بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للَّـهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللَّـهِ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :
فقد قالَ فضيلةُ الشَّيخِ عبدُ اللَّـه بنُ صَالِحٍ الفَوْزَانُ ـ حَفِظَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ في كتابِهِ النَّفيس مِنحَة العَلَّام في شَرحِ بُلُوغ المَرام ج 5 ص 93 ـ 95 عندَ شرحه لحديث
684/5 ـ أَبي ذَرٍّ ـ رضي اللَّـهُ عَنْهُ ـ قَالَ: « أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّـهِ أَنْ نَصُومَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ: ثَلاَثَ عَشَرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ ».
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيّ ُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الكلام عليه من وجهين:
الوجه الأول: في تخريجه:
هذا الحديث أخرجه النسائي (4/222)، والترمذي (761)، وابن حبان (8/414 ـ 415) من طريق يحيى بن سام، عن موسى بن طلحة، عن أبي ذر رضي الله عنه، به.
وقال الترمذي: (حديث حسن)، ولما نقل الألباني تحسين الترمذي قال: (وهو كما قال ـ إن شاء الله تعالى ـ، ويحيى بن سام، لا بأس به، وقد توبع عليه، وخولف في سنده)[1].
وقد صحح الحديث ابن خزيمة (3/302)، وابن حبان، ولعل ذلك لكثرة طرقه وشواهده.
ويحيى بن سام ـ بسين مهملة ـ ترجم له البخاري في «تاريخه»[2]، وابن أبي حاتم[3]، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال الذهبي: (وُثق)[4]، وذكره ابن حبان في «الثقات»[5]، وقال الحافظ: (مقبول).
وقد تكلم أبو حاتم عن طرق هذا الحديث في «العلل» (786) كما تكلم عليه الدارقطني في «علله» أيضاً (5/229) (6/263).
وقد ذكر النسائي الاختلاف في إسناده على موسى بن طلحة، فأخرجه من طريق أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه قصة الأعرابي الذي أتى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأرنب مشوية، واعتذر عن الأكل بالصيام، وفي آخره قال أبو هريرة: (إن كنت صائمًا فصم الغُرَّ)، أي: أيام البيض، والمراد: أيام الليالي البيض.
وهذا الحديث إسناده صحيح، لكنه معلول، والأظهر أن الحديث بالنص على أيام البيض ليس عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ وإنما هو عن أبي ذر رضي الله عنه، وذلك لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله : «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر، صَوْمُ الدَّهْر كُلِّهِ» ، فقد صمتُ ثلاثة أيام من أول الشهر...) الحديث بتمامه[6].
ولو كان حديث الباب محفوظًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، ما خالفه وترك صيام أيام البيض، وصام الثلاثة من أول الشهر، والله أعلم.
الوجه الثاني: الحديث دليل على فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهذه هي أيام البيض، سميت بذلك: لبياض لياليها بنور القمر.
وقد ورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: « أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام » [7].
وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: (نعم)، فقلت لها: من أيِّ أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: (لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)[8].
فالأحاديث الصحيحة تدل على فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وليس فيها تحديد ذلك بأيام البيض، كما ورد في حديث الباب[9]، وقد روى الحارث بسنده، عن موسى بن سلمة قال: سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال: « كان عمر يصومهن »[10] وقد بوب البخاري في «صحيحه» باب « صيام البيض » وكأنه أشار بذلك إلى أنه ينبغي أن تكون الثلاثة المطلقة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي ذكره هي أيام البيض[11]، ويمكن ان يستفاد من ذلك مذهبه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ليس فيه ذكر البيض، بل يصوم متى شاء، كما في حديث عبد الله بن عمرو في «الصحيحين»، وأبي هريرة في «الصحيحين» ـ أيضاً ـ، وحديث أبي الدرداء في «مسلم»، وهي أصح بكثير من حديث أبي ذر، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر في العشر الأول، أو في العشر الأوسط، أو في العشر الأخيرة، حصل له الأجر، وإذا وافق أيام البيض فذلك أفضل جمعاً بين الأحاديث كلها ). والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
[1] الإرواء ( 4/201).
[2] التاريخ الكبير (8/277).
[3] الجرح والتعديل (9/155).
[4] الميزان (4/377).
[5] (7/606).
[6] أخرجه أحمد ( 14/280 ـ 281 ) (16/288) الأول : بإسناد صحيح على شرط مسلم كما قال الألبانيّ في " الإرواء " (4/99)، والثّاني بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
[7] أخرجه البخاريّ (1981)، ومسلم (721).
[8] أخرجه مسلم (1160).
[9] انظر : "فتح الباري" (4/226).
[10] "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث " (1/325).
[11] انظر : " مناسبات تراجم البخاريّ " ص (58)، "فتح الباري" (4/226).