قال أبو يعلى في ( مسنده ) [رقم/1112 ]: حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن جابر عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم : عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا استيقظ الرجل من الليل صلى ركعتين كتب من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات).
****************************** ***
[1112 ][ضعيف]: أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» [6/420/طبعة دار طيبة]، وأبو القاسم التيمي في «الترغيب» [3/437/طبعة دار الحديث]، من طريق عيسى بن جعفر -قاضي الري- ثنا محمد -هو ابن جابر الحنفي- عن علي بن الأقمر، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي سعيد الخدري به ...
قلت: هذا إسناد ضعيف معلول! رجاله ثقات سوى محمد بن جابر، وهو اليمامي الضعيف المختلط، لكنه لم ينفرد به: بل تابعه مسعر بن كدام عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: « إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فتوضآ وصليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات » أخرجه الطبراني في «الأوسط» [3/ رقم/ 2565]، وفي «الصغير» [رقم/ 248]، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه [6/369]، حدثنا إبراهيم بن بيان الجوهري الدمشقي حدثنا محمد بن عبد الرحمن الجعفي الكوفي قال حدثنا جعفر بن عون عن مسعر به ...
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن مسعر إلا جعفر تفرد به محمد بن عبد الرحمن».
قلت: شيخ الطبراني: «إبراهيم بن بيان – ويقال: «بنان» الجوهري» ترجمه ابن عساكر في «تاريخه» [6/368] ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا، ومحمد بن عبد الرحمن الجعفي: صدوق حافظ، لكنه كان كثير الغرائب، فلا تثبت المتابعة بمثل هذا الإسناد.
نعم: لم ينفرد به محمد بن عبد الرحمن الجعفي، بل تابعه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمَوَدَّةِ ، نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ بإسناده به مثله...أخرجه الواحدي في «الوسيط» [3/471/الطبعة العلمية]، من طريق أبي يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلانِيّ ُ ، بِمَكَّةَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمَوَدَّةِ به ...
قلت: وابن أبي المودة ترجمه الخطيب في «تاريخه» [10/178]، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا، والراوي عنه لم أميزه؟ وأبو يعقوب الصيدلاني قال عنه المعلمي في «التنكيل» [1/ 378]: « لم أجد من وثقه »، لكن تعقبناه في «المحارب الكفيل» بكون الرجل مقبولا معروفًا، روى عنه جماعة من المغاربة والمشارقة، وكان راوية كتب أبي جعفر العقيلي، ومثله صدوق إن شاء الله.
فالحاصل: أن الإسناد لا يثبت إلى مسعر ، وقد خولف فيه جعفر بن عون، فرواه محمد بن كثير العبدي عن الثوري عن مسعر عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم المزني عن أبي سعيد به موقوفا عليه! ولم يرفعه! هكذا أخرجه أبو داود [رقم/1309] حدثنا ابن كثير ثنا سفيان به ...
قلت: وهذا أشبه أن يكون محفوظًا عن مسعر، وهكذا وقع إسناد أبي داود في جميع الطبعات التي وقفت عليها من «السنن»: «حدثنا ابن كثير ثنا سفيان عن مسعر عن علي بن الأقمر...»، والذي نص عليه المزي في «تحفة الأشراف» [3/330] أن أبا داود رواه عن «محمد بن كثير , عن سفيان , عن عليِّ بن الأقمر به» ليس فيه: «مسعر»! وهكذا جزم به الحافظ في «نتائج الأفكار» [1/39]، وهو كما قالا.
ويبدو لي: أن: «مسعر» وقع على سبيل الإقحام من الناسخ بين الثوري وعلي بن الأقمر.
ويؤيده: أن الثوري قد روى عنه جماعة هذا الحديث عن علي بن الأقمر به مباشرة دون واسطة بينه وبين ابن الأقمر، ولم يختلفوا عليه في ذلك، وإنما اختلفوا عليه في رفعه ووقفه فقط! وسيأتي ذكر الخلاف فيه على الثوري قريبًا.
ثم وقفت على الحجة الدامغة في إثبات صحة ما نقول، وهي أني رأيت البيهقي قد أخرج في «سننه» [رقم/ 4421 ] هذا الحديث من طريق أبي داود فقال: « أنبأ أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا محمد بن كثير أنبأ سفيان عن علي بن الأقمر، فذكره ولم يرفعه ولا ذكر أبا هريرة ، جعله في كلام أبي سعيد»، ولم يذكر بين الثوري وابن الأقمر أحدًا! فاستبان بذلك: أن ذكر: «مسعر» فيه لا معنى له!
لكن يبدو: أن هذا الإقحام قديم في «سنن أبي داود»! فقد قال عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الكبرى» [2/ 369]: « رَوَاهُ مسعر ، عَن عَليّ بن الْأَقْمَر ، عَن الْأَغَر ، عَن أبي سعيد مَوْقُوفا ، وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة . ذكر ذَلِك أَبُو دَاوُد» ، وعليه مشى شُرَّاح أبي داود.
وقد توبع محمد بن جابر على وصله، فرواه شيبان عن الأعمش عن علي بن الأقمر عن الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله : «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين والذاكرات»، وفي رواية: « من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» أخرجه أبو داود [رقم/1451]،- واللفظ له- وابن ماجه [رقم/1335]، والنسائي في الكبرى [رقم/1310،11406]، وابن أبي الدنيا في «قيام الليل» [رقم/ 233]، وابن حبان [رقم/2568،2569]، والبزار [15/رقم/8281]، و[18/رقم/20]، والدارقطني في العلل [9/ 70]، والحاكم [461/1]، والبيهقي في الشعب [3/ رقم/ 3083]، وفي سننه [رقم/4420]، ومحمد بن مخلد العطار في « حديث محمد بن عثمان بن كرامة وحديث طاهر بن خالد بن نزار الأيلي» [رقم/ 62/ضمن سلسلة الأجزاء الحديثية/طبعة دار البشائر]، ومن طريقه أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي في «أحاديث من مسموعاته» [رقم/ 6/مخطوط/بترقيمي]، والمستغفري في «فضائل القرآن» [1/رقم/ 469/طبعة دار ابن حزم]، وابن الأعرابي في «معجمه»، والحافظ في «نتائج الأفكار» [1/38]، من طرق عن شيبان عن الأعمش به ...
قال البزار: « وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأغر إلا علي بن الأقمر ، ولاَ نَعلم رواه عن الأعمش إلا شيبان »، وقال أيضًا: « وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا أبو سعيد وأبو هريرة , عن النبي بهذا الإسناد»، وقال الحافظ: «هذا حديث صحيح»، وقبله قال الحاكم: « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»!
قلت: إنما ظاهره الصحة وحسب، وليس في «الصحيحين» ولا أحدهما حديث بتلك الترجمة قط! على أن الأعمش إمام في التدليس! ولم يذكر فيه سماعًا من ابن الأقمر؟ وبعض أصحابنا يقبل عنعنة الأعمش بإطلاق ما لم يظهر له تدليسه؟ جازمًا بأنه كان مقلا من التدليس، بحيث لا يليق الإعلال بعنعنته! كأنه ما وقف على قول مغيرة عند أحمد في العلل[1/ 244/ رواية عبد الله]: «ما أفسد حديث أهل الكوفة إلا أبو إسحاق والأعمش!! » يعني التدليس، كما قاله الحافظ في التهذيب [8/ 85]، وتصحف عنده: «مغيرة» إلى: «معن! »، والمغيرة: هو ابن مقسم الإمام الفقيه الحجة؛ وما كان أبو إسحاق والأعمش ليفسدا حديث أهل الكوفة إلا لكثرة التدليس في حديثهما!