الشروط في النكاح
الشرط في اللغة : " إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه كاشتراط المرأة على زوجها أن لا ينقلها من بلدها ولا يمنعها من عملها ، ونحو ذلك .
والشرط عند الأصوليين : " ما يلزم من عدمه العدم ، ويلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته " .
والشرط قد يكون مشترطا من الشارع ، وقد يشترطه أحد العاقدين على العاقد الآخر والثاني هو المقصود بالبحث هنا .
وهذه الشروط إما أن تكون مقترنة بالبحث سابقة عليه مرتبطة به .
وهي على ثلاثة أنواع :
1) الشروط الموافقة لمقصود النكاح ومقصد الشارع .
2) الشروط المنافية لمقصود العقد أ, المخالفة لما نصّ عليه الشارع و ألزم به .
3) الشروط التي لم يأمر الشارع بها ولم ينه عنها وفي اشتراطها مصلحة لأحد الطرفين .
أما النوع الأول : فقد اتفق أهل العلم على صحة هذا النوع من الشروط كاشتراط الزوجة العشرة بالمعروف ، والإنفاق والكسوة والسكنى أو أن يشترط عليها ألا تخرج إلا بإذنه ، ولا تمنعه من نفسها ، و ألاّ تتصرف في ماله إلا برضاه ، ونحو ذلك .
النوع الثاني :الشروط التي تنافي مقصد عقد النكاح أو التي تخالف ما شرعه الله تعالى .
فقد اتفق أهل العلم أيضا على عدم صحة الشروط التي تخالف ما أمر الله به أو نهى عنه .
ومن هذه الشروط أن تشترط المرأة على زوجها أن لا تطيعه ، أو أن تخرج من غير إذنه .. أو أن يشترط عليها أن لا مهر لها ولا ينفق عليها ونحو ذلك ..
لكن مع اتفاقهم على بطلان الشروط الفاسدة ، اختلفوا في إبطال هذه الشروط للعقود التي اشتُرطت فيها .
1) فذهب جمع من أهل العلم إلى بطلان العقود التي اشتُرطت فيها وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستدل لما ذهب إليه بما يأتي :
أ) الأنكحة التي نهت النصوص عنها كنكاح الشغار ونكاح التحليل ونكاح المتعة ، يكفي في إبطالها ذلك النهي الذي ورد فيها فالنهي يقتضي الفساد .
ب) أبطل الصحابة هذه العقود ، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار وجعلوا نكاح التحليل سفاحا ، وتوعّدوا المحلل بالرجم .
ج) تصحيح العقود مع إبطال الشروط الفاسدة يؤدي إلى الإلزام بالعقود من غير رضى العاقدين أو أحدهما ، لأن تصحيح العقد إما أن يكون مع الشرط المحرم الفاسد ، أو مع إبطاله .
فإذا صححناه مع وجود الشرط المحرم كان هذا خلاف النص والإجماع ، وإن صححناه مع إبطاله ، فيكون ذلك إلزاما للعاقد بعقد لم يرض به ، ولا ألزمه الله به ، والعقود لا تلزم بإلزام الشارع أو بإلزام العاقد ، فإذا كان الشارع لا يلزمه بعقد النكاح مع الشرط الفاسد ولا هو قَبِلَ أن يلتزمه مع خُلُوّهِ من الشرط ، فيكون إلزامه بذلك إلزاما بما لم يلزم الله به ورسوله ، وهذا لا يجوز .
د) واستدل بقياس الأولى ، فالبيع لا يجوز إلا بالتراضي لقوله تعالى : ) إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم([ النساء 29 ] والنكاح أولى بعدم الجواز و أحرى إذا لم يكن بالتراضي .
2) وذهب الحنفية إلى أن الشروط الفاسدة لا تبطل النكاح إلا إذا اشترطت التأقيت في العقد ، يقول الكاساني : النكاح المؤبد الذي لا توقيت فيه لا يبطله الشروط الفاسدة .
3) وذهب جمع من أهل العلم منهم الشافعية والحنابلة إلى أن : من شروط النكاح ما يبطل الشرط ويصح العقد ومنها ما يبطل العقد من أصله .
وضابط النوع المبطل كما يقول النووي أن يكون مخلا بمقصود النكاح ومثَّلَ له باشتراطه في العقد طلاقها أو عدم وطئها .
أما الشروط الباطلة التي يصح معها عقد النكاح فهي الشروط التي لا تخل بالمقصود الأصلي للنكاح كما يقول النووي ، ومثَّلَ لها باشتراطها خروجها متى شاءت ، أو أن تشترط طلاق ضرّتها ، أو أن يشترط أن لا قسم لها و لا نفقه .

النوع الثالث : الشروط الجائزة :
وهي الشروط التي لا تنافي مقصود النكاح ، ولا تخالف ما قرره الشّرع ، مثل أن تشترط على الزوج ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ، أو تستمر في عملها الذي تبيحه الشريعة ونحو ذلك .
وقد اختلف العلماء في هذا النوع من الشروط على ما يلي :
1) فذهب الحنابلة إلى القول بصحتها ووجوب الوفاء بها ، فإن لم يفِ بها المشتَرَطُ عليه فإن للطرف الآخر حق فسخ النكاح .
وقد عزا ابن قدامة هذا القول إلى عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص ، و به قال شريح وعمر ين عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس و الأوزاعي وإسحاق ، وذكر ابن رشد أن لزوم الشرط هو ظاهر ما وقع في العتبية ، وإن كان المشهور عند المالكية خلاف ذلك .
2) وذهب الجمهور إلى بطلان هذه الشروط ، وعزا ابن قدامة القول ببطلانها إلى الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي .
وعزاه ابن عبد البر أيضا إلى علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وهشام ابن هبيرة والشعبي وإبراهيم النخعي .
وسبب اختلافهم في المسألة أمران :
الأول : اختلافهم في الشروط في العقود هل الأصل فيها الحظر أم الإباحة .
والذي حققه شيخ الإسلام ابن تيمية أن الأصل في العقود والشروط الحل وعدم التحريم لأنها من باب الأفعال العادية ، فيستصحب فيها عدم التحـريم حتى يدل الدليل على التحريم .
الثاني : اختلاف أهل العلم في فقه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهـو باطل ، شرط الله أحق وأوثق )
والقول الراجح في المسألة هو صحة الشروط الجائزة في عقد النكاح ويدل على صحة هذا القول أمور :
1) قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه : ( أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) [ البخاري 5151 ]
وهذا يدل على أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منها في البيع .
قال ابن حجر في شرحه : " أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح ، لأن أمره أحوط وبابه أضيق .
2) النصوص التي أجازت مثل هذه الشروط في غير النكاح ، فالعقود باب واحد ، وفي كتب السنة عدة أحاديث ثبت فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز فيها الاشتراط في العقود ، ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( من باع نخلا قد أبـرت ، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ) [ البخاري 2717 ]
فلو كان الشرط لا يصح فإن المبتاع لا يجوز له اشتراط الثمر ، وروى البخاري ( 2718 ) " أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه باع للرسول صلى الله عليه وسلم جمله الذي كان يركبه ، وشرط ظهره إلى المدينة " ولو كان الشرط باطلا لما رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط جابر رضي الله عنه .
وقد ترجم البخاري على بعض الأحاديث الدالة على جواز الشروط بقوله : " باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة " .
وعن عبد الرحمن بن غنم قال : شهدت عمر بن الخطاب واختُصم إليه في امرأة شرط لها زوجها ألا يخرجها من دارها ، قال عمر : لها شرطها ، قال رجل : لأن كان هذا لا تشاء امرأة تفارق زوجها إلا فارقته ، فقال عمر : المسلمون عند مشارطهم ، عند مقاطع حقوقهم .
وذكره ابن عبد البر بالإسناد نفسه ، ولفظه: " والمسلمون عند شروطهم ومقاطع الحقوق عند الشروط "
وخلاصة القول في المسألة أن الشروط تكون باطلة فاسدة لأحد أمرين :
الأول : منافاتها لحكم الله وشرعه ، كاشتراط الولاء لغير المعتق ، فهذا الشرط لا ينافي مقصود العقد ولا مقتضاه وإنما ينافي كتاب الله وشرطه ، فالذي في حكم الله وشرعه أن الولاء لمن أعتق .
والثاني : منافاة الشرط لمقاصد العقد كمن زوجه واشترط عليه الطلاق ، فهذا الشرط يناقض مقصود العقد ويصبح به العقد لغوا .
فإذا لم يشتمل الشرط على واحد من هذين الأمرين فلا وجه لتحريمه ، لأنه عمل مقصود للناس ، يحتاجون إليه إذ لولا حاجتهم إليه لم يفعلوه . [ إهـ نقلا عن أحكام الزواج للأشقر ص 179 – 194 بتصرف ]
العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح
العيوب التي يُفسخ بها عقد النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1) منها ما يختص بالمرأة مثل أن يكون فرجها مسدودا ، أو به بخر(1) ، أو قروح سيّالة ، أو كونها فتقاء (2) ، أو مستحاضة ، وكذلك إذا تزوجها بكرا فبانت ثيبا .
2) ومنها ما يختص بالرجل مثل أن يكون مقطوع الذكر ، أو الخصيتين ، أو كان عنّينا(3) ، أو عقيما .
3) ومنها ما هو مشترك مثل الجنون ولو كان أحيانا ، والجذام ، والبرص ، وبخر الفم ، واستطلاق البول أو الغائط ، أو الناسور(4) ، أو المرض الذي لا يرجى شفاؤه وتصعب معه الحياة الزوجية ونحوها .
الأدلة على الفسخ بهذه العيوب وأمثالها :
روى أحمد وسعيد بن منصور في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار ، فرأى بكشحها بياضا (5) ، فقال لها : البسي ثوبك والحقي بأهلك .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " أيما امرأة غُرّ بها رجل ، بها جنون ، أو جذام ، أو برص ، فلها المهر بما أصاب منها ، وصداق الرجل على من غرّه " [ مالك و الدارقطني ]
وفي لفظ :" قضى عمر في البرصاء ، والجذماء ، والمجنونة إذا دخل بها فُرّق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها ، وهو له على وليّها " .
وجاء التفريق بالعنة عن عمر ، وعثمان ، وعبد الله بن مسعود وسمرة بن جندب ، ومعاوية ، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم لكن عمر وابن مسعود أجّلاه سنة – أي العنّين- أما عثمان ومعاوية فلا يؤجلاه .
وعن ابن سيرين : " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث رجلا على بعض السقاية فتزوج امرأة
وكان عقيما ، فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم ؟ قال: لا ، قال: فانطلق فأعلمها ثم خيِّرْها " .
وأجّل عمر مجنونا سنة ، قال: فإن أفاق و إلا فرّق بينه وبين المرأة .
ومما ينبغي أن ينبه إليه أنه إذا علم أحدهما بالعيب في أخيه قبل النكاح ورضي به فلا يحل له الفسخ أبدا .
و إذا كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر عليه ، وإن فسخ بعد الدخول قيل إن الصداق يستقر بمثل هذه الخلوة ، والله تعالى أعلم .
وملخص القول في هذا الباب : فإن كل عيب لا يمكن من تحقيق مقاصد النكاح الأساسية ومن استمتاع كل من الزوجين بالآخر ، ولم يعلم به الآخر قبل الدخول وجب الفسخ ، والله تعالى أعلم . [ إهـ نقلا عن أحكام الزواج ]
ـــــــــــــــ ــ
الهوامش :
1) رائحة كريهة .
2) قال الجوهري : وهي المنفتقة الفرج ، منخرقة ما بين السبيلين .
3) رجل عنّين : لا يقدر على النساء أو لا يشتهي الجماع وتُعرف العِنّة بالإقرار .
4) الناسور : مرض يصيب الشرج .
5) برصا .