اختلف الفقهاء رحمهم الله
في وجوب الكفارة على من جامع ناسيا أو مخطئا أو جاهلا في نهار رمضان على قولين :
القول الأول : لا كفارة على من جامع ناسيا أو مخطئا أو جاهلا .
وإليه ذهب الحنفية , والمالكية , والشافعية , وبه قال : إسحاق والليث والأوزاعي , وهو قول ابن المنذر والحسن ومجاهد والثوري .
واستدلوا بقوله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » .
ففي الآية والحديث نص على رفع الخطأ والنسيان والإكراه , والمراد رفع الحكم , لأن كل واحد من الثلاثة موجود حسا , والحكم نوعان : دنيوي وهو الفساد , وأخروي وهو الإثم , ومسمى الحكم يشملهما , فيتناول الرفع الحكمين , فلا كفارة عليه , لأن الكفارة لرفع الإثم وهو محطوط عن الناس .
(وبما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة » .
والدلالة من هذا الحديث ظاهرة في عدم وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان ناسيا سواء كان الفطر بالجماع أو غيره .
وبأن كفارة الفطر في نهار رمضان تختلف عن سائر الكفارات حيث تجب هذه الكفارات مع الشبهة , أما كفارة الفطر في نهار رمضان فتسقط مع الشبهة .
والفرق : أن الكفارة إنما تجب لأجل جبر الفائت , وفي الصوم حصل الجبر بالقضاء , فكانت الكفارة زاجرة فقط , فشابهت الحدود فتندرئ بالشبهات .
وبقياس الجماع على الأكل والشرب , فكما أن من أكل أو شرب ناسيا لا تجب عليه الكفارة , كذلك من جامع ناسيا أو مخطئا أو جاهلا لا تجب عليه الكفارة .
القول الثاني : وجوب الكفارة على من جامع ناسيا أو مخطئا أو جاهلا .
وإليه ذهب الحنابلة , وهو رواية عن عطاء , وهو قول ابن الماجشون وابن عبد الملك . واستدل الحنابلة ومن معهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، قال : ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا ، قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك ، أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل – قال : أين السائل ؟ فقال : أنا ، قال : خذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك » .
فهذا الحديث نص في وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان مطلقا , سواء أكان عامدا أم ساهيا أم جاهلا أم مخطئا مختارا كان أو مكرها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل الأعرابي ولو اختلف الحكم بذلك لاستفصله , لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , والسؤال معاد في الجواب , كأنه قال : إذا واقعت في صوم رمضان فكفر .
وبأن الصوم عبادة يحرم الوطء فيه , فاستوى عمده وغيره كالحج .
وبأن إفساد الصوم ووجوب الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع , لا تسقطهما الشبهة , فاستوى فيهما العمد والسهو كسائر أحكامه .
منقول من الموسوعة الفقهية الكويتية