قال أبو يعلى في ( مسنده ) [رقم/ 1185] : (حدثنا زهير حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير : عن أبي سعيد قد رفعه قال : تصبح الأعضاء تكفر اللسان تقول أتق الله فينا فإن استقمت استقمنا و إن اعوججت اعوججنا).
--------------
1185- [حسن]: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» [4/309]، من طريق محمد بن غالب تمتام قال: ثنا عارم- وهو محمد بن الفضل في إسناد المؤلف - ومسدد وسهل بن محمود قالوا: ثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي r به نحوه ...
قال أبو نعيم: «غريب من حديث [ أبي ] سعيد، تفرد به حماد عن أبي الصهباء».
قلت: وسنده حسن صالح، رجاله كلهم ثقات أئمة سوى أبي الصهباء، وهو شيخ كوفي لا بأس به، روى عنه جماعة من النَّقَلة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقول الحافظ عنه في «التقريب»: «مقبول»! - يعني عند المتابعة، وإلا فليِّن ! - غير مقبول على التحقيق! ومن يروي عنه مثل حماد بن زيد لا يكون مجهولا ولا غائبًا! بل روايته عنه تقويه وترفع من شأنه، فقد قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» [1/1/36] : «سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة، مما يقويه؟ قال : إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه، واذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه ». وقال أيضًا: «سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه؟ قال : إي لعمري، قلت : الكلبي روى عنه الثوري! قال : إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء، وكان الكلبي يُتَكلَّمُ فيه».
قلت: وكلام أبي حاتم وصاحبه ليس على إطلاقه! والأشبه أنهما قصدا برواية الثقات: يعني ثقات الثقات، والحفاظ من الأثبات، وليس كل ثقة! وإلا فقد جزم أبو حاتم بجهالة غير واحد روى عنه أكثر من ثقة! فارتدَّ الأمر إلى اعتبار الحذاق من الثقات، والأثبات من الرواة، في تقوية حال من يروون عنه من صنوف النقلة الذين لم يُؤْثر عن أحد من النقاد أنه تكلم فيهم؟ ولا ريب أن حماد بن زيد مندرجٌ في زمرة أولئك الحفاظ المتقنين المتثبتين، فروايته عن أبي الصهباء الكوفي مما تقويه إن شاء الله، لا سيما ولم يُحْفَظ عن أحد من أهل العلم أنه تكلم فيه! وما علمت للرجل حديثًا منكرًا، أو غريبًا لا يحتمل! فمثله يكون مقبول الرواية عند جماعة من حذاق النقاد، وقد قال الذهبي«الميزان» [3/426]: « والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح»، وقد مشى الذهبي على تلك القاعدة في مواطن من «كتبه»، فقال في ترجمة «محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب» من «الميزان» [3/668]: «ما علمت به بأسا ، ولا رأيت لهم فيه كلاما ، وقد روى له أصحاب «السنن الأربعة» فما اسْتُنْكِرَ له حديث». وقد حسَّن له الإمام الحافظ مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الأَصْبَهَانِيّ ُ هذا الحديث، كما يأتي.
قلت: وبهذا البيان الذي أوردناه في حق أبي الصهباء = تطيش محاولات جماعة من المتأخرين في رميه بالجهالة! مع إعلال هذا الحديث به! وقد عرفتَ ما فيه؟
وقد جهدتُ للوقوف لأبي الصهباء على اسم؟ فما استطعتُ! وقبلي قال الحافظ الكبير أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» [1/ق243/أ/مخطوط] في باب من يكنى بــ: «أبي الصهباء»: «مَنْ أعرف منهم بكنيته ولا أقف على اسمه؟ » ثم ذكر منهم: «أبا الصهباء الكوفي» فقال: «أبو الصهباء سمع سعيد بن جبير روى عنه حماد بن زيد وعمارة بن زاذان».
[تنبيه] قد غلط المعلق على «الزهد/لهناد» [2/533]، وظن أن «أبا الصهباء» هنا هو «صهيب أبا الصهباء البكري ، البصري ، و يقال المدني ، مولى ابن عباس» الذي أخرج له مسلم! فقال: «أبو الصهباء: اسمه صهيب، مولى ابن عباس، البكري البصري، قال أبو زرعة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات ... »!
قلت:ولم يفعل الرجل شيئًا! وقد تابعه على هذا الوهم: الباحث الفاضل سليم الهلالي في كتابه: «بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين» [3/17]! إلا أنه استدرك على نفسه في «عجالة الراغب المتمني» [1/34]، فقال: « ... وهذا سبق قلم مني، لأن أبا الصهباء راوي حديثنا هذا كوفي، وذاك الذي وثقه أبو زرعة - واسمه صهيب - بصري، وهما مختلفان».
قلت: وأزيد عليه: بأن البخاري وأبا حاتم وابن حبان وأبا أحمد الحاكم وغيرهم كلهم قد فرقوا بين الرجلين، وغايروا بين الشخصين، وأيضًا فأبو الصهباء البكري متقدم الطبقة على أبي الصهباء الكوفي، ذاك يروي عنه سعيد بن جبير، وهذا يروي عن سعيد بن جبير!
وقد أغرب الإمام الحافظ مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ الأَصْبَهَانِيّ ُ، وقال في «الفوائد الملتفظة والفرائد الملتقطة من مسموعات أبي الفتح الخرقي» [عقب رقم/19/مخطوط/بترقيمي]، بعد أن ساق الحديث من طريق أبي بكر ابن السني ، ثنا أبو خليفة ، ثنا مسدد ، ثنا حماد بن زيد ، عن أبي الصهباء ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي سعيد الخدري به ... قال: «أبو الصهباء هذا اسمه صلة بن أشيم العدوي ، عداده في البصريين ، يروي عنه الحسن بن أبي الحسن البصري ، وحميد بن هلال ، وثابت بن أسلم البناني ، وزوجته معاذة العدوية، وقال الإمام أبو أحمد العسال : هو بصري ثقة قتل بخراسان في بعض الغزوات في ولاية الحجاج ، روى عنه أبو السليل»!
قلت: وهذا من الأوهام العجيبة! فإنه لا يُعرف لصلة بن أشيم رواية عن سعيد بن جبير أصلا! ولا ذكروا أن حماد بن زيد يروي عنه! وكيف يروي عنه حماد وهو لم يدركه أصلا! بل لمَّا قُتِلَ صلة بن أشيم ببلاد كابل غازيًا لم يكن حماد قد ارتكض في رحم أمه بعد! بل لم يكن أَبَوَا حماد قد التقيا في تلك الحياة أصلا؟! وقد كان مقتل «صلة» في أول ولاية الحجاج على العراق سنة خمس وسبعين للهجرة، أما حماد بن زيد فقد كان مولده سنة ثمان وتسعين، كما ذكر تلميذه خالد بن خداش! فكيف خفي مثل هذا على مُحَمَّدُ بنُ مَكِّيِّ بنِ أَبِي الرَّجَاءِ وهو «الفَقِيْهُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُفِيْدُ أَصْبَهَان، الذي كَتَبَ الكَثِيْر، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَحَدَّثَ»، كما يقول الذهبي في ترجمته من «سير النبلاء»!؟ لكن المعصوم من عصمه الله وحده.
وصلة بن أشيم هذا: شيخ قديم معدود من كبار التابعين، بل ذكره جماعة في الصحابة؛ لكونه أرسل حديثًا! قال الحافظ في «الإصابة» [3/463]: «ذكر أبو موسى- يعني محمد بن عمر الأصبهاني الحافظ - أنه قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين وهو ابن مائة وثلاثين سنة، قلت: فعلى هذا فقد أدرك الجاهلية».
قلت: وكان صلة من أولئك الزهاد العباد المجاهدين، الذين شغلتهم العبادة والغزو عن الرواية والسماع، فلهذا قلَّتْ رواياته في دواوين الإسلام! وذاعت الأخبار عنه في «الزهد والرقاق»، وله مواعظ تذوب منها الصخور، وتموج لحرارتها أمواج البحور!
ومن بليغ أخباره: ما رُوِّيناه في «حلية الأولياء» [2/238] بالإسناد الصالح عن ثابت البناني قال: « كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبانة- يعني المقابر- فيتعبد فيها- يعني بجوارها - فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق، وناموا بالليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة، فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم إنه لا يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام! ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات».
تابع البقية: ....