَرِّس ا مرفوعًا: «من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تفثه»( ).
    (2) نمرة داخلة في حدود عرفة، وعرفة واسعة جدًّا، وكذلك عُرنة (بالنون)، كما قال ^: «عرفة كلها موقف، إلا بطن عرنة»( ). وقال ^: «وارفعوا عن بطن عرنة»( ).
    والوادي هو المنخفض الذي نهى النبي ^ عن الوقوف فيه.
    وتمتد عرفة شمالًا نحو خمسة كيلومترات، وكانت حدودها قديمًا إلى نخل يسمى نخل بني عامر، ولكنه زال الآن.
    وتمتد شرقًا إلى الجبال الشاهقة الرفيعة، وغربًا إلى الجبال أيضًا، وجنوبًا إلى الجبال المنخفضة الممتدة.
    (3) الاحتياط في التحلل الأول أن يكون باثنين من ثلاثة، كما ذكره الفقهاء، ومنهم الشيخ ابن باز / في «التحقيق والإيضاح»( )، وهو الذي يترجح لي.
    (4) السعي قبل الطواف جاء فيه حديث: سعيت قبل أن أطوف، قال: «لا حرج»( ). وقد اختلف العلماء في صحته.
    والأقرب جواز تقديم السعي على الطواف إذا كانا في يوم واحد، حيث إن ظاهر الحديث يدل على أن السائل طاف وسعى في يوم واحد، وهو يوم النحر.
    (5) أرى توسعة وقت الرمي للجمرات، وأنه ضروري في هذه الأزمنة، وفي الأزمنة السابقة كان الرمي يسيرًا، ولا مشقة فيه، أما الوقت الآن فقد تغير.
    وأسأل الله التوفيق والهداية والقبول للمسلمين جميعًا، إنه جواد كريم.
    وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم..
    أملاه:
    عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين
    27 / 8 / 1427هـ

  14. #14

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    نقض دعاوى من استدل بيُسر الشريعة
    على التيسير في الفتاوى
    تأليف
    الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب الشريف
    الطبعة الأولى
    1423 للهجرة – 2002 للميلاد
    جميع حقوق النشر و التأليف محفوظة للمؤلف

    للحصول على نسخه من الكتاب


    تقديم

    الحمد لله و كفى و صلاةً و سلاماً على عباده الذين اصطفى ، و بعد :

    ففي أوج انتشار منهج التيسير في الإفتاء ، عمَد بعض الميسِّرين إلى تكلّف إيجاد مرجعيّة شرعيّة ، و تأصيل منهجيّة فقهيّة فجّةٍ ، تعمَد إلى ما في نصوص الوحيين ، و كلام السابقين ، من أدلّة على أنّ الدين يُسرٌ لا مشقّةَ فيه ، و تتذرّع بها لتبرير منهجها في إختيار أيسر المذاهب ، و الإفراط في التيسير في الفتاوى المعاصرة ، إلى حدٍّ يبلغ حافّة الإفراط ، و يخشى على من وَقَعَ في أن يصير إلى هاوية الانحلال من التكاليف أو بعضها ، أو القول على الله بغير علم ، بتقديمه ما يستحسنه بين يدي الله و رسوله .
    و قد تأمّلت أدلّة القوم النقليّة ، فإذا هي آيات مُحكمات ، و أخبار صحيحة ثابتة ، غير أنّي لم أجد فيها دليلاً على ما ذهبوا إليه ، بل بعضها يدلّ على خلاف مذهبهم ، و رأيت من المناسب بيان ما بدا لي في هذا الباب على عُجالةٍ ، في هذه المقالة الوجيزة ، من خلال مقصِدَين و خاتمة .


    --------------------------------------------------------------------------------

    المقصد الأوّل
    نصوص التيسير من الكتاب و السنّة

    استدل دعاةُ التيسير بعموم النصوص الدالّة على أنّ التيسير و رَفع المشقّة مقصد من مقاصَد التشريع الإسلامي ، كقوله تعالى :
     يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  [ البقرة : 185 ] .
    و غفلوا عن الآية التي قَبلَها ، و فيها رَفعُ رُخصة الفطر في رَمضان مع الكفّارة لمن قدِرَ على الصوم ، و هو ما ثبتَ بقوله تعالى في الآية السابقة لها :  وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ  [ البقرة : 184 ] .
    رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ  وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ  ، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر و يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا.
    قلتُ : و هذا من قبيل النسخ بالأشد ، و هو من التشديد و ليس من التيسير ، في شيءٍ ، فتأمّل !
    و مثل ذلك استدلالهم بقوله تعالى :  وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  [ الحج : 78 ] ، متغافلين عن صدر الآية ذاتها ، و هو قوله تعالى :  وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ  مع أنّه لا مشقّة تفوق مشقّة الجهاد و التكليف به ، فبقي أن يُحمل رَفع الحرج على ما رُفِعَ بنصّ الشارع الحكيم سبحانه ، لا بآراء المُيَسّرين .
    و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما ، و أبو داود في سننه , و أحمد في مسنده ، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها ، قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ،‏ مَا لَمْ يَأْثَمْ ،‏ فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ ) .
    و ما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه ، و مسلم في الجهاد و السير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : «‏ يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ،‏ و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا »‏ .‏
    و في روايةٍ للبخاري في كتاب الأدب : «‏ يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ،‏ و سَكِّنُوا و لاَ تُنَفِّرُوا » .
    و روى مسلم و أبو داود عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ : «‏ بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا »‏ .‏
    قلتُ : جميع ما تقدّم من نصوص الوحيَين ، و كثيرٌ غيره ممّا يقرّر قيام الشريعة الغرّاء على اليُسر و نفي الضرر ، و رفع الحَرَج ، فهِمَه الميسّرون على غير وجهه ، و حمّلوه ما لا يحتمل ، متعنّتين في توجيهه لنُصرة شُبهَتهم القاضيةَ بجَعل التيسير في الفتوى منهاجاً رَشَداً ، و فيما يلي نقضُ غَزلهم ، و كشف شبههم إن شاء الله :
    أوّلاً : ثمّة فرقٌ لغويٌ بين اليُسر و التيسير ، فاليُسر صفةٌ لازمةٌ للشريعة الإسلاميّة ، و مقصدٌ من مقاصدها التشريعيّة جاء به الكتاب و السنّة ، و أنزله النبيّ صلى الله عليه وسلم و السلفُ الصالحُ منزلَتَه ، أمّا التيسير فهو من فِعل البشر ، و يعني جَعلَ ما ليس بميسَّرٍ في الأصل يسيراً ، و هذا مَوطِنُ الخَلل .
    ثانياً : إن اختيار النبيّ صلى الله عليه وسلم للأيسر في كلّ أمرين خُيِّرَ بينهما ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدّم فيه أربع نكات لطيفةٍ :
    النكتة الأولى : أنَّ الاختيار واقع منه صلى الله عليه وسلم فيما خُيّر فيه ، و ليس في كلّ ما أوحيَ إليه أو كُلّف به ، هو أو أمّته ، و مثال ذلك الاختلاف في صيَغ الأذان ، و تكبيرات العيد ، و ما إليه حيث لا يعيبُ من أخَذ بهذا على من أخذَ بذاك من العلماء ، لثبوت الروايات بالأمرين كليهما .
    و الثانيّة : تقييد التخيير بما لم يكُن إثماً ، و لا شكّ أنّ العدول عن الراجح إلى المرجوح ، أو تعطيل ( و من باب أولى رد ) ما ثبت من الأدلّة الشرعيّة إثمٌ يُخشى على صاحبه من الضلال ، فلا وَجه لاعتباره من التيسير المشروع في شيء .
    و الثالثةُ : أنّ التخيير المذكور في الحديث يُحمل على أمور الدنيا لا الدِّين ، و هذا ما فهمه أهل العِلم قَبلَنا ، و قدّ أمِرنا بالردّ إليهم ، و منهم الحافظ ابن حجر ، حيث قال رحمه الله في الفتح : ( قولُه بين أمرين : أي من أمور الدنيا. لأن أمور الدين لا إثم فيها ... و وقوع التخيير بين ما فيه إثم و ما لا إثم فيه من قِبَل المخلوقين واضح ، و أمَّا من قبل الله ففيه إشكال ؛ لأن التخيير إنما يكون بين جائِزَين ) [ فتح الباري : 6 / 713 ] .
    و النكتة الرابعة و الأخيرة : أنّ هذا الخبر ما لم يُقيّد بما سبق سيكون معارضاً باختيار النبيّ صلى الله عليه وسلم الأشقَّ على نفسه ، كقيامه الليل حتّى تتشقق قدَماه مع أنّ الله تعالى قد غَفَر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر . قال الحافظ في الفتح : ( لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم أمكن ذلك بأن يخيره بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض ما يخشى مع الاشتغال به أن لا يتفرغ للعبادة مثلاً ، و بين أن لا يُؤتِيَه من الدنيا إلا الكفاف ، و إن كانت السعة أسهل منه ، و الإثم على هذا أمر نسبي ، لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة له ) [ فتح الباري : 6 / 713 ].
    ثالثاً : لا تكليف بدون مشقّة ، و إن كانت المشقّة الحاصلة بكلِّ تكليفٍ بحَسَبه ، و هي متفاوتة ، فإذا جاز لنا تخيّر أيسر المذاهب دفعاً لكلّ مشقّةٍ ، ترتّبَ على ذلك إسقاط كثيرٍ من التكاليف الشرعيّة ...
    قال الشاطبي رحمه الله : ( المقصد الشرعي مِن وضْع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً ) [ الموافقات : 2 / 128 ] .
    و قال الإمام شمس الدين ابن القيّم رحمه الله : ( لو جاز لكل مشغول و كل مشقوق عليه الترخيص ضاع الواجب و اضمحل بالكلية ) [ إعلام الموقعين 2 / 130 ].
    و قال أيضاً في مَعرض كلامه عن رُخَص السفَر : ( إنَّ المشقة قد عُلِّقَ بها من التخفيف ما يناسبها ، فإن كانت مشقة مرض و ألم يُضِرُّ به جاز معها الفطر و الصلاة قاعداً أو على جنب ، و ذلك نظير قصر العدد ، و إن كانت مشقّةَ تعبٍ فمصالح الدنيا و الآخرة منوطةٌ بالتعب ، و لا راحة لمن لا تعب له بل على قدر التعب تكون الراحة فتناسبت الشريعة في أحكامها و مصالحها بحمد الله و مَنِّه ) [ إعلام الموقعين 2 / 131 ] .
    قلتُ : فمن آثر الراحة و الدعةَ في مقام الجدّ و النصَب ، فقد خالف الصواب ، و غَفَل عمّا أريد منه ، و ما أنيط به ، و لو كان في البعد عن الجدّ و الجَهد في الطاعة بدون مرخّصٍ شرعيٍ مندوحةٌٌٌ لغير ذوي الأعذار ، لما قال تعالى لخير خلقه ، و أحبّهم إليه : ( فإِذا فَرَغْتَ فانْصَبْ ) [ الانشراح : 7 ] .
    رابعاً : ما ورد في التحذير و التنفير من التشديد و التعسير و المشاقّة و التنطّع ، و التعمّق - و ما إلى ذلك - على النفس و الغير ، لا يدلُّ على التخيير ( أو التخيُّر ) في الأحكام الشرعيّة ، لدلالة النصوص على التكليف بالأشدّ في مواضع كثيرة ، و لأنّ النسخ بالأشد ممّا جاءت به الشريعة بالاتفاق ، فضلاً عن حمل جمهور أهل العلم لنصوص النهي عن التنطّع و نحوه على ما كان فيه مجاوزة للمشروع ، كالوصال في الصيام ، فهو ممّا نُهي عنه ، و إن كان مقدوراً عليه بدون مشقّة ، بخلاف الصوم المشروع فلا يسقط عمّن وجَبَ عليه حتى و إن ثبتت مشقّته ، ما دام مقدوراً عليه ، و قد تقدّم ذكر بعض أقوال أهل العلم في أنّ الأصل في التكليف ، أنّه قائمٌ على المشقّة المقدور عليها .
    قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( التشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ، و لا مستحب ، بمنزلة الواجب و المستحب في العبادات ، و تارةً باتخاذ ما ليس بمُحرَّم ، و لا مكروه ، بمنزلة المحرم و المكروه في الطيبات ، و عُلِّل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى ، شَدَّد الله عليهم لذلك ، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة ، و في هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لِمِثْل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة ، و إن كان كثير من عُبَّادِنا قد وقعوا في بعض ذلك ، متأولين معذورين ، أو غير متأولين و لا معذورين ) [ اقتضاء الصراط : 1/103 ] .
    و قال ابن القيّم رحمه الله : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين ، و ذلك بالزيادة على المشروع ، و أخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه ؛ إما بالقدر ، و إمَّا بالشَرْع ؛ فالتشديد بالشرع كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل ، فيلزمه الوفاء به ، و بالقدر كفعل أهل الوسواس ، فإنهم شدَّدوا على أنفسهم ، فشُدِّدَ عليهم القدر ، حتى استحكم ذلك ، و صار صفةً لازمة لهم ) [ إغاثة اللهفان : 1/132 ] .
    و لا يقال : إنّ أحكام الشريعة تتدرّجُ من الأشدّ إلى الأيسَر ، و لا من الأيسر إلى الأشد ، باضطراد ، لأنّها اشتملت على الأمرين معاً ، و هذه المسألة مبسوطة في مباحث النسخ في كتب الأصول ، و الأمثلة عليها كثيرة من الكتاب و السنّة ، و من استقرأها وقفَ على حقيقةٍ مفادها أنّ التدرّج من الأيسر إلى الأشدّ هو الغالب في النَسخ ، و هو ما يصلحُ دليلاً على نقيض ما ذهَب إليه دعاة التيسير ، و مؤصّلوه في هذا الزمان .
    لقد جاء الشرع بالتشديد بعد الترخيص في مواضع منها ما تقدّم ذِكره من إيجاب الصيام على كلّ مكلّّف بعد أن كان على التخيير في حق من يطيقه .
    و نحو ذلك ما جاء في تحريم الخمر من التدرّج من الأيسر إلى الأشد ، حيث كان مباحاً على الأصل ، ثمّ نزلت الآية لتفيد كراهته بالإشارة على رُبُوِّ إثمه على نفعه ، ثمَّ حرّم أثناء الصلاة خاصّة ، ثمّ نزل تحريمه في الكتاب ، و حدُّ شاربه في السنّة .
    و كذلك الحال في تشديد حدّ الزنا من الإيذاء باللسان و اليد ، إلى حبس الزواني في البيوت حتى يأتيهن الموت أو يجعل الله لهنّ سبيلاً ، ثمّ الجلد للبكر ( و التغريب في بعض المذاهب ) ، و الرجم للمحصن .
    و نحوه ما كان من النهي عن الجهاد في أوّل الأمر ، ثمّ الإذن فيه ، ثم إيجابه على غير ذوي الأعذار بعد الهجرة .
    و الأمثلة غير ما ذكرنا على أن الشرع الحنيف جاء بالتدرّج في التشريع من الأيسر إلى الأشدّ كثيرة ، و لو أردنا تتبُّعَها ، وذِكرَ أدلّتها و ما يتفرّع عنها من مسائل و أحكام ، لطال بنا المقام ، قبل أن نصير إلى التمام (1) .
    و هذا يدلّ على نقيض ما تذرّع به الميسِّرون ، يسَّر الله لنا و لهم سُبُلَ الهدى ، و وقانا مضلات الهوى و موارد الردى .
    فإذا أضيف إليه ما قرّرناه آنِفاً ، من بُطلان استدلالهم بنصوص الوحيين على الجنوح إلى التيسير على وجه التخيير ، ظهر لنا الحق الصريح ، و هو إغلاق باب الاجتهاد في مورد النص الصحيح ، و وجوب الردّ إلى الله تعالى و رسوله على وجه التسليم و القبول ، و الله أعلَم و أحكَم .


    --------------------------------------------------------------------------------

    المقصِِِد الثاني
    أقوال السلف في اختيار أيسَر المذاهب

    تذرّع دعاة التيسير في العصر الحديث بما روي عن السلف و الأئمة المتّبعين بإحسان ، من استحباب الأخذ بالرُخص .
    و من ذلك ، قول قتادة رحمه الله : ( ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم ) [ انظره في : تحفة المولود ، ص : 8 ] .
    و قول سفيان الثوري رحمه الله : ( إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد ) [ آداب الفتوى للنووي ، ص : 37 ] .
    و قول شيخ الإسلام ابن تيميّة : ( إذا فعل المؤمن ما أُبيح له قاصداً العدول عن الحرام لحاجته إليه فإنّه يثاب على ذلك ) [ مجموع الفتاوى : 7 / 48 ] .
    و قول ابن القيّم : ( الرخص في العبادات أفضل من الشدائد ) [ شرح العمدة : 2 / 541 ] .
    و قول الكمال بن الهمّام في التحرير : ( إنّ المقلّد له أن يقلّد من يشاء ، و إن أخذ العاميّ في كلّ مسألة بقول مجتهد أخفّ عليه ، لا أدري ما يمنعه من النقل أو العقل .
    و كون الإنسان يتتبّع ما هو الأخفّ عليه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ، ما علمت من الشرع ذمّه عليه ، و كان صلى الله عليه وسلّم يحبّ ما خفّف عن أمّته ) .
    و قول الشاطبي : ( المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور ، فلا يذهب بهم مذهب الشدة ، و لا يميل إلى طرف الانحلال ، و الدليل على صحة هذا أنَّه الصراط المستقيم ، الذي جاءت به الشريعة ، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف ، الحملُ على التوسط من غير إفراطٍ و لا تفريطٍ ، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع ، و لذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموما عند العلماء الراسخين ) [ الموافقات : 4 / 285 ] .
    إلى غير ذلك ممّا وقفوا عليه فاحتجّوا به ، أو غاب عنهم فأغفلوه .
    و لو تأمّلنا ما أوردناه ( و لا أعلَم لهم استدلالاً بغيره من أقوال الأئمّة ) لما رأينا فيه دليلاً على التيسير الذي يُدندنُ حَوله المعاصرون ، فقتادةُ يدعوا إلى الترخّص حيث شرع الله الرخصة ، فيقول : ( ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم ) ( ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم ) ( ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم ) ، و لا يقول : رخِّصوا باستحسانكم ، أو لمجرّد التخفيف عن العباد أو مسايرتهم .
    و ابن تيميّة يذكر الاستغناء بالحلال عن الحرام ، و ليس الإفتاء بعدَم حُرمةِ الحرَام أصلاً ، أو اختيار قول من يعدل عن التحريم إلى التحليل أو مجرّد الكراهة ، و إن ضَعُفَت حُجّته ، و وَهت شُبهته .
    أمّا ابن القيّم فكلامه في الرخص في العبادات ، و هذا لا خلاف فيه ، خلافاً لدُعاة التيسير الذين وقعوا في تحليل الحرام ، و نفي الكراهة عن المكروه ، و شتّان ما بين المذهبين .
    و ما يُروى عن سفيان رَحمه الله لا يؤخذ منه الترخيص بإسقاط الواجب ، أو تحليل المحرّم ، و لكنّه موجّه إلى ما ينبغي أن يفتيَ به العالم من وَقع في حرَج متيقّن ليعينه على القيام بما وَجَبَ عليه ، لا ليُسقِطه عنه ، و ذلك كثيراً ما يَقَع في باب الكفّارات ، و أداء النذور و نحوها .
    و ما روي عن ابن عيينة ، قال به غيره ، و لكنّهم تحوّطوا في ضبط صوَره بالتمثيل له .
    قال النووي : ( و أما من صحَّ قصدُه , فاحتَسَبَ في طلب حيلةٍ لا شُبهةَ فيها , لتخليصٍ من ورطة يمينٍ و نحوها , فذلك حسن جميل ، و عليه يُحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا , كقول سفيان : إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد ) [ آداب الفتوى للنووي ، ص : 37 ] .
    و ننبّه هنا إلى أنّ ما رويَ عن السلف الصالح ، في الحث على التمسّك بالعزائم ، و التحذير من الترخّص المجرّد عن الدليل ، أضعاف ما روي عنهم في التيسير و الترخيص ، و العدل أن يُجمَع بين أقوالهم ، لا أن يُسقَط بعضها ، أو يُضرَبَ بعضُها ببَعضٍ .
    و ربّما اتّضحت الصورة أكثر إذا قرّبناها بالتمثيل لما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ، فإذا رَجَعنا إلى سيَرِهِم وقفنا على معالم منهجهم في التشديد و التيسير على النفس و الغير ، و من أبرز تلك المعالم :
    أوّلاً : تشديد العالم على نفسه أكثر ممّا يشدد على غيره .
    و لهذا المَعلَم ما يشهد له من السنّة ، حيث أرشَد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه معاذ بنَ جبل رضي الله عنه ، حين أمرَه بالإيجاز إذا أمَّ الناسَ في الصلاة ، و يقتضي هذا الترخيص له في الإطالة إذا صلى فذاً ، كما في الصحيحين و غيرهما .
    ثانياً : عُرِف عن السلف الصالح ، من الصحابةِ الكرام و من بَعدَهُم التشديد على الناس فيما تساهلوا فيه ، و هذا خلاف ما عليه ميسِّرة العصر ، من التيسير فيما كثُر وقوع الناس فيه .
    و من ذلك قول عمر الفاروق رضي الله عنه : ( فلو أمضيناه عليهم ) حينما حكمَ بإيقاع طلاق المجلس ثلاثاً ، و أمضاه على الناس ، لأنّهم استعجلوا بعد أن كانت لهم فيه أناة .
    و كذلك تضمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه للصنّاع ، بعد أن فسدت الذمم و تغيرت النفوس .
    ألا ترى أنّ عمرَ و عليَّ رضي الله عنهما قد بالغا في التشديد في هاتين المسألتين ، استحساناً ، رغم وجود ما يراه الميسِّرون المعاصرون مقتضياً للتيسير ، و مستلزماً للتخفيف مراعاةً ظروف المجتمع ، و رفعاً للحَرَج عن الناس .
    ثالثاً : أنّ من السلف من كان يفتي بالفتوى ، أو يقضي بالقضاء ، ثمّ يرجع عنه إذا بلغه ما هو أقوى منه دليلاً و أقوَم سبيلاً ، إذ إنّ العبرة عنهم بما جاء من عند الله ، و ثبت عن رسول الله ، و ليس بالتيسير أو التشديد .
    أخرج مسلم في كتاب الحج من صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : ( أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجُل : رويدك بعض فتياك ، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، فقال : يا أيها الناس : من كنا قد أفتيناه فتيا فليتئد ، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا ، قال : فقدم عمر ، فذكرت ذلك له ، فقال : أن تأخذ بكتاب الله فإن الله تعالى قال :  وَ أَتِمُّوُا الحَجَّ و العُمْرَةَ لله  [ البقرة: 196 ] ، و أن تأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي ) .
    و الأمثلة غير هذا في رجوعهم إلى الحقّ كثيرة ، فهل في دعاة اليوم من يلزم غرزَ السابقين ، و ينحو نحوَهُم ، فيقف عند الدليل ، و يرجع إليه إن بلغه ، و لو بعد حين ، و لا يجد غضاضةً في أن يقول : ( تلك على ما قضينا ، و هذه على ما نقضي ) ؟
    رابعاً : كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يدورون مع الدليل حيثُ دارَ ، فمنهم الميسِّر و منهم المشدد ، و لكن عن علم و بصيرة و دليل .
    و كلُّهُم مِنْ رسولِ اللهِ مُقْتَبِـسٌ *** غرفاً مِنَ البَحرِ أو رَشْفاً مِنَ الدِيَمِ
    و إن كان فيهم من يلتزم في عمله الأحوط في مقابل من يجنح إلى الأيسر ، و لكنّ الحامل لكلٍّ منهما على مذهبه لا يخرج عن الاستدلال بما ثبت عنده عن نبيِّ الهُدى صلى الله عليه وسلم .
    و يحسن التمثيل لاختلاف آراء الصحابة في هذا الأمر بما كان عليه الصاحبان الإمامان : عبد الله بن عبّاس ، و عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ، فقد كان ( أحدهما يميل إلى التشديد و الآخر إلى الترخيص و ذلك في غير مسألة ، و عبد الله بن عمر كان يأخذ من التشديدات بأشياء لا يوافقه عليها الصحابة فكان يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي من ذلك ، و كان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد ، و كان يمنع من دخول الحمام ، و كان إذا دخله اغتسل منه ، و ابن عباس كان يدخل الحمام ، و كان ابن عمر يتيمم بضربتين ضربةٍ للوجه ، و ضربةٍ لليدين إلى المرفقين ، و لا يقتصر على ضربة واحدة ، و لا على الكفين ، و كان ابن عباس يخالفه ، و يقول : التيمم ضربةٌ للوجه ، و الكفين ، و كان ابن عمر يتوضأ من قُبلةِ امرأتِه ، و يُفتي بذلك ، و كان إذا قبل أولاده تمضمض ثم صلى ، و كان ابن عباس يقول : ما أبالي قبَّلتُها أو شممت ريحاناً ، و كان يأمر من ذكر أن عليه صلاة و هو في أخرى أن يُتِمَّها ، ثم يصلي الصلاة التي ذكرها ، ثم يعيد الصلاة التي كان فيها... و المقصود أن عبد الله بن عمر كان يسلك طريق التشديد و الاحتياط ) [ زاد المعاد : 2 / 47 و 48 ] .
    قلتُ : و مع كلِّ ما كان يذهب إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من التشديد و لزوم الأحوَط ، لم يغمز قناته أحدٌ من السلف أو الخلف ، و لم يصمه أحدٌ بوصمة التعسير ، على وجه التخطئة و التنفير ، بل غاية ما ذَهَبَ إليه مخالفوه هو عدَم موافقته في تشديداته ، مع اعتبارها أمارةً على وَرَعه و حُسن اتّباعه ، و عُذر مَن ذهبَ مذهبَه من الأتباع ما داموا يدورون مع الدليل مدارَه .
    و لم يكن يسعهم حتى تمني خلافه فضلاً عن تبريره أو تسويغ القول و العمل به .
    قال أبو عبد الله الزركشي [ في المنثور : 1 / 20 ، 21 ] و هو يُعدِّدُ أنواع التمني و يعرض حكم الشرع في كلٍّ منها : السابع : تمني خلاف الأحكام الشرعية لمجرد التشهي ... قال الإمام الشافعي في ( الأم ) و قد روى عن عمر : ( لا يُسترق عربي ) قال الشافعي رحمه الله : لولا أنَّا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا ، و كأنه أراد تغير الأحكام و لم يرد أن التمني كله حرام ) .
    قلت : فلله درّهم ما أبرَّهم ، و ما أنبلهم حيث لا يسوّغون مجرّد كون الحرام حلالاً ، فضلاً عن تسويغه ، و الإفتاء بحلّه ، و لو كان بليّ أعناق النصوص ، و حشد الشواهد و الشواذ من كلّ رطبٍ و يابِسٍ ، من زلاّت المتقدّمين ، و هفولت المتأخّرين ، و سقطات المُتابِعين .
    إنّها و الله الخشية من العَبدِ للمعبود ، فمن أو تِيَها فقد أوتِيَ خيراً كثيراً ، و هل العِلمُ إلاّ الخشية ، و ما مثل من كثر عِلمُه و قلّت خشيته إلا كمثل التاجر المدين ، تكثر بين يديه العروض ، ليس له منها شيء .


    --------------------------------------------------------------------------------

    خاتمة

    و بعد ، فقد آل بنا البحث عند ختامه إلى الحديث عن الخشية ، و هي جماع صفاة العالم الرباني ، تسوقه إلى الحقّ ، و تأطُرُه عليه أطراً .
    قال صاحب الآداب الشرعيّة : ( و نقل المروزي عن أحمد أنه قيل له : لمن نسأل بعدك ؟ فقال: لعبد الوهاب يعني الوراق ، فقيل إنه ضيق العلم فقال : رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق .... و قال الأوزاعي كنا نمزح و نضحك ، فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم ... و روى ابن بطة عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى : إن الفقه ليس بسعة الهذر و كثرة الرواية إنما الفقه خشية الله ... و قال الأوزاعي : بلغني أنه يقال : ويل للمتفقهين لغير العبادة , والمستحلين المحرمات بالشبهات ... و قال الشافعي رضي الله عنه : زينة العلم الورع و الحلم ، و قال أيضا لا يجْمُل العلم ، و لا يحسن إلا بثلاث خلال : تقوى الله , و إصابة السنة , و الخشية ) .
    فما أحرى العاملين للإسلام ؛ دعاةً و فقهاء و مُفتين إن يقفوا على الحقّ ، و يقولوا به ، و يردّوا عِلمَ ما اختُلِفَ فيه إلى عالمه .
    لتكون السبيل محجّةً بيضاء ؛ كتاباً و سنةً ، مع سلامةٍ في الصدر و المنهج .
    ففي ذلك السلامة ، و النجاة من الندامة ، و هذا غاية ما أردت بيانه في رسالتي هذه ، باذلاً في طلب الحق و تقريبه للخلق وسعي ، فإن أصبت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، و إن أخطأتُ فمِن نفسي و من الشيطان ، و اللهَ تعالى أسألُ أن يغفر زلّتي ، و يقيل عثرتي .

    و أفوّض أمري إلى الله ، إنّ الله بصير بالعباد
    و الحمد لله ربّ العالمين
    و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمّد ، و آله ، و صحبه أجمعين

    --------------------
    (1) كان التدرّج في التشريع في زمن الوحي ، و انقطع بانقطاعه ، حيث أكمَلَّ الله دينه ، و أتمّ على عباده نعمته ، فقال : ( اليوم أكملتُ لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ) فليس لأحد بعد ذلك أن يجاري الشارع الحكيم سبحانه في التدرّج في تبليغ حكم الله تعالى ، و حُكمِ رسولِه لحديثي العهد بالإسلام أو التوبة ، إذ إنّ الأحكام قد استقرّت على ما قضى الله و رسوله ، و بالله العصمة .

    و كتب
    أحمد بن عبد الكريم نجيب
    ( الملقّب بالشريف )
    دَبْلِن ( إيرلندا ) في غرّة جمادى الآخرة عام 1423 للهجرة
    الموافق العاشر من يوليو ( تمّوز ) عام 2002 للميلاد
    http://www.saaid.net/Doat/Najeeb
    alhaisam@msn.com

  15. #15

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    هذه مقدمة أصل فيها لمذهب التيسير و أنه يتأكد في الحج أكثر، و قد أورد فيها فتوى لشيخ الإسلام بن تيميَّة ، و من رأيي أنها أهم و أثمن ما في المقدمة و لا أبالغ إن قلت إنها أثمن ما في الكتاب ، و سأجعلها بلون مختلف حتى تتبين و يسهل العثور عليها .



    مقدمـة معالي الشيخ
    وزير العدل بجمهورية موريتانيا سابقًا
    وعضو مجمع الفقه الإسلامي




    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
    فلقد اطلعت على كتاب «افعل ولا حرج» لأخينا العلامة المستبصر ، وهو كتاب صغير الحجم، إلا أنه مشتمل على جمل مفيدة من العلم، وبخاصة مسائل الحج والعمرة، جاء في وقته وأوانه، متسمًا بالفهم والتدبر في مشكلات الحج في زمانه ومكانه.
    ولعمري إنه لموضوع جدير بالاهتمام، بلغ سيله الزبى وحزامه الطبيين، بعد تكرار حوادث الازدحام التي تؤدي إلى هلاك الأنفس وتشويه صورة الإسلام، حيث يظهر معتنقوه بمظهر الفوضى وعدم الانضباط والانتظام، ويجد أعداء الدين -وهم كثر- فرصة للقدح والتجريح، وكلتا الحالتين منافية لمقاصد الشرع، ومنابذة لمقتضيات العقل والطبع.
    وقد طلب مني التقديم لهذا العمل الذي أعتبره إنارة وإثارة؛ أما كونه إنارة، فإنه ينير طريق التيسير لمريد سلوكه، موضحًا بأدلته، وأما كونه إثارة، فإنه يثير لفيفًا من المسائل ينبغي أن تبحث بين الفقهاء لتحرير الفتوى فيها على ضوء الواقع، طبقًا لجدلية الدليل الكلي «المقصد» والدليل الجزئي «النص» وما في معناه من ظاهر أو اقتضاء أو مفهوم، حيث يتجلى فقه الفقهاء وفهم العلماء في مراعاة زوايا هذا المثلث الذي هو: الواقع المستجد من كل جوانبه؛ وهو هنا تزايد أعداد الحجاج، وضيق الرقعة الجغرافية، وذهاب الأنفس شبه المطرد، وتطبيق الحكم الشرعي الذي ينشأ عن نظرة متوازنة للكلي مع الجزئي، تضع نصب عينيها المقاصد الشرعية الأكيدة، دون أن تغيب عن بصرها وبصيرتها النصوص الجزئية، لما يؤدي إلى إيجاد نسبية لاطراد المقصد وشموله.. إن ذلك بعينه هو الوسطية التي لا يسع المتعاطي للفتوى إلا مراعاتها دون تقصير ولا شطط.
    فأجبت الطلب، واختصرت هذه المقدمة في ثلاثة مطالب:
    الأول: عن مقصد التيسير في الشريعة الغراء.
    والثاني: توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة.
    والثالث: مقصد التيسير في الحج بخصوصه، وفتاوى بعض العلماء.


    المطلب الأول: مقصد التيسير في الشريعة الغراء
    اعلم وفقنا الله وإياك أن التيسير من خصائص هذه الرسالة الخاتمة، فقد قال ـ: *     •                                           •    •             & [الأعراف:157].
    إنها آية كريمة ترسم ملامح الرسالة من خلال صفات نبيها ^، وتعرج على ما يجب له من الحقوق، وتبشر أتباعه بالصلاح والفلاح؛ فهو جامع لوصفي الرسالة والنبوة، وهو أمي لم يتعلم من أحد، فلم يتعلم من نبي ولا عالم، وإنما علمه العليم الحكيم، وهو مكتوب موصوف في توراة موسى وإنجيل عيسى.
    فهو النبي الخاتم الذي بشر به الأنبياء، وأخذ العهد عليهم بالإيمان به ونصره، ووصف بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات ويحرم الخبائث، ويضع عنهم الإصر والأغلال، أي: التكاليف الغليظة التي كانت تكبلهم الشرائع السابقة بها.
    إنه تصوير لحالة الضيق والمشقة التي أماطتها هذه الشريعة بالسماحة واليسر.
    فالإصر: يقول عنه النضر بن شميل /: هو العهد الثقيل( ). وكل ثقيل فهو إصر؛ لأنه يأصر صاحبه، أي: يحبسه عن الحركة.
    أما الأغلال: فجمع غُل بالضم، وهو جامعة الحديد تكون في العنق واليدين. قال مرتضى في «التاج» عن الأغلال: «وقد تكرر ذكرها في القرآن والسنة، ويراد بها التكاليف الشاقة والأعمال المتعبة»( ).
    قلتُ: إنه تصوير ناطق يُقدم إلى السامع صورة شخص مكبل بأغلال حديدية، وهو يحمل على كاهله حملًا ثقيلًا ينوء به! فكيف يقوم بوظيفة الاستخلاف؟ إلى أن امتن ـ عليه برسالة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، فكانت كلمة «يضع» هي المفتاح لفك كبله وإماطة الحمل عن ظهره، فلا غل في الشريعة ولا إصر في الحنيفية السمحة.
    وليس التيسير ورفع الحرج قاعدة فقهية فقط عبر عنها الفقهاء بقولهم: «المشقة تجلب التيسير». وقول الشافعي /: «الأمر إذا ضاق اتسع»( ). إلى غير ذلك من العبارات التي تصب في هذا الجدول، بل رفع الحرج والتيسير مقصد أعلى من مقاصد الشريعة.
    وهذه فقرات لأبي المقاصد أبي إسحاق الشاطبي / تبين ذلك، حيث يقول: «المسألة السادسة: فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، والدليل على ذلك أمور:
    أحدها: النصوص الدالة على ذلك، كقوله تعالى: *         & [الأعراف:157]، وقوله: *             & [البقرة:286]. وفي الحديث: «قال الله تعالى: قد فعلت»( ). وقد جاء:
    *       & [البقرة:286]، و*         & [البقرة:185]، و*        & [الحج:78]، و*          & [النساء:28]، و*                   & [المائدة:6]. وفي الحديث: «بعثت بالحنيفية السمحة»( ). وحديث: «ما خير رسول الله ^ بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه»( ). وإنما قال: «ما لم يكن إثمًا» لأن ترك الإثم لا مشقّة فيه من حيث كان مجرد ترك. إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى.
    ولو كان قاصدًا للمشقة لما كان مريدًا لليسر ولا التخفيف ولكان مريدًا للحرج والعسر وذلك باطل.
    والثاني: ما ثبت أيضًا من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة، كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعًا على مطلق رفع الحرج والمشقّة، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال.
    ولو كان الشارع قاصدًا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف»( ).
    وقال الشاطبي أيضًا: «فالنصوص سالفة الذكر عامة في المشقّة بنوعيها الشديد والمتوسط، وإذا فرضنا أن رفع الحرج مفقود فيه صيغة عموم، فإنا نستفيده من نوازل متعددة خاصة مختلفة الجهات متفقة في أصل رفع الحرج، كما إذا وجدنا التيمم شرع عند مشقة طلب الماء، والصلاة قاعدًا عند مشقة طلب القيام، والقصر والفطر في السفر، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر، والنطق بكلمة الكفر عند مشقة القتل...».
    وأطال النفس قائلًا: «إلى جزئيات كثيرة جدًّا يحصل من مجموعها قصد لرفع الحرج، فإنا نحكم بمطلق رفع الحرج في الأبواب كلها عملًا بالاستقراء»( ).
    وعلى هذه الشاكلة القول بالأخف:
    يقول الزركشي: «إن القول بالأخف قد يكون بين المذاهب، وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها، وقد صار إليه بعضهم؛ لقوله تعالى: *         & [البقرة:185]. وقوله: *        & [الحج:78]. وقوله ^: «بعثت بالحنيفية السمحة»( ).
    وهذا يخالف الأخذ بالأقلِّ، فإن هناك يُشترط الاتفاق على الأقل ولا يشترط ذلك هاهنا، وحاصله يرجع إلى أن الأصل في المضار المنع، إذ الأخف منهما هو ذلك.
    وقيل: يجب الأخذ بالأشق كما قيل هناك يجب الأخذ بالأكثر»( ).
    قال الطوفي في الترجيح عند تعارض الدليلين:
    «الثاني: يأخذ بأشد القولين؛ لأن «الحق ثقيل مَرِيءٌ والباطل خفيف وَبيِءٌ». كما يروى في الأثر( ). وفي الحكمة: «إذا ترددت بين أمرين فاجتنب أقربهما من هواك»( ).
    وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله : «ما خُيِّر عمار بين أمرين إلا اختار أشدَّهما». وفي لفظ: «أَرْشَدَهُما». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ورواه أيضا النسائي وابن ماجه( ).
    فثبت بهذين اللفظين للحديث أن الرشد في الأخذ بالأشد.
    الثالث: يأخذ بأخف القولين؛ لعموم النصوص الدالة على التخفيف في الشريعة، كقوله q: *         & [البقرة:185]. وقوله: *        & [الحج:78]. وقوله ^:«لا ضرر ولا ضرار»( ). وقوله ^: «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة»( ).
    قال شيخنا المزني: من قواعد الشريعة أن يستدل بخفة أحد الأمرين المتعارضين على أن الصواب فيه، أو كما قال.
    قلتُ: وثبت عن النبي ^ أنه «ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا»( ).
    قلتُ: والفرق بينه وبين عمار فيما حكينا عنه من الأخذ بأشد الأمور: أن عمارًا كان مكلفًا محتاطًا لنفسه ودينه، والنبي ^ كان مُشرِّعًا موسِّعًا على الناس لئلا يحرج أمته. وقال: «يَسِّروا ولا تُعَسروا»( ). وقال لبعض أصحابه في سياق الإنكار عليه: «إن فيكم منفرين»( )( ).
    قلت: وقد روي حديث عمار: «أسدهما» بالسين المهملة، من السداد، وعليه فلا دليل فيه للشدة.
    وبناء على هذا المقصد رجح العلماء في قضايا الخلاف التيسير على مر الزمان، إذا ظهر أن القول الراجح يؤدي إلى إعنات ومشقة، وعدلوا عن القياس وخصصوا عموم النصوص، فالقاعدة أن «غلبة المشقة مسقطة للأمر»، قال عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»( ).




    توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة
    عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة

    فقد فسر الشاطبي رحمة الخلاف بقوله: «إن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة.
    وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة: ما رُوي عن القاسم بن محمد قال: «لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله ^ في العمل، لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى أنه في سَعة»( ).
    وعن ضمرة عن رجاء قال: «اجتمع عمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد، فجعلا يتذاكران الحديث، قال: فجعل عمر يجيءُ بالشيء يخالف فيه القاسم، قال: وجعل القاسم يشق ذلك عليه، حتى تبين فيه، فقال له عمر: لا تفعل، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم»( ).
    وروى ابن وهب عن القاسم أيضًا، قال: «لقد أعجبني قول عمر بن عبدالعزيز: ما أحب أن أصحاب محمد ^ لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة»( ).
    ومعنى هذا: أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة -كما تقدم- فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف مالا يطاق، وذلك من أعظم الضيق. فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم *    & [هود:119]، فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها، والحمد لله»( ).
    قال ابن عابدين في تعليقه على قول صاحب «الدّر المختار»: «وعلم بأن الاختلاف من آثار الرحمة، فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر»-: «وهذا يشير إلى الحديث المشهور على ألسنة الناس، وهو: «اختلاف أمتي رحمة». قال في «المقاصد الحسنة»: رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس ب، بلفظ: قال رسول الله ^: «مهما أوتيتم من كتاب الله؛ فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإنْ لم يكن في كتاب الله فسنة مني، فإنْ لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة». وأورده ابن الحاجب في «المختصر» بلفظ: «اختلاف أمتي رحمة للناس».
    وقال ملا علي القاري: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسيّ في «الحجة» والبيهقي في «الرسالة الأشعرية» بغير سند، ورواه الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خرّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا.
    ونقل السيوطي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان يقول: «ما سرني أن أصحاب محمد ^ لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة».
    وأخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبدالله! نكتب هذه الكتب -يعني: مؤلفات الإمام مالك- ونفرقها في آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة. قال: «يا أمير المؤمنين! إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، وكل يريد الله تعالى». وتمامه في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس»( ).
    وللاختلاف أسبابه المشروعة في الفقه، ولهذا اعتبر العلماء معرفة الاختلاف ضرورية للفقيه حتى يتسع صدره وينفسح فقهه.
    فقد قال قتادة /: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه»( ).
    وعن هشام بن عبيد الله الرازي /: «من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه»( ).
    وعن عطاء /: «لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالمًا باختلاف الناس»( ).
    وقال يحيى بن سلام /: «لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول: هذا أحب إليّ»( ).
    إلى غير ذلك من الأقوال، ويراجع الشاطبي في «الموافقات»، فقد عدَّ معرفة الاختلاف من المزايا التي على المجتهد أن يتصف بها( ).
    إذا تقرر ما تقدم من جواز الاختلاف بين أهل الحق، فاعلم أن هذا الاختلاف قد يكون سببًا للتيسير والتسهيل، والتيسير مقصد من مقاصد الشريعة بنص الكتاب والسنة، كما مر عن الشاطبي وغيره.
    وبناءً عليه: يوجد في المذاهب كلها العدول عن القول الراجح إلى قول مرجوح، لجلب مصلحة ترجحت، أو درء مفسدة، أو دفع مشقة عرضت.
    ولهذا تقرر عند المالكية تقديم القول الضعيف الذي جرى به العمل على القول الراجح في زمن من الأزمنة أو مكان من الأمكنة لتبدل عرف أو عروض جلب مصلحة أو درء مفسدة، فيرتبط العمل بالموجب وجودًا أو عدمًا، كما يقول شارح التحفة. وبنوا على ذلك مئات المسائل.
    وقال ابن عابدين كذلك بجواز الإفتاء بالضعيف للضرورة، وذكر أبياتًا في ذلك:
    ولا يجوز بالضعيف العمل
    ولا به يجاب من جا يسأل

    إلا لعامل له ضروره
    أو من له معرفة مشهوره

    ومعنى ذلك: أن مقصد التيسير يرجح القول الضعيف فيتعين العمل به لعروض المشقة، فمعادلة المقصد الكلي بالنص الجزئي مؤثرة في الفتوى على مدار الأزمنة.
    يقول ابن القيم / في تغير الأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال: «هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله ^»( ).
    وتغير الزمان المشار إليه هو تغير أحوال الناس، فالحجيج الذين كانوا يعدون بالآلاف أصبحوا يعدون بالملايين، والأنفس القليلة التي كانت تموت في موسم الحج أصبحت تعد بالمئات.
    ومحل الشاهد منه أن الإبقاء على أحكام الجزئيات التي تخالف مقاصد الشريعة وتؤدي إلى مشقة وإعنات، مخالف لروح الشريعة وغلط.
    وأي مشقة أعظم من ذهاب الأنفس في الزحام والإثخان بالجروح والآلام، ألا يستحق الأمر اجتهادًا؟
    قال ابن عابدين في نفس المعنى: «فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان، لتغيّر عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد، لبقاء العالم على أتم نظام وأحسن إحكام، ولهذا ترى مشايخ المذاهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة، بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمانهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه»( ).
    وقال أيضًا: «ثم اعلم أن كثيرًا من الأحكام التي نص عليها المجتهد صاحب المذهب بناء على ما كان في عرفه وزمانه، قد تغيرت بتغير الأزمان؛ بسبب فساد أهل الزمان أو عموم الضرورة كما قدمناه».


    مقصد التيسير في الحج بخصوصه
    وفتاوى بعض العلماء
    1- إن التصريح برفع الحرج من الشارع فيمن خالف أفعاله في الحج بقوله: «افعل ولا حرج». دليل لملاحظة مقصد التيسير في الحج، بالإضافة إلى كونه مقصدًا عامًّا في كل مناحي التشريع الإسلامي بالنصوص التي ذكرناها سلفًا، إلا أنه تجدر الإشارة إلى قوله تعالى: *                   & [الحج:78]، أورد في سورة الحج، وأن الحج من أهم موروث من ملة أبينا إبراهيم ×.
    2- إن الحج عبادة قرنت بالاستطاعة نصًّا، مع أن كل العبادات يشترط لوجوبها الاستطاعة، قال تعالى: *   ••        & [آل عمران:97]، وجاء في الحديث: «وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا»( ).
    وهذه نصوص تشير إلى إرادة التيسير وعدم الإعنات.
    3- إن الحج في كثيرٍ من أحكامه مبني على التخيير، والتخيير أساس التيسير.
    فالحج وقته متسع، فهو واجب على التراخي عند بعض العلماء كالشافعية والمغاربة من المالكية، ويشرع فيه بإحرام بواحد من ثلاثة أنساك على سبيل التخيير، وهي: التمتع والقران والإفراد.
    وكذلك التخيير في الفدية: *                 & [البقرة:196].
    4- إن بعض أفعال الحج المختلف فيها بالتقديم والتأخير، كالرمي، لا يوجد بخصوصها دليل قولي من الشارع، وإنما تدخل تحت دلالة الفعل، ودلالة الفعل دلالة ضعيفة، وإن كان مستندًا إلى قوله ^: «خذوا عني مناسككم»( ). فمعلوم أن أفعاله ^ في الحج منها الواجب والمسنون والجائز، فيبقى الاحتمال قائمًا في تعيين أي منها، فقد حج راكبًا، وهو أمر جائز، وقد حصَّب( )، وهو أمر مختلف في دلالته بين الجواز والاستحباب.
    وقد رتب الرمي والحلق والإفاضة، وقد ثبت عنه رفع الحرج عمن خالف الترتيب.
    وقد سمح لذوي أعذار خفيفة بترك المبيت بمنى، وبجمع الرمي في يوم واحد.
    إلى غير ذلك من الرخص التي يشتمل عليها كتاب
    وعدمُ وجود بيان قولي مما يقرب المسألة من منطقة العفو لاحتمال أن يكون فعله ^ محمولًا على الأفضلية، ويرجح مذهب من أجاز الرمي في أي وقت من أيام منى للحاجة والمشقة.
    ولهذا ترخص العلماء في مواطن ورد فيها بيان قولي، كمسألة طواف الحائض عندما أدت إلى شدة ومشقة في القرن الثامن الهجري.
    وهذه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية /، كما نقلها اللبدي، ننقلها بكاملها مع تعليقات اللبدي، لما تضمنته من معانٍ توضح منحى التعامل مع المشقات في الحج، حيث يقول:
    «مسألة مهمة جدًّا: نبه عليها الشيخ الإمام والحبر الهمام قدوة الأنام شيخ الإسلام بحر العلوم أبو العباس تقي الدين أحمد ابن تيمية، طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه؛ قال /:
    وقد يقع في الحج في كل عام ما يبتلى به كثير من نساء العلماء والعوام؛ وذلك أن المحرمة تحيض قبل طواف الإفاضة، ويرحل الركب قبل طهرها، ولا يمكن المقام للطواف.
    قال: وفي سنة سبع وسبعمائة جرى ذلك لكثير من نساء الأعيان وغيرهم، فمنهن من انقطع دمها يومًا أو أكثر باستعمال دواء، ومنهن من انقطع دمها يومًا أو أكثر بغير دواء، فظنت أن الدم لا يعود، ففعلت كالأولى، ثم عاد الدم في أيام عدتها، ومنهن من طافت قبل انقطاعه وقبل غسلها، ومنهن من سافرت مع الركب قبل الطواف، وكانت قد طافت طواف القدوم وسعت بعده؛ فهؤلاء أربعة أصناف.
    فلما اشتد الأمر بهن، وخفن أن يحرم تزويجهن، ووطء المتزوجة منهن، ويرجعن بلا حج، وقد أتين من بلاد بعيدة، وقاسين المشاق الشديدة، وأنفقن الأموال، كثر منهن السؤال، وقد قاربت عقولهن للزوال: هل من مخرج عن هذا الحرج، وهل مع الشدة من فرج؟
    فسألت الله التوفيق والإرشاد، إلى ما فيه التيسير على العباد من مذاهب العلماء الأئمة، الذين جعل اختلافهم رحمة للأمة، فظهر لي في الجواب، والله أعلم بالصواب: أنه يجوز تقليد كل واحد من الأئمة الأربعة، وأن يُقَلّدَ واحد منهم في مسألة وآخر في أخرى؛ فعلى هذا يصح حج كل منهن:
    أما الأولى والثانية: فعلى أحد قولين في مذهب الشافعي، بناء على أن يوم النقاء طهر.
    قلت: وهو الصحيح من مذهبنا أيضًا، فقد جزم به في «المنتهى» و«الإقناع» وغيرهما.
    قال: وأما الثالثة: فعلى مذهب أبي حنيفة، فعنده لا يشترط للطواف طهارة حدث ولا نجس، وهو أحد الروايتين عن أحمد.
    قلت: والصحيح المشهور خلافها.
    قال: وأما الرابعة: فقد تتخرج صحة حجها على أحد الروايتين عن مالك، وهي أن من طاف طواف القدوم وسعى بعده ورجع إلى بلده قبل طواف الإفاضة، ناسيًا أو جاهلًا، أجزأه عن طواف الإفاضة، فإنَّ عذر الحيض أظهر من عذر الجاهل والناسي.
    قال: وإن لم يعمل بهذه الرواية أو لم يصح التخريج، فعلى قياس أصول مذهب الشافعي، أنها إذا جاوزت مكة بيوم أو أكثر، بحيث لا يمكنها الرجوع إلى مكة، خوفًا على نفسها أو مالها، تصير كالمحصر، فتتحلل كهو وتذبح شاة وتقصر من شعرها، وتصير حلالًا. انتهى باختصار من نحو ورقتين.
    وقال / في مواضع أخر: غاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف، ومعلوم أن كونها شرطًا في الصلاة آكد، ومع ذلك تصح الصلاة بدونها مع العذر عند الأكثر... وذكر كلامًا كثيرًا لا يحتمله هذا المختصر.
    والحاصل: أنه انتصر لصحة طواف الحائض انتصارًا لا مزيد عليه، وأقام على ذلك أدلة واضحة، وذكر أنه لا دم عليها.
    وآخر ما قال: هذا الذي يتوجه عندي في هذه المسألة، ولضرورة الناس واحتياجهم إليها علمًا وعملًا تجمشت الكلام فيها، فإني لم أجد فيها كلامًا لغيري، والاجتهاد عند الضرورة مما أمر الله به، فإن يكن ما قلته صوابًا فهو من الله ورسوله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. انتهى ملخصًا من «شرح عمدة الأحكام»( ).
    وعلق الزرقاني في «شرحه» عند قول خليل: «وحُبِسَ الكَرِيُّ والوَلِيُّ لحيضٍ أو نِفَاس قَدْرَهُ، وقُيِّدَ إنْ أَمنَ». بقوله - بعد نقله لأقوال مذهب مالك في اعتبار الحائض محصرة وأنها تظل على إحرامها-: «وفيه من المشقة -خصوصًا على من بلادها بعيدة- ما لا يخفى، ومقتضى يسر الدين أن لها أن تقلد: إما ما رواه البصريون المالكية عن الإمام مالك، من أن من طاف للقدوم وسعى ورجع لبلده قبل طواف الإفاضة جاهلًا أو ناسيًا أجزأه عن طواف الإفاضة، خلاف ما نقل البغداديون عنه من عدم الإجزاء وإن كان هو المذهب.
    ولاشك أن عذر الحائض والنفساء أبلغ من عذر الجاهل والناسي.
    وإما أبا حنيفة، أن للحائض أن تطوف؛ لأنه لا يشترط عنده في الطواف طهارة حدث وخبث، وكذا هو إحدى الروايتين عن أحمد، ويلزمها ذبح بدنة ويتم حجها لصحة طوافها، وإن كانت تأثم عندهما أو عند أحمد فقط بدخول المسجد حائضًا. والله أعلم بالصواب»( ).
    قلت: وأحوال الناس اليوم أشق وأشد من حال الحائض، لذهاب الأنفس، أفلا تستحق منا اجتهادًا لاختيار الأقوال الميسرة!
    بلى؛ لقد أصبح ذلك من الواجب، وهو ما نحسب أن كتاب العلامة ينحو نحوه، فجزاه الله خيرًا ونفع بعلمه، ووفقنا وإياه للسداد في القول، والرشاد في العمل.
    وهو سبحانه وتعالى ولي التوفيق
    والهادي بمنه وكرمه إلى سواء الطريق

    وكتب:

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    14

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    محتوى كتاب الشيخ أبا حسين (كيف نفهم التيسير؟) لا ينتهض لموافقة عنوانه، ولو شيئاً يسيراً.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    25

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    أعجبتني مقولة سمعتها من أحد طلبة العلم
    معناها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((افعل ولا حرج)
    ولم يقل:
    (( اترك ولا حرج))
    وفرق بين الفعل والترك
    أليس كذلك؟!
    واليسر و العسر أمر نسبي
    و الواجب امتثال ما أمرنا الله به ورسوله
    وترك ما نهانا الله عنه ورسوله
    ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))

    جزاك الله خيرا أخي عبد الرحمن
    ونستفيد من شيوخنا الأجلاء

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    84

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القرعاني مشاهدة المشاركة
    أعجبتني مقولة سمعتها من أحد طلبة العلم
    معناها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    ((افعل ولا حرج)
    ولم يقل:
    (( اترك ولا حرج))
    وفرق بين الفعل والترك
    أليس كذلك؟!
    واليسر و العسر أمر نسبي
    و الواجب امتثال ما أمرنا الله به ورسوله
    وترك ما نهانا الله عنه ورسوله
    ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))
    جزاك الله خيرا أخي عبد الرحمن
    ونستفيد من شيوخنا الأجلاء
    الترك يعتبر فعلاً يا أخي القرعاوي ، وإذا كان اليسر والعسر أمر نسبي ، فما هو الحقيقي الذي يريده الله بنا ؟ ( انتظر الجواب )
    إنما جاء الشيخ سلمان وكتابه كمفتاح وطريق لهذا الرد ، وإلا فاختيارات الشيخ سلمان في الحج قديمة ومتداولة ، واختارها قبله من هو أجل وأعلى علماً سواءاُ من معاصريه أو المتقدمين ، فلماذا لم يفردوا لهم ردأ أم أن اختيار سلمان العودة يعتبر تساهلاً ، واختيار غيره مثل يعتبر اجتهاداً ونبذاً للتقليد !، فيتبين من ذلك أن المقصود بالرد هو منهج التيسير الذي يؤصله ابن بيه ، ويدعمه بتحفظ الشيخ سلمان الذي ما فتئ يطلق على ابن بيه ألفاظ التفخيم والتبجيل .... ، ويظهر ذلك جلياً من مقدمة الشيخ السعد التي زادت على الخمسين صفحة ، وناقش قضايا لا تمت للحج لا من قريب ولا من بعيد ، مثل الأخذ من اللحية ، وسماع الموسيقى ، وسفر المرأة بلا محرم ، وهذا القضايا الثلاث هي ما اشتهرت عن الشيخين ابن بية والعودة الفتوى بخلاف ما هو مشهور في السعودية ...
    وللإنصاف كان رد الشيخ فهد أبا حسين ، هادئاً وموضوعياً ، ومفحماً في بعض المواضع ، فإن سلمان أحياناً ، يحتج على بعض المسائل الكبيرة باستدلالات ضعيفة لا تصلح أن تكون حتى دليلاً من الدرجة الثانية والثالثة .. والله أعلم
    وأَحمَدُ سمَّاني كَبِيرِي وقَلَّمَا ** فَعَلْتُ سِوَى ما أَسْتَحِقُ بِهِ الذَمَّا

  19. #19

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    الشيخ سلمان لا يبيح الموسيقى

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    25

    افتراضي رد: الفرق بين التيسيروالتشديد في الحج ؟ وهل التيسير هو تتبع الرخص ( موضوع للنقاش الهاد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد الفارس مشاهدة المشاركة
    الترك يعتبر فعلاً يا أخي القرعاوي ، وإذا كان اليسر والعسر أمر نسبي ، فما هو الحقيقي الذي يريده الله بنا ؟ ( انتظر الجواب )
    أخي أحمد قصدت النسبي بالنسبة للناس
    وهو بلاشك غير منضبط
    فنرجع إلى ما شرعه العليم الخبير
    فكل ما شرعه الله فهو يسر
    فيجب علينا التزامه
    ففيه مراعاة للمكلف وقدرته
    والحمد لله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •