(الرسائل الفاسية)
بسم الله الرحمن الرحيم
إعلام الساجد بجواز دخول غير المسلمين إلى المساجد
بقلم: مصطفى بن عبد الرحمن الشنضيض الفاسي
توطئة
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأشهدَ على وحدانيته العالمين، وارتضى لهم هذا الدين،
وصلى الله وسلم على إمام المرسلين، الرحمةِ المهداةِ، والفراتِ المعينِ، سيدِنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الإقامة في بلاد الغرب فتحت أبوابا فقهية ملحّة، منها ما هو جديد ومنها ما قد تطرق إليه الفقهاء من قبل، فكانوا يتناولون المواضيع وما يزالون بحسب الظروف والملابسات التي كانت تحيط بهم فيفصّلون أحيانا ويوجزون أحيانا فيؤلفون الكتب ذوات الأجزاء الطوال أحيانا ويكتفون برسالة ذات أسطر معدودة حينا آخر. ومن المسائل الماسّة والحاقّة التي فرغوا من الحديث عنها مسألة دخول الكافر إلى المسجد، لأن الإسلام كان معيشا في الحياة اليومية تحت الخلافة الإسلامية، وشريعته كانت ممكنّا لها، فكان الذمي يتعرف على الإسلام من خلال ممارساته اليومية، ومخالطاته الرتيبة، ومقاصد دخول هذا الذمي الذي يعيش في ظل هذه الخلافة إلى المسجد كانت من أجل قضاء وعمل وبناء واجتياز في الغالب، وبالتالي فهي ليست ذات المقاصد التي تأتي بهم إلى المساجد في هذه الأيام في بلاد الغرب، فمنهم من يأتي رغبة منه وتطوعا لكي يتعرف على الإسلام أو للإعلان بشهادة التوحيد راغبا في التحرر من قيود المادية، والخروج من الحيرة العقدية التي فرضتها النظم العلمانية على المستويين النظري والتطبيقي؛ ومنهم من يأتي كمؤسسات إنسانية اجتماعية تطلب مشورة الأئمة والمفكرين الإسلاميين بخصوص المشاكل التي تواجه العائلات المسلمة من قضايا الطلاق وعقوق الأبناء، وجنوحهم إلى الجريمة وغيرها، وكذلك المشاكل التي يواجهها المعلمون والمربّون الغربيون مع أبناء الجالية المسلمة نظرا لاختلاف الشرائع والثقافات والعادات، ولعدم تفهّمهم لهذا التداخل والتمازج، الشيء الذي يجعل العملية التربوية أكثر تعقيدا عندهم؛ ومنهم الساسة الذين يأتون لمعرفة رأي مؤسساتنا السياسي في مختلف القضايا والأحداث الطوارئ، أو الصحافيون الذين يريدون أن يحققوا هدف السبق عند الأزمات أو يريدون أن يقوموا ببرامج موثقة عن أوضاع الإسلام والمسلمين في الغرب، أو طلبة الجامعات ومنهم بعض المثقفين الاخصائيين الذين يقومون ببحوث عن الإسلام أو عن جانب منه، وذلك بحسب التخصص والحاجة؛ فلهذا كانت المساجد والمؤسسات والمراكز الإسلامية في الغرب هي المكان الوحيد المـَعُوذ به والملتجأ إليه لتحقيق ذلك كله، الشيء الذي جعل تواصلنا مع هؤلاء الوافدين إلى هذه المساجد أكثر منا مع غيرهم، فلمّا كثر الكلام هذه الأيام حول دخول الكافر المساجد في الغرب بين مؤيد ومعترض، بات تبيين الحكم الشرعي فيها ضرورةً، وتوضيحُه نبراساً يستضاء به في مساراتنا الدعوية، مستعينين بالله سبحانه على ذلك، معززين ذلك بما جاء في كتاب الله وما صح من السنة النبوية المطهرة على فهم علماء الأمة الأثبات..والله أسأل أن يهديني للصواب.
عملي في تخريج الأحاديث:
· إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بالعزو لهما أو لأحدهما.
· إذا لم يكن الحديث في الصحيحين ولا في أحدهما فأحاول أن أذكر كل ما وصلت إليه يدي من كتب الحديث والآثار.
· أذكر درجة الحديث قبل العزو إن لم يكن في الصحيحين أو أحدهما، ثم أبين علل الضعف أو الصحة أو الحسن.
· أتوقف ولا أذكر شيئا إن لم أتيقن من درجته عسى الله أن يفتح علي في الطبعة القادمة فأهتدي إلى درجته.
تبويب المسألة:
· توطئة.
· عملي في تخريج الأحاديث.
· الفصل الأول: دخول الكافر المسجد الحرام
· المبحث الأول : أدلة الجمهور
· المبحث الثاني : أدلة الحنفية
· المبحث الثالث : الترجيح
· الفصل الثاني: دخول الكافر باقي المساجد
· المبحث الأول: عبارات الفقهاء
· المطلب الأول: عبارات الأحناف.
· المطلب الثاني : عبارات المالكية.
· المطلب الثالث: عبارات الشافعية.
· المطلب الرابع: عبارات الحنابلة.
· المطلب الخامس: عبارة الظاهرية.
· المطلب السادس: ملخص الأقوال السابقة.
· خلاصة عبارات الفقهاء
· المبحث الثاني: أدلة الفقهاء
· المطلب الأول: أدلة المجيزين
· المطلب الثاني: أدلة المانعين
· المطلب الثالث: مناقشة أدلة المانعين
· الباب الثالث : فتاوى العلماء
· الباب الرابع : خلاصة المسألة
· خاتمة.
الفصل الأول:
دخول غير المسلمين المسجد الحرام
إن مسألة دخول الكافر المسجد الحرام قد فرغ الفقهاء من بحثها تأصيلا وتفريعا بما لم يبقَ معه إجمال. وكفونا مؤنة استئناف البحث والتنقيب فيها، الشيء الذي جعلني أذكرها عبورا بها واجتيازا منها إلى موضوع بحثنا الذي هو بدوره متفرع عنها، ولهذا فسأكتفي بذكر مذاهب الفقهاء، المجيزين منهم والمانعين، مع نقل بعض أدلتهم دون تفصيل أقوالهم، وكذلك مع مناقشة ما ليس منه بد. وهذا طلبا للاختصار خلافا للباب الذي يليه، والذي هو موضوع بحثنا.
ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة إلى حرمة دخول غير المسلمين المسجد الحرام، وذهب الحنفية إلى أن التحريم خاص بموسم الحج فقط أي أن المراد هو عدم جواز تمكينهم من الحج والعمرة.
المبحث الأول: أدلة الجمهور
1. قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[1]
2. قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحج بعد هذا العام مشرك)[2]
إلا أن مذهب الإمام أحمد وعطاء أن المراد من المسجد الحرام: مكة وما حولها من الحرم، واستدلوا بقوله تعالى ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾[3]، وقوله تعالى ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾[4] وأما الشافعية والمالكية ومحمد بن الحسن فقد جعلوا التحريم خاصا بذات المسجد الحرام ولا يتعداه.
المبحث الثاني: أدلة الحنفية
1. قوله تعالى ﴿بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ [5] فإن تقييد عدم الدخول بهذا اللفظ يدل على اختصاصه بوقت من أوقات العام، أي لا يعتمروا ولا يحجوا بعد هذا العام.
2. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يحج بعد هذا العام مشرك[6])
3. قوله تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [7] فإن الخوف من الفقر يكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة، لأنهم كانوا يتاجرون في مواسم الحج، مما سيؤدي إلى الضرر بالمصالح المالية، فأخبرهم الله بأنه سوف يغنيهم من فضله.
4. إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.[8]
5. ما بوّب به ابن خزيمة في صحيحه[9] فقال: (باب إباحة دخول عبيد المشركين وأهل الذمة المسجد والمسجد الحرام أيضا)
6. ما رواه عبد الرزاق[10] في مصنفه بسند صحيح ومن طريقه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن جابر بن عبد الله أنه قال في قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ قال : (إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة.)
المبحث الثالث: الترجيح
الذي يظهر بعد النظر في أدلة الفريقين أن رأي الجمهور هو الراجح وإليك المناقشة:
1. إن علة منع المشركين من دخول المسجد الحرام هي نجاسة الشرك ولذلك قال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾[11] أي فبسبب ذلك لا يجوز لهم أن يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وهذه هي علة المنع، ولا يعود الممنوع إلا إذا زال المانع وهو الشرك لا يكون إلا بإسلامهم وبإسلامهم يعود الممنوع وهو قربهم المسجد الحرام، أي يجوز لهم حينئذ دخوله كغيرهم من المسلمين.
2. وقوله سبحانه ﴿ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾[12] لفظ عام يؤيد ما ذهب إليه الجمهور، وقول السادة الأحناف أنه يدل على بعض أوقات السنة يحتاج إلى دليل مخصص، فإن قالوا: مخصصنا هو حديث علي الذي جاء في الصحيفة التي أرسله بها سيدنا رسول الله صبى الله عليه وسلم (ولا يحج بعد العام مشرك) والحج أيام معلومات لا غير، قلنا:
· أولا هذا تخصيص القرآن المتواتر بخبر الواحد وهذا مخالف لقواعدكم، بأن قصر العام على بعض أفراده لا يكون إلا بسنة متواترة أو مشهورة[13]، لكون دلالته على جميع أفراده قطعية، فلا يخصص بما كان ظنيا أي بخبر الواحد وإن كان صحيحا، والحديث المخصص هذا ليس منها.
· ثانيا: إن الحديث يدل بنصه على عدم السماح لهم بالحج بعد هذا العام، والظاهر من مفهومه المخالف أنه يجوز لهم الدخول إن لم يقصدوه للحج، وهذا غير صحيح، لأن مفهوم المخالفة معطّل غير قائم، وذلك بأنه خرج في الحج مخرج الغالب أي أن مشركي العرب خارج مكة ممن بَـعُد مُقامه كانوا في الغالب يأتون المسجد الحرام من أجل قضاء مناسك الحج والتجارة كما اعتادوه في الجاهلية، إذن فالسماح لهم في غير أيام الحج يحتاج إلى دليل مستقل.
· ثالثا: إن الله عمم الداخل وهم المشركون، وخصص المدخول وهو المسجد الحرام ولم يستفصل هل في موسم الحج دون غيره، أو في فصل خاص في فصول العام! وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما هو مقرر عند الأصوليين[14].
3. قوله تعالى ﴿ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾[15]، يفيد النهي عن قرب المسجد الحرام سواء في موسم الحج أوغيره.فهو عام في المشركين، خاص بالمسجد الحرام.
4. وأما قوله تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [16] فلا دليل فيها لهم على ما ذهبوا إليه، لأن الله قد تكفل بإغنائهم عن المشركين من فضله إن شاء، هذا وهُم في أشد الحاجة إليهم في مواسم الحج والعمرة، دفعا لتوقع الضرر بالمصالح المالية، فكيف وهم غير محتاجين إليهم في سائر الأيام.
5. أما إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة ومزدلفة وسائر أعمال الحجفهو صحيح، ولكن ليس فيه ما يشير إلى تخصيص المنع من دول المشركين المسجد الحرام في موسم الحج دون غيره.