بسم الله الرحمن الرحيم
مثال أريد أن أنطلق منه إلى فهم شيخ الإسلام ابن تيمية لضوابط وشروط الفقهاء ولعلي أجعل هذا مدخلا لهذه العبقرية الفذة في التعامل مع شروط الفقهاء في العبادات والمعاملات وهذا المثال الذي أستفتح به ماهو إلا تحريك للذهن لتصور الموضوع الذي أرجو أن يشاركني الإخوة فيه لنجلي طريقة الفهم الواجبة على طالب العلم عند دراسته لفقه العمليات أو الفروع
ولننظر في المسألة
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج21/ص209
قال رحمه الله : اتفق الفقهاء على أن من توضأ وضوءا كاملا ثم لبس الخفين جاز له المسح بلا نزاع ولو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم فعل بالأخرى مثل ذلك ففيه قولان هما روايتان عن أحمد إحداهما يجوز المسح وهو مذهب أبي حنيفة والثانية لا يجوز وهو مذهب مالك والشافعي قال هؤلاء لأن الواجب ابتداء اللبس على الطهارة فلو لبسهما وتوضأ وغسل رجليه فيهما لم يجز له المسح حتى يخلع ما لبس قبل تمام طهرهما فيلبسه بعده وكذلك في تلك الصورة قالوا يخلع الرجل الأولى ثم يدخلها في الخف واحتجوا بقوله إني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان قالوا وهذا أدخلهما وليستا طاهرتين والقول الأول هو الصواب بلا شك وإذا جاز المسح لمن توضأ خارجا ثم لبسهما فلأن يجوز لمن توضأ فيهما بطريق الأولى فإن هذا فعل الطهارة فيهما واستدامها فيهما وذلك فعل الطهارة خارجا عنهما وإدخال هذا قدميه الخف مع الحدث وجوده كعدمه لا ينفعه ولا يضره وإنما الاعتبار بالطهارة الموجودة بعد ذلك فإن هذا ليس بفعل محرم كمس المصحف مع الحدث وقول النبي إني أدخلتهما الخف وهما طاهرتان حق فإنه بين أن هذا علة لجواز المسح فكل من أدخلهما طاهرتين فله المسح وهو لم يقل إن من لم يفعل ذلك لم يمسح لكن دلالة اللفظ عليه بطريق المفهوم والتعليل فينبغي أن ينظر حكمة التخصيص هل بعض المسكوت أولى بالحكم ومعلوم أن ذكر إدخالهما طاهرتين لأن هذا هو المعتاد وليس غسلهما في الخفين معتاد وإلا فإذا غسلهما في الخف فهو أبلغ وإلا فأي فائدة في نزع الخف ثم لبسه من غير إحداث شيء فيه منفعة وهل هذا إلا عبث محض ينزه الشارع عن الأمر به ولو قال الرجل لغيره أدخل مالي وأهلي إلى بيتي وكان في بيته بعض أهله وماله هل يؤمر بأن يخرجه ثم يدخله ويوسف لما قال لأهله ادخلوا مصر إن شاء الله وقال موسى يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة وقال الله تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فإذا قدر أنه كان بمصر بعضهم أو كان بالأرض المقدسة بعض أو كان بعض الصحابة قد دخل الحرم قبل ذلك هل كان هؤلاء يؤمرون بالخروج ثم الدخول فإذا قيل هذا لم يقع قيل وكذلك غسل الرجل قدميه في الخف ليس واقعا في العادة فلهذا لم يحتج إلى ذكره لأنه ليس إذا فعل يحتاج إلى إخراج وإدخال فهذا وأمثاله من باب الأولى