القسم الثاني في ذكر القواعد :
القاعدة الأولى :
أن الغناء - باستقراء النصوص والآثار والوقائع - اسم جنس يدخل تحته أنواع كثيرة فليس هو الغناء من غير آلات لهو ومعازف أو معها بل يشمل النوعين وما يدخل تحتهما من حداء ونصب وتغبير وسماع ، سواء أصحب ذلك آلات لهو ومعازف أم لا .
القاعدة الثانية :
تكلم كثيرٌ من أهل العلم في موضوع الغناء بالنظر إلى جهتين :
الأولى : غناء على وجه التسلية واللهو .
الثانية : غناء على وجه التقرب إلى الله وهو ما اصطلح عليه باسم السماع عند الصوفية وغيرهم .
ويدخل في كل جهة ما سبق ذكره في القاعدة الأولى من أن الغناء تارة يكون بآلات لهو ومعازف وتارة بدونها .
القاعدة الثالثة :
نظراً لتعدد أنواع الغناء وكثرة النصوص الواردة فيه والتي جاء في بعضها الإباحة والرخصة في أوقات مخصوصة وجاء في مقابلها وهو الأكثر المنع والتحذير منه لزم منه وضع كل حديث أو أثر موضعه اللائق به وإلا حصل ما سأذكره في القاعدة التالية .
القاعدة الرابعة :
وهي مبنية على عدم مراعاة القاعدة السابقة حيث حصل بسبب الإخلال بها كثرة التناقض والخلط في موضوع الغناء والخطأ في فهم الحديث أو الأثر وعدم وضعه الموضع اللائق به ، مما تمخض عنه نسبة أقوالٍ وآراءٍ لبعض الأئمة والعلماء لم تكن مرادة لهم ألبته.
القاعدة الخامسة :
أن النصوص الشرعية في موضوع الغناء جاءت وافرةً وفرةً هائلة خصوصاً الأحاديث والآثار حيث بلغت الأحاديث في موضوع الغناء بأنواعه ما يربو على مائة حديث بما فيها الصحيح والضعيف .
القاعدة السادسة :
أن الغناء بأنواعه من النوازل المتكررة في كل زمن وهي في تطور مقيت ولم يكن أهل العلم بمعزلٍ عنه بل صدر منهم العديد من الفتاوى الشفوية والمكتوبة ، وهذا تراه مبثوثاً في كتب الفقه والفتاوى والمجاميع وغيرها ، فينبغى حين النظر في كلامهم عدم إهمال القواعد السابقة واللاحقة .
القاعدة السابعة :
بما أن كلام أهل العلم حول الغناء كثير ومن ضمن كلامهم حكاياتهم الإجماع على بعض أنواعه دون بعض فالحذر من تعميم تلك الحكايات على جميع الأنواع والذي بسببه كثر الخلط والخطأ عند بعض المؤلفين في هذا الباب .
القاعدة الثامنة :
وقع بعض المؤلفين في موضوع الغناء بسبب عدم مراعاة ما سبق في خطأ كبير حينما نفى الإجماع في تحريم بعض أنواع الغناء بسبب ما حكي عن بعض الأئمة والعلماء من القول بجواز بعض أنواع الغناء بينما نجد عند التحقيق أن الإجماع المحكي هو في نوع والقول المنسوب لأحد العلماء أو الأئمة بالجواز هو في نوع آخر . فتنبه لمثل هذا !!
القاعدة التاسعة :
نظراً لأن أهل العلم لم يكونوا بمعزل عن موضوع الغناء بأنواعه كما سبق في القاعدة السادسة وقد تركوا لنا ثروة هائلة تربو على الخمسين كتاباً وهذا سوى ما هو منثورٌ في ثنايا الكتب والمجاميع والفتاوى .
وعليه فإن العجب لا ينقضي لمن يذهب بعد هذا إلى النظر في مؤلفات لا خطام لها و لا زمام ، ومؤلفوها كانوا و لازالوا محل ريبة عند أهل العلم وسأشير إلى كتابين ( ) كثر النقل عنهما :
الكتاب الأول : " الأغاني " لأبي الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب الأصفهاني الأموي ( ت 356هـ ) ، فمع ما في كتابه من لمسات أدبية إلا أن الرجل ثبت في حقه ما يلي :
1) الكذب وفي كثيرٍ من شيوخه الذين يروي عنهم .
2) بذاءة لسانه وفحش ما يكتبه .
3) الاستهزاء والاستهانة بالصحابة - رضي الله عنهم - .
4) الوساخة والقذارة في ملبسه ومعاشه ولا يخفى أنها ليست من الإسلام في شيء .
وقد ذمه وذم كتابه عددٌ من العلماء والمؤرخين كابن الجوزي ، وابن تيمية ، وابن كثير وغيرهم .
وما كان في من مدح فهو في الجانب الأدبي لكتابه فحسب .
و لا يهولنك كتاب شفيق جبري : " دراسة الأغاني " الذي حاول على إظهار ما فيه على أنه حق وصدق ، وحسبك أن تعلم أنه ألف كتابه بتشجيع من شيخه طه حسين !!
ولمزيد بسط ينظر ما يلي :
1) " السيف اليماني في نحر لأصفهاني صاحب الأغاني " لوليد الأعظمي .
2) " جولة في آفاق الأغاني " لنذير محمد مكتبي .
3) " كتب حذر منها العلماء " : ( 2 / 24 - 43 ) لمشهور حسن سلمان .
وحسبك أن تعلم أخيراً أن كتاب الأغاني كان تكأةً لمن أراد الطعن في الإسلام وتاريخه من الشانئين الحاقدين حيث قدم لهم الأصفهاني خدمةً لم يحلموا بها !!
الكتاب الثاني : " العقد الفريد " لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندسي ( 328هـ ) ،" كتب حذر منها العلماء " : ( 2 / 44 - 45 ) .
وبهذا ينتهي ما أردت من التنبيهات والقواعد وستجد في الملف المرفق البحث بحواشيه مع ملحق في حكم رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - .